شريف رزق قبل وفاته بشهرين: الجميع مؤيدًا ومعَارِضًا.. يشاركون في أزمة قصيدة النثر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورته: خلود الفلاح

 

شريف رزق شاعر وناقد مصري، من المدفعين عن قصيدة النثر، لأنها بحسب قوله "شكل شعري جديد، يتخطّى نظرية الشعر عند العرب. لم يتم قبولها بسلام؛ كما حدث مع الأشكال الأدبية الجديدة على الأدبية العربية؛ كالقصة القصيرة والمسرحية (الشعرية والنثرية) والرواية".

حاورته: خلود الفلاح

شريف رزق شاعر وناقد مصري، من المدفعين عن قصيدة النثر، لأنها بحسب قوله “شكل شعري جديد، يتخطّى نظرية الشعر عند العرب. لم يتم قبولها بسلام؛ كما حدث مع الأشكال الأدبية الجديدة على الأدبية العربية؛ كالقصة القصيرة والمسرحية (الشعرية والنثرية) والرواية”.

قدم لقصيدة النثر العربية مجموعةً من الأعمالِ النقدية تعد مرجعا مهما في هذا المجال، نذكر منها: “شعر النثر العربي في القرن العشرين”، “قصيدَة النثر في مشهد الشعر العربي”، آفاق الشعرية العربية الجديدة في قصيدة النثر”، “قصيدة النثر المصرية: شعريات المشهد الجديد”، الأشكال النثر شعرية في الأدب العربي”، “شعرية الحياة اليومية والخطاب الشفاهي، في قصيدة النَّثر العربيَّة الجديدة”، “شعريات ما بعد “شعر”: قصيدة النثر العربية في السبعينيات والثمانينيات.

كرمه المؤتمر العام لأدباء مصر في يوم 25 من ديسمبر 2016، لدوره في إثراء الحركة النقدية المصرية وعن مسرته النقدية. واعترف في ديوانه الأخير، “هواء العائلة”، أنه أستدعي تاريخاً شخصياً ذوى، بأمكنته التي زالت، وشخوصه الذين رحل معظمهم، استدعي حيواتٍ ومواقف من سرديات العائلة، وانفتاح الخطاب الشعري فيها على طاقات السرد والدراما، في سيرنة الخطاب وشخصنته.

رحم الله الكاتب شريف رزق الذي رحل عن عالمنا صباح الأربعاء 14_6_2017، عقب إصابته بنزيف حاد في المخ. عن عمر ناهز الـ52 عامًا، هنا حوار أجري معه قبل رحيله بشهرين وينشر هنا لأول مرة.

قصيدة خطيرة

لاتزال قصيدة النّثر تُواجه النفي والإقصاء، على الرّغم مما أحدثته من ثورة في آليّات إنتاج الشّعريّة، وهي ثورة تخطّت آفاق القصيدة إلى آفاق الأنواع الأدبية الأخرى. فكان رده على هذه الإشكالية: على الرغم من الحضور الطّاغي، في المشهد الشعري، منذ ربع قرن على الأقل، فإنّ النفي والإقصاء لا يزالان يلازمان حضورها، وأُرجع السبب إلى ما يلي: المبدعين الرجعيين، والنّقّاد الكلاسيكيين، ومؤسسات الثقافة، وبعض شعراء قصيدة النثر الذين لا يرون إلا القصيدة التي يكتبونها ولا يجدون أنفسهم في سياقات قصيدة النثر الأخرى ويرون فيها خطورة على وجودهم؛ فيمارسون الإقصاء والنفي؛ ويُكرون الموقف العدواني ذاته، مع النّقّاد الذين يرصدون علامات التحول الشعري ويرسخون لنظرية الشعرية الجديدة، وعلى الرغم من كثرة الأدعياء بين شعراء ونقّاد قصيدة النثر العربية، فإن القلّة المبدعة الأصيلة شديدة الأهمية والتأثير، وقصيدة النثر الحقيقية موجودة، في العمق من المشهد، وتتطور باستمرار، وتقدم جماليات وأصوات عديدة، تتحرر، باستمرار، من هيمنة آليّات هيمنت على بناء شعرية الخطاب كثيرًا، وقد جددت قصيدة النّثر نفسها عدة مرات، وهي قادرة؛ بمكوناتها الحرة، وبأصالة تجارب شعرائها الحقيقيين، أن تتجدد على الدوام، وتشكل أشكالها المتجددة، وكما يحدث دائمًا، سيسقط كل من يقف في وجه الطّليعة المبدعة المجدّدة.

