حاورها : محمد البرعى
فى العام 1994 صدرت جريدة (أخبار الأدب) برئاسة الروائى الكبير جمال الغيطانى وهى تحمل عنواناً عريضاً فى صدر صفحتها الأولى يقول : (عشرون كاتباً هديتنا إلى مصر) وقد ظهر الأديب العالمي الراحل نحيب محفوظ في صورة ضخمة وهو يصافح الفائزين في مسابقة القصة القصيرة , التي نظمتها الجريدة آنذاك.
نجلاء علام كانت من بين الفائزين , وقد أثبتت السنوات وتوالي الأعمال التي أنجزتها أنها بالفعل مبدعة من نوع خاص . كتاباتها رزينة , هادئة , ولا تختلف كثيراً عن شخصيتها فهي لاتمل في قصصها ورواياتها إلى الدخول في المناطق الشائكة, وإن كانت كتابتها لاتخلو من حس إنساني صادق , وموهبة لافتة , وبراعة في البناء الدرامى .
ما الذي يتبقى في ذاكرتك من مسابقة ( أخبار الأدب ) عام 1994 ولقاء نجيب محفوظ ؟
هذا العام كان عاماً جميلاً بالنسبة لي , ففيه تخرجت من الجامعة , وتقدمت بمشروع دبلوم للدراسات العليا , كما شاركت في تلك المسابقة التي كانت الأولى من نوعها للقصة القصيرة في مصر وترقبها الوسط الأدبي كله و أذكر مراسم تسليم الجوائز , التي شارك فيها إلى جانب محفوظ نخبة من مشاهير الأدباء المصريين والعرب , وكيف أصبح معظم الفائزين أصحاب أسماء معروفة الآن , مثل أحمد أبو خنيجر, وأمينة زيدان , ومحمد بركة, وفي العام نفسه فزت بالمركز الأول في المسابقة المركزية لقصور الثقافة بمجموعتي الأولى وكان كل ذلك تأصيلا لمشروعي الإبداعي مما منحنى الثقة .
– هل تغير شكل كتابتك بعد تلك المرحلة ؟
بالطبع فكل مرحلة تنضح بسماتها التي تميزها وبعد الاحتكاك بالعالم وبالمزيد من التجارب الإنسانية والشخصية أخذت كتابتي منحى آخر فبدأت تعبر عن الناس واختلفت بشكل كبير خاصة وأن الواقع أصبح أكثر تشابكاً في البداية أنت تكتب لكي تؤكد ذاتك ثم تتنافس مع الواقع وتطرح بعدها مخزونك النفسي والإبداعي فتأخذ من الناس وتعطيهم فتعيد صياغة أجزاء من حياتهم رغم أنك لم تمر بتلك التجارب ولابد من أن يشعر الآخر بمدي صدق ما تكتبه ولن يتأتي ذلك إلا بطرح الأسئلة عن وجود الإنسان بشكل عام فتخرج من القضايا اليومية الحياتية فضلا عن تساؤلات أخرى تخص بعض الهواجس الثقافية .
– ما التساؤلات التى تطرحها كتاباتك الآن ؟
أنا الآن تشغلنى علاقة الشرق بالغرب ، والنظر إلى الصفات الإنسانية العامة لكل البشر، لأن هذا هو المدخل لجعل العالم أكثر احتمالاً لابد من أن نبحث عن مساحة أكبر للتواصل وأن نبدع من خلالها لأن أي تكريس للتناقض يؤدي إلى دمار العالم كله .
– أنتِ إذاً لا تتوجهين بكتاباتك إلى المرأة بشكل محدد مثل معظم المبدعات ؟
هذا التوجه ظهر في فترة من الفترات وتم الترويج له وكأن المرأة كائن فضائي وليست إنساناً، وجهة نظري عن الكتابة أنها إنسانية في المقام الأول ففى البداية كنت أكتب عن تجارب خاصة وكانت كل جملة لابد من أن تبدأ بكلمة أنا ولكننا مع مرور الزمن نتعلم أن الإنسان ما هو إلا نتيجة للتراكم المعرفي والوجداني وأصبح صوتي معبراً عن هموم الطبقة المتوسطة حيث التعايش بين الرجل والمرأة وكيف يحاولان معا التواصل وتحقيق الذات على قدم المساواة فالاثنان مقهوران ويحملان وجعاً عاماً .
ما رأيك بالمبدعة التي تحمل الوجع الأنثوي باعتباره مشروع كتابة بعيداً عن قضايا المجتمع ؟
كل إنسان يرى الحياة من منظوره الخاص فأنا لا أستطيع أن أقول إن رؤيتي هي الصحيحة ، وإن رؤية تلك المبدعة قاصرة ولكننا إذا استطعنا أن نضم ما يكتبه كل منا امكننا أن نكون صورة لما نريد أن نعبر عنه شخصياً كتابتي لا أستطيع أن أحصرها في ما يسمى أدب الأظافر الطويلة فأنا أعبر عن الإنسان أما الكتابة النسوية التي تنزح أكثر إلى طبقة أعلى من الطبقة المتوسطة فلا تستهويني المهم أن نعبر عن نبض الشارع بصرف النظر عن التقسيمات .
وهل كتابة نجلاء علام تصل إلى الناس في الشارع ؟
لا المجتمع يعاني أمية وليس لديه الفائض المادي لكي يستطيع شراء كتاب وما نفعله فى مؤسسات الدولة ليس حقيقياً فالمجلس الأعلى للثقافة على سبيل المثال يقيم مؤتمرات وندوات لكي يتحدث المثقفون إلى أنفسهم على عكس هيئة قصور الثقافة وهي مؤسسة تُعني بتثقيف الشعب من خلال الذهاب إلى النجوع والكفور ومراكز الشباب والالتحام بالناس وأنا من خلال عملي في تلك المؤسسة صادفت شرائح عديدة من أطفال تلك المجتمعات أستطيع من خلالها أن أقول إن مصر بخير .
وماذا ينقص المبدع لكي يكون مؤثراً ؟
أن يكون معنياً بأن تصل كتابته إلى الناس الذين يكتب منهم وإليهم لابد من أن يكون هناك تفاعل بين المبدع والمتلقي ، أذكر أنه في إحدي دورات معرض القاهرة للكتاب كانت هناك جلسة تحضيرية عن المرأة واقترحت أن تتم الاستعانة بنماذج من النساء من مختلف الشرائح والمستويات التعليمية فتتكلم كل سيدة عن همومها ومشكلاتها وبالطبع لم يتم ذلك وتم طرح الكلام المحفوظ نفسه من أن هناك هجمة شرسة على الكتابة الانثوية .
هل تحاولين اختيار لغة بسيطة تصل إلى المتلقى ؟
اللغة أهم شيء في كتابة القصة فهي التي تستطيع أن تقنع القاريء بأن تلك اللحظة حدثت بالفعل أو أنها متخيلة المهم أن يحمل ما أطرحه عدة مستويات للتلقى ، فيصل إلى القاريء العادي المغزي على نحو ما فيفهمه بشكل معين بينما يفهمه المثقف بشكل آخر تماماً لأن الدلالة المعرفية عنده مختلفة ، أهم شيء في الفن هو الاختيار فأنت فى يدك مفاتيح الإبداع ، وأنت الذي تختار أن تعبر عن الناس أو أن تصدمهم وإذا حدث ذلك فإن التساؤل يكون هل تلك الصدمة مبررة فنياً ، فأنا أشعر بأن هناك أعمالاً كثيرة تُكتب فقط من أجل الاصطدام بمباديء المجتمع من دون أي مبرر فني .
كيف كان تحولكِ نحو الكتابة للطفل ؟
فى البداية كنت أكتب ما يعبر عن الذات في صورة قصائد أو خواطر ثم مع وجود الخبرة المعرفية والقراءة المتخصصة بدأت بكتابة القصة ، فحين تكون لدي خبرة إبداعية ما انقلب إلى الرواية وحين نضجت في الكتابة بدأت بالكتابة للأطفال حيث إن الكتابة للطفل أصعب لأنك تكتب لمرحلة عمرية لها صفات عقلية ولغوية ونفسية مختلفة .
لماذا تحرصين على أن تكون كتاباتكِ محافظة وغير جريئة ؟
الكتابة الجريئة لابد من أن تكون أولا وأخيرا كتابة فنية تستدعيها الضرورات الفنية ، إذا كنت أستطيع أن أعبر عما أريده بشكل غير جارح فما الذي يجعلني أكتبه بصورة تجعلني أخجل منه ، الأهم هو التعبير عن الجوهر الإنساني وليس إيصال القاريء إلى متعة جسدية فليس مطلوباً مني أن أكتب مشهداً فاضحاً حتى أكون متميزة .
لكن معظم المنتشرين من الكتاب يعتمدون على كتابة ما يُسمي كسر التابوهات ؟
لأن الغرب يريد أن يرانا بهذا الشكل المشوة وهذه الصورة الأدبية المنحرفة تضم المجتمع ككل ، نحن مجتمع متوازن والأهم هو فنية الكتابة وليس الجري وراء أشكال لا تمت إلى مجتمعاتنا بصلة أشعر بأن هذا عرض من أعراض أمراض الوسط الثقافي التي باتت تتركز في الشللية .
هل الكاتبة تنتشر أسرع من الكاتب ؟
في فترة من الفترات كان هناك تأثر بالمدارس المنتشرة في الغرب فحينما ظهرت موضة الكتابة النسوية هناك كان يتم الاهتمام بالكاتبات هنا أكثر ، ولكن الأمور الآن بدأت تتوازن فالكاتبة مسؤولة ولها حرية أن تكتب عن المرأة لكن المهم هو أن يكون الاحتفاء بها طبقا للمستوي الفني لكتابتها وليس لأنها أنثى .
هل زواج الكاتبة بكاتب يساعدها أكثر على الإبداع ؟
ليس فى كل الأحوال أما عن تجربتي الشخصية فأنا أعيش والحمد لله تجربة ناجحة مع زوجي “هشام علوان” لأننا اتفقنا منذ البداية على أساسيات الحياة وهي أننا فى البيت زوجان أولا ثم أب وأم ثانياً ، ثم يأتي بعد ذلك أننا كاتبان إضافة إلى أننا نقف جنباً إلى جنب لكى نشق طريقنا معا .
ـــــــــــــــــــــ
* نشر الحوار في مجلة ( المرأة اليوم ) الإماراتية، العدد: 554 ، يوم : 24 نوفمبر 2011