حاوره: خلف علي حسن
كيرياليسون» اسم غير مألوف لكنه لفت أنظار النقاد ومتابعي الحركة الأدبية،لأن صاحبه الروائي المصري هاني عبد المريد يعتبر من الأدباء الذين يمتلكون قراءةلغوية ويتطرقون إلى الثبات المبكر في عالم الأدب. وعلى الرغم من أنه أصدر ثلاثةأعمال سابقاً، إلا أن «كيرياليسون» ألقت عليه الضوء مجدداً. معه هذاالحوار
ما معنى كيرياليسون؟
كيرياليسون كلمة قبطية تعني «ارحم يارب»، ينطق بها الأقباط عندما يقعون في ضيقواستخدمها أحد القديسين ليخرج من ضيقه. يثير هذا الإسم نوعاً من الغموض ولغزاًللقارئ الذي يجهل عالم الأقباط. بالفعل اختلط الأمر على الجمهور في معرض الكتابوتساءلوا عن معنى الإسم، فأدركت إنه لفت النظر وشد الانتباه، استخدم الكلمة نفسها «ناجح» بطل الرواية كدعاء للنجاة.
ألم تخش أن تصنَّف على أنها رواية دينية – مسيحية؟
إطلاقاً لأنني تجنبت كتابة رواية سياحية عن «حي الزرايب» الموجود في القاهرةوالذي تدور فيه أحداثها، كذلك لم أرد أن أكتب رواية تعتمد على إظهار الغرائبية فيمجتمع مسيحي نعيش معه ولا نعرف عنه الكثير.تعاملت مع هذا الحي ومع أهله باعتبارهم بشراً لهم نواقصهم وطموحاتهم وتخاذلهم. ما قربني إليهم دراستي في المرحلة الثانوية التي جمعت بيني وبين زملائي الأقباط،تعلمت منهم وتأثرت بهم وبكلمات كثيرة من الإنجيل يتفوهون بها. غيَّر وجودي في هذاالحي حياتي رأساً على عقب وتبدلت رؤيتي للعالم، بعدما لمست عن كثب كل هذا الفقروالظلم الواقع على أهالي هذا الحي وهم يبحثون في أكوام الزبالة عن مصدر رزقهم الوحيد.
هل يعتبر تعاطفك مع «الأقباط» الحافز لكتابة هذه الرواية؟
طبعاً، مع ذلك حاولت ألا يظهر انحيازي لهم داخل الرواية وتركت مساحة للقارئ لكن ينحاز هو إليهم بمحض إرادته في محاولة لتغيير شكل العلاقة بينه وبين الآخرين،خصوصاً أن هناك نظرة عدائية مشتركة.
في روايتك كم عالٍ من السخرية لماذا؟
في داخلي مونولوج دائم ينتقد ويسخر من الجميع ومن نفسي في البدء، وتعتبر السخريةعندي من محركات الكتابة وتشكل في الغالب موقفاً دفاعياً، كي لا أنفجر غضباً على مايدور من حولي، عموماً هي أقوى أسلحة الكتابة.
تدمج في روايتك تقنيات جديدة مثل قصاصات الجرائد ورسم الأشكال وسط السرد، كيف تفسر ذلك؟
بالنسبة إلى دمج قصاصات الجرائد داخل الرواية أشعر أنه مهما كتبت لن أستطيع إيصال عبث اللحظة التي عشناها في حرب العراق إلى القارئ، لذلك استعنت بعناوين الأخبار الحقيقية، أما الرسم وسط السرد استهوتني هذه الفكرة ولم أستطع مقاومتها،أعتقد أنها نجحت في حث القارئ على الشعور باليأس الذي عاشه بطل الرواية.
يظهر عالم الأقباط الخاص بوضوح في الرواية مع أنك لست قبطياً؟
يشاركنا الأقباط هذا الوطن ويتقاسمون معنا الأفراح والأحزان ومع ذلك نحن لا نعرفعنهم شيئاً. من المخجل أن نظل بمعزل عن الثقافة القبطية وهو خطأ قد ندفع ثمنهقريباً، وما اختياري كلمة قبطية كعنوان للرواية إلا لهذا السبب. لا أدعي انني كتبترواية استطاعت مثلاً أن تقرب الثقافة القبطية إلى أذهاننا، إنما تعاملت مع شخصيات روايتي بكل مصداقية وتركتهم يتحركون كما يحلو لهم.
تظهر حالة دائمة من التمرد داخل كتابتك ونصوصك، ما السبب؟
لأن الكتابة هي فن التمرد على كل مألوف وضد الطرق المعبدة والأفكار المألوفةالمستهلكة، ولأنها صرخة في وجه «العادي والمطروق» وهي تمرد على الآخر وعلى الذاتأيضاً. كثيراً ما اتخيل قصصاً تتمرد شخصياتها عليَّ شخصياً عندما تنحو منحى آخر غيرالذي تصورته في البداية. إذا لم يعترض الكاتب ويتمرد ويرفض لماذا يكتب إذن؟
لماذا صنِّفت أعمالك أنها غامضة؟
لا أرى مطلقاً أنها غامضة، عقدت ندوة أخيراً في مؤسسة «أخبار اليوم» في القاهرةلمناقشة الغموض في الكتابة الجديدة عند الأدباء الشباب، وكنت أحد المدعوين فاستنتجت أن الحيل الفنية التي تتخلل كتاباتي تصل إلى حد الغموض.
في روايتك جاءت اللغة قاسية مغايرة لأعمالك السابقة. ما تعليقك؟
في «كيرياليسون» اختلف الوضع ولم يعد همي هو اللغة، فتركتها تأتي عفوية وصريحةجارحة في بعض الأحيان. وكل ما شغلني هو حال البشر وكشف زيفنا. يعيش مجتمعنا أكبرحالة تناقض عرفها التاريخ فهو مزيف وينحدر من سيئ إلى أسوأ مرتكزاً على «الصبرمفتاح الفرج» حيناً و «إن مع العسر يسراً» حيناً آخر.
ما الملامح الأساسية التي شكلت وعي الكاتب لديك؟
مطالعتي بنهم كتابات سابقة تنتمي إلى الاتجاهات الأدبية المختلفة في القصةوالرواية والفنون التشكيلية. وكانت القراءة بالنسبة إلي مثلما يقول نجيب محفوظ : «القراءة بلا حدود وفي أي اتجاه»، فاغتنى فكري وتشبعت بالأنماط والشخصيات التيقابلتها في حياتي وكانت لها تأثيرات داخل نفسي، وتعمقت تجربتي بلحظات ضعف أو خوفوقهر تعرضت لها. انصهر كل ذلك مع حكايات جدتي وأمي وتصوراتهما البسيطة عن الدنياوما فيها، بالإضافة إلى الحكايات والأمثال الشعبية التي كنا نسمعها في طفولتنا، ماجعلني أحب القراءة وأضعها في أطر وأشكال مختلفة من الكتابة.
جاءت مجموعتك «شجرة جافة للصلب» شديدة الإيجاز والتكثيف لماذا؟
“شجرة جافة للصلب» مجموعة قصصية، يسير الكاتب في القصة القصيرة فوق حد السيف وليس مسموحاً له في قصة لا تتجاوز عشرة أسطر بأية زوائد لغوية أو مزايدة في حركةالشخصيات داخل القصة وإلا ستصبح «رواية»، من الضروري أن يلتزم الكاتب بالتقنياتالمختلفة للقصة القصيرة. وفي مجموعتي كانت قضيتي كيف أخرج بلغة شفافة ومعبرة ومكثفةفي آن، وانحصر همي في الحداثة والتجريب وفي عدم شعور القارئ بالغربة وهو يقرأ النصوفي عدم تحول هذا الأخير إلى جسم غريب منفصل عن عالم القارئ أو العالم الذي يحيطبنا.
ما هي الحالة الراهنة لجيلك الأدبي؟
منطلق بقوة الصاروخ، وكل رواية جميلة يكتبها أحد أبناء جيلي، هي إضافة للجيلبأكمله، نحن جيل محظوظ جداً، ظهر مع طغيان الانترنت وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة،ومع نشاط حركة النشر الخاص وزيادة عدد المكتبات