لماذا هذا الاهتمام من جانبك بدراسة شعريّة القصيد النّثري؟ فأوضح: شاركت في المعارك الأساسية لقصيدة النثر، منذ بدايات التسعينيات، في مصر وخارجها، وقد لاحظت الحاجة إلى سند نظري ودراسة جماليات هذا النوع الشعري الأحدث، والكشف عن آليّات إنتاج شعريته، وقررت أن تكون هذه رسالتي، بجانب كتابتي لهذه القصيدة، ولم أحفل بالتكتلات التي تتجمع والشلل التي تتنامى، وأغلبهم دخلاء يبحثون عن أدوار ومكاسب، وأضاف ضيفنا: “في البداية قررت أن يكون عملي أكاديميًّا، واحتشدت له، وفوجئت بكم الرجعية الهائل، وتراجُع الدرس الأكاديمي الرسمي كثيرًا عن الواقع الشّعري، بالإضافة إلى أن دراسة قصيدة النثر تتضمن تقويض العديد من المسلّمات؛ التي لها القداسة، وتتكرر في المراجع الأكاديميّة المقدسة، كل هذا جعلني أجعلها مشروعًا خاصًّا؛ أتفرّغ فيه لدراستها منذ الجذور، وأرصد تحولاتها وشعرياتها المختلفة، وكما ذكر كثيرون فإن هذه الكتب سدت نقصًا كبيرًا في المكتبة العربية“.

وتابع: يسعدني اتهامي بالتحيز لقصيدة النثر، وتكريس معظم جهدي لشعريّاتها، ويسعدني أن أتابع كل جديد فيها، من مختلف الأجيال، في شتى البقاع، وأنني أتعامل معها بلا أي حسابات أو خضوع لضغوط وابتزاز.

أشكالية كبيرة

أشار الناقد شريف رزق أن مصطلح قصيدة أثار إشكالية منذ ظهوره، وقد أشارت سوزان برنار إلى هذه الإشكالية؛ فكيف يجتمع نقيضين، ظاهريا؟، وبالمناسبة فقد تكرر السؤال في مختلف الشعريات؛ ومنها الشعرية العربية، وأحب في البداية أن أوضح أن مصطلح “قصيدة” ذاته أصبح إشكاليًا؛ فكيف ندرج-بِاطمئنَان-  في دائرة واحدة (قَصيدة) للمتنبّي، مع(قَصيدة) لمحمد عفيفي مطر، مع قَصيدة لسليم بركَات، مع (قصيدة) لبسام حجّار؟.. وكل هذا (شعر)، وكل هذه (قصائد) غير منكورة؟

وتابع: ما مفهوم (القَصيدة) الّذي يحتوي على كل هذه (القَصائد)؟، أليس ثمة اتساع حاليًا في مفهوم (القَصيدة)؟، أن مصطلح “قصيدة النثر” الإشكالي ليس بعيدًا عن هوية هذا النوع الشّعري الإشكالي؛ بل إنه مجلىً له؛ فهي “قَصيدة” لأنّها تبنْيُن شعري مقصود شعرًا في الأساس- حسبما تشير دالة “قَصيدة”- لَه إجراءاته الخاصة في تحقيق شعريته، وتأسيس “قَصيدت”ـه في فَضاء هذه “الشعريّة، هي “قَصيدة” اكتسبت التعريف بإضافَتِها إلى “النثر”؛ لأنّه الحقـل الذي تتشكل في تربته، وتنبت في مكوناته، في شكل منظّم، وإذا كان “النثْر” يشير معجميا إلى التفرق والتبعثر، فإن “القصيدة” هنا هي النظام الصاعد في هذا الفضاء المحتشد بالمتناثر في غير نظام، ومصطَلح “قَصيدة النّثر” Prose Poem – كما استقر في شعريات اللغات الأُخرى- يشير إلى “القَصيدة النثريّة غير المقَطّعة؛ قَصيدة الإيقاع المتدفّق الموصول، في خطاب يتدفق، فيحتل مساحات البياض، في هيئة كهيئَة النثْر الموصول، على فَضاءِ الصفحة كأي نثْر، مستثمرة طاقات السرد في اصطياد الشعر في خريطة النثْر؛ ليصبح من النثر العادي الكيان الفَني المحكَ، الذي هو القَصيدة كاملة، في هيئة النثر وسيولَته وتَدفّقه.

وأكد ضيفنا: الوعي بإنشاء قَصيدة في ركام النثر، هو وعي بإنجاز نوع شعري مقصودٍ في الأساس منذ أول مفردَةٍ في إبداع هذه القَصيدة؛ استجابة لإيقاع التجربة المُنَظّم للتركيب النحوي للنص، ولمعمار النص كلّه، وهذا ما يشكل منها قصيدة؛ فهي قصيدة تَستَثمر حيل وإجراءات النثر العادي؛ كالسرد والوصف والاسترسال والتّدفق الحر، لأغراض شعرية أكثر تحرّرًا وبكَارةً .. إن مصطلح قَصيدة النثر يُرَادُ به الدلالة على تلك القَصيدة التي تُكتَبُ كما يكتَبُ النثر العادي، المُكَوّنة من عناصر النثر التامة، القَصيدة الصاعدة في مجال النثر، قَصيدة هنـا مُضافة إلى النثْر؛ لأنّ النثر هـو الأصل والأساس، والقَصيدة هيَ الخلاصة الطّالعة في فَضائه، والثّمرة الناتجة في حقلِه، هي (الشكل) الطّالع في (اللا شكلِ)، و(النّظَامُ) المُنبَثق مِن (اللا نظامِ)، و(الصّيغَة) الصّاعدة من (الانفراط)، وهذا ما يجعلها نَوعًا (شعريّا)، صاعدا في خريطة (النّثر)؛  التي هي تفَرق ولا نظام وتبعثر وانفراط، وإذا جاءت القصيدة النثريّة في شكل سطور شعريّة حرة متفاوتة الأطوال؛ كأغلب ما نراه منشورًا، فإنّها في هذه الحالة تسمّى اصطلاحًا: شعرًا حرّاFree verse ، وهو ما يدل، في كلّ الشعريّات، على الشعر الخالي من الوزن والقافية، المكتوب في سطور حرة قد تطول أو تقصر؛ تبعًا لحركة تدفق التجربة.. فَليْسَ كُلُّ شِعرِ النثر قصيدة النثر؛ غير أن الجميع: مؤيدًا ومعَارِضًا، يشَارِكون في هذه الأزمة.

وقصيدة النثر شعر خالص، تجرد من آليّات إنتاج الخطاب الشعري التي ارتبطت به طويلا، حتى أصبحت شرطًا لشعريته لدى كثيرين، وهذا هو جوهر الإشكاليّة.

هل قصيدة النثر استبدلت الحكي عن القضايا الكبرى بالكلام عن التّفاصيل؟. فأجاب ضيفنا: التحول من عوالم القضايا الكبرى إلى عوالم التفاصيل، لا يخص القصيد النثري وحده، وإنّما يخص الآداب والفنون بشكل عام، في انتقالها من دائرة الحداثة إلى دائرة ما بعد الحداثة، وهذا التحول لا يقتصر على الأدب العربي، لقد حدث هذا في الأدب الفرنسي، وفي الأدب الأمريكي، وقد ظهر هذا عربيًّا تحت إلحاح ظروف سياسية وحضارية منذ نهايات الثّمانينيّات، وهو ما تمثّل في الانتقال من التعبير عن التفاصيل لا المجردات، والجزئيات لا الكلّيات، والمعيش بدلا من الميتافيزيقي.

وحول أبرز التحديات التي تواجه القصيد النثري العربي من وجهة نظره قال: التحدي الأبرز الذي تواجهه قصيدة النّثر هو الحاجة إلى وجود حركة نقديّة حقيقية وقادرة، تفرز الجيد من الغث، وتنحاز إلى التجارب الحقيقية؛ لأن ساحة النقد تمتلئ بأدعياء ومرتزقة ودخلاء أكثر من ساحة المبدعين، والنقد علم وثقافة وذائقة ذات بصيرة، وكثيرون ممن يتعرضون له لا علم لهم ولا ثقافة ولا ذوق!، ثم يبرز تحدي الخروج على التنميط.

 

واقرأ أيضاً:

ملف خاص عن الشاعر شريف رزق

 

مقالات من نفس القسم