عندما أرجع بذاكرتى لبداية معرفتى بنجلاء علام .. أتذكر ان طريقا واحدا كان يجمعنا لحضور ندوة المساء التى كان يقيمها الكاتب الروائي محمد جبريل .. كانت ندوة متميزة احتوت مواهبًا حقيقية أجد لأصحابها أسماء لامعة فى الوسط الأدبى الآن.. كانت تلفت نظرى بخطواتها الهادئة .. بدت عيناها بالنسبة لى دائما مثل بحيرة هادئة وساكنة، تشعر أمامها بأنها تعيش سلاما لانهائيا.. لكن عندما تقترب من الأعماق تجده حافلا باليقظة والحياة .. ورغم اختلافنا فى السمات الشخصية الظاهرية .. إلا أن ثمة نقاطاً التقينا فيها وجمعت بيننا وصنعت تاريخا شخصيا لكل منا.
كنا مخلصين لتلك الطبقة المتوسطة التى خرجنا منها بقيمها وعاداتها .. وكان الكثير من الأصدقاء والزملاء فى الوسط الأدبى يضعونا فى باقة وكثير من الكاتبات فى باقة أخرى .. اخترنا أن يكون لنا طابعنا المميز.. ولا زلنا مخلصيْن له إلى الآن حتى وإن كان هذا الأمر ضدنا فى بعض الأحيان .. نجلاء علام مثل معظمنا من أصحاب الطبقة المتوسطة أخذت على عاتقها حفر طريقها الخاص وسط مجتمع تتغلب فيه المصالح والشللية على الموهبة .. يهمها فى المقام الأول الكتابة عن الإنسان بشكل عام والإنسان العربى بشكل خاص .. طبقة المهمشين لها سحر خاص لديها فهم أبطالها الحقيقيون .. تعّبر عنهم بكل عمق وبساطة .. تحاول النفاذ إلى حياتهم الباطنية .. لا تهوى الثرثرة لكنها تترك لقطاتها الحية والمشاهد لتُعبّر عما تقول ، لديها احتفاء خاص بالصورة البصرية شحيحة فى مفرداتها لأنها تعتمد على ذكائنا الخاص فى فهم ما يدور خلف السطور ولهذا فهى لا تكتب للقارئ التقليدى ولكن لقارئ من طراز خاص تبدو بينها وبينه صلة روحية خاصة .. وهى لا تسعى لعمل خلطة مقصودة فى كتاباتها حتى لو كان التجارة الرائجة فى كثير من الأوقات .. فهى دائمة التفكير فى حياة إنسان هذا العصر ومصيره .. وهى لاتقدم لنا هذه الرؤية بطريقة مباشرة وسطحية وإنما تقدمها رؤية للإنسان والحياة بخصوصية ووعى.
دائما .. كان للمكان حضور خاص، لشخصيتها زمانها الخاص ومكانها المتفرد .. تجلت بذور هذا الأمر معنا فى بدايتنا .. كان يحلو لنا التجوال فى تلك الأماكن التى يفوح منها عبق التاريخ .. نبحث بشغف خاص عن تلك الأماكن التى قرأنا عنها.. عن تلك الأماكن التى عاش فيها أبطال نجيب محفوظ .. نحاول استشفاف تلك الحيوات التى عاشت فيها .. نستنشق عرق الشوارع ورائحة البيوت .. كل منا تتشربه بطريقتها الخاصة وتمزجه بعالمها .. فالمهمشون فى عالمها يعزفون نغمة غير التى يعزف بها أبطالى شركاء الألم والمعاناة لكن لكل منا رقصته الفريدة وتجليه الخاص .. وهى لهذا تصف الكتابة بأنها مثل جراب الحاوى .. كل منا يضع فيها من روحه ليخرج بشئ مختلف ..
نجلاء علام فى كتاباتها لا تستطيع أن نفصل بين الهم الإنسانى والهم الوطنى فكليهما يمد الآخر بأسباب الحياة ، فالخاص والعام يكادا يمتزجان حتى لانعرف أيهما سببًا فى حياة الآخر.. فهى تقول عن 25 يناير فى روايتها ( الخروج إلى النهار) (شعورا بالعزة يتسرب إلى روحك وجسدك ويدفعك إلى حب الحياة ص. 102)
وهى تؤمن بأن الكاتب الحقيقي لايمكن أن يحيا فى برج عاجى ولكن عليه دور نحو تلك الأجيال الجديدة والبذور التى تتفتح .. ولهذا أخذت على عاتقها رعاية المواهب فى صفحة ( بنانيت ) التي تكتبها في مجلة ( قطر الندى ) .. وهى تقوم بنفس الدور مع المبتدئين من المبدعين .. فتتعهد موهبتهم بالتشجيع حتى ولو لم تنضج بعد ، فتبدو كما لوكانت مثل صانع الحُلى الذى يعكف على معدنه النفيس ليزيل ما علق به من شوائب .