لا أعرف بالتحديد متى قابلت هذه الأفيال الصغيرة ، التي كُتب عليها أن تظل واقفة حتى لا تتحطم عظام قفصها الصدري ، و أن تظل تسير حتى تحافظ على توازنها ، لا أعلم ، ربما منذ خلقني الله في شبرا العامرة بالناس ، ربما منذ أصابتني لعثمة في النطق و أنا صغيرة فاتسعت النفس لفضيلتي الصمت و المراقبة ، ربما منذ مسني سحر ما جعل الوجوه تحدثني ، و ربما منذ خبرتني الحياة ، أن الرضا مجرد الرضا بمقدار أعلى قليلا من اليأس و لكنه أقل دائما من السعادة هو ما يمكن أن تمنحه لشخصيات أعمالي .
( بصفة عامة نستطيع أن نقول ، أن المحور الأساسي الذي تدور حوله كتابة نجلاء هو الحالة الداخلية للفرد الذي يعاني صراعاً بين الحرية و الضرورة التي تريد أن تقمعه ، فالأساس في هذه الكتابة هو تقديم حالة شعورية أو نفسية داخلية للفرد ، هذه الحميمية في إدراك البشر مع قدرتها على الوصف ، الحقيقة تمتلك قدرة نادرة على الإمساك بالتفاصيل الصغيرة .
د. سيد البحراوي
معرض الكتاب رقم 29 – 1997)
هل كانت مغامرة ؟
لم أعتبر نشر ” أفيال صغيرة لم تمت بعد ” المجموعة القصصية الأولى لي مغامرة ، فلم يكن عندي شئ أُغامر به ، لا اسم معروف في الوسط الأدبي – رغم فوزي بعدة جوائز – و لا سابق معرفة جدية بيني و بين القارئ ، و لهذا كانت الشجاعة آن ذاك أكبر و التهجم على النشر أعلى ، و كنت قد اعتدت على الاحتفاظ بمجموعة من القصص التي أكتبها في حقيبة يدي ، ربما كنوع من الإئتناس بها ، و كلما قابلت إنساناً أهديته بعضاً منها ، لمجرد المشاركة ففي البدايات تشعر أن الأشجار لابد أن تقرأ لك و ليس فقط الإنسان ، و هكذا قابلت المبدع الكبير ” إبراهيم عبد المجيد ” ذات يوم و دون سابق إنذار أعطيته بعضاً منها .
( نجلاء علام كاتبة محجبة الزي ، بعيدة عن صخب الاستعراضات الحداثية و النسوية ، و لكن كتابتها المتميزة في القصة القصيرة ” أفيال صغيرة ” شقت لها مدخلا روائياً شديد الجسارة في تمزيق الأستار و الحجب و كشف المستور عن حياة النساء المصريات .
إبراهيم فتحي
جريدة القاهرة – 2004)
شكراً للسيارة
و مرت شهور طويلة لم أقابل فيها أستاذ إبراهيم حتى أسأله عن رأيه في القصص ، و ذات يوم قابلت أحد الأصدقاء الذي أبلغني أن “إبراهيم عبد المجيد” يبحث عني ، فحصلت على رقم تليفونه ، و اتصلت به عصراً في رمضان ، فجاءني صوته مبحوحاً من أثر النوم :
– نجلاء ، أنتي ادتيني قصص بخط اليد ؟
و أخبرني أنه وضعها في شنطة السيارة عندما أخذها ، ووجدها منذ يومين عندما أراد تنظيف السيارة و ترتيب الشنطة ، و بدأ في قرأتها ووجدها مميزة حسب تعبيره ، و طلب مني حينها مجموعة كاملة للنشر في سلسلة ” كتابات جديدة ” و بعد فترة صدرت “أفيال صغيرة لم تمت بعد” ضمن الدفعة الأولى التي صدرت من هذه السلسلة عام 1996 ، فشكراً للمبدع الكبير ” إبراهيم عبد المجيد ” و شكراً للسيارة الأمينة التي حافظت على القصص ، و شكراً للسمكري الخاص بالسيارة .
( و تعمد كتابة نجلاء – و هذا سر توفيقها و نضجها السردي عندي – إلى تجسيد موضوعها الأساسي و هو الانكسار و هدر الأحلام الإنسانية البسيطة و المشروعة معا ، من خلال بنيتها الفنية المراوغة قبل موضوعها نفسه ، بحيث يسقط الموضوع إلى قاع السرد ، و يتسربل بتجلياته المختلفة ، بينما تطفو على سطحه تفاصيل الأحداث .
د. صبري حافظ
جريدة الخليج – 2007 )
خيوط الحرير
لا أستطيع أن أصف ما أكتبه بالسهولة رغم بساطته ، فليس كل بسيط سهلا ، فالحرير الذي تلمسه بيدك ، فتجده منساباً بسيطاً ناعماً ، هو في الأصل مكون من تركيبه من الخيوط معقدة جداً و محكمة ، كذلك الكتابة عندي ، و خاصة علاقتي بالشخصيات التي أكتبها ، أشعر أن هذه العلاقة نسجتها
خيوط الحرير الخفية القوية ، عنهم أتحدث هؤلاء الذين فُتنت بهم ، لقد تسربوا داخل الذات حتى لم أستطع أن أقاومهم فخرجوا على الورق ، خرجوا نابضين بالحياة ، و تقدموا و اختفيت .
( و عند نجلاء النص يكتب نفسه بشفافية ، يُعبر عن الموت دون دماء أو غلظة ، يصنع اسطورته الخاصة داخل الواقع ، و يستنطق الكائنات بمنطق المشابهة الخفي ذي السحر الفني ، حيث الكاتبة تتوارى لتترك الحدث و الحالة النفسية لتيار الشعور لمصيرها إذ تلمع أو تنطفئ ، حيث الصمت كالروح الخفية للموسيقى و أصداء الكون .
منار فتح الباب
ملحق أهرام الجمعة – 1998 )
بنت العصر
أعتقد أن القصة القصيرة بنت عصرها ، و المدون من هذه القصص على مر الزمن و في البلدان المختلفة ، يوضح أن القصة ظلت تعكس و ترصد روح كل عصر مرت به ، طريقة تفكير الإنسان في هذا العصر ، مدى الرفاهة عند هذا الشعب ، الخريطة النفسية لشخصياته المختلفة ، الخصائص المميزة للسلوكيات الجماعية ، الإنسان ظل طوال الوقت وقوداً للقصة القصيرة و منتجاً لها ، إذ استغنت القصة عن عبء الاستطراد و و الامتداد الزمني و كثرة الشخصيات ، فصفت إلى الإنسان و كذلك فعلت قصصي ، لقد تمرنت مع الكتابة فترة طويلة حتى أدركت هذا ، و لعل ” أفيال صغيرة ” ليست أول مجموعة أكتبها ، بل سبقتها مجموعتين كُتبتا أثناء المرحلة الثانوية و الجامعية ، و لكني آثرت التخلص منهما ووضعهما في كشكولين أنيقين تقديراً لهما ، و الاحتفاظ بهما في أحد الأدراج ، كانت الكتابة في تلك الفترة جامحة بلا جماليات تقريباً ، مفعمة بالمشاعر الملتهبة ، ميلودراما غير مبررة ، و كنت أشعر أن الكتابة تقودني و كنت أريد أن أقودها ، فتوقفت لمدة عام ، ثم عدت إليها و أنا أظن – و كل الظن أثم – أنني أسوسها .
( تتماس قصص نجلاء علام مع صيغ الكتابة الجديدة ، تماساً رقيقاً و فاعلاً حيث تتواشج مع البنية التراكمية ، لتؤكد كثيراً حالات تشظي الوعي الإنساني ، و لهذا سوف نلحظ كثيراً من العلاقات المجهولة و المساحات الناقصة ، حيث يمكن للقارئ إعادة ترتيبها في نسق يمكن تمثله و ملأ فراغاته ، ليصبح النص في كل قراءة و كأنه يُكتب من جديد .
سيد الوكيل
جريدة الرياض – 1998 )
جراب الحاوي
القص كجراب الحاوي سيدهشك كيف يتسع إلى كل هذه الحيل ، ووسائل التخفي و البوح ، لذلك يجد كلُ منا شيئاً خاصاً به داخل هذا الجراب ، لقد وضعت يدي داخله فخرجت بالصورة البصرية و المزج بين السرد و الوصف ، باحساس خاص بالزمان و المكان ، و محاولة الاستفادة من خبرات الحياة المعاشة و رصد التحولات النفسية من خلال اهتزازت صغيرة أرصدها بالحركة و لغة بسيطة هي عظم الكتابة ذاتها .
( كتاب نجلاء علام أفيال صغيرة لم تمت بعد ! مفتوح أمامي منذ فترة أُطالع فيه و أتذوق أداء الكاتبة اللغوي المتقن و المتميز ، و تحيلني اللغة المتقنة إلى أبعاد أخرى في هذا الأدب الجديد ذي المعدن الأصيل ، اعتمدت الكاتبة على دقة التركيب و التعبير و تحديد الجملة و احكام تصويبها ، كما اعتمدت على المسكوت عنه أكثر من المُقال ، كل محاولات القراءة لم تقد بصيرتي إلى تفسير حالة الاعجاب بها ، حتى فتح الله على الكاتب ” إبراهيم أصلان ” بتعبير ” بلاغة الحالة ” الذي انفجر معه المعني الحقيقي لمحاولات نجلاء علام .
علاء الديب
مجلة صباح الخير – 1997 )
الممكنات الجائرات
هكذا سحبتني الكتابة إلى ألوان أخرى ، و انسكب عصير القلب ، و تفرقتُ في سبل الحياة أُصارعها و تُصارعني و خرجت الممكنات الجائرات بقرونها ، حيث كلما غوت ولوحت بالعطايا جريت ، و بذلت و لكنها ظلت دائما ممكنات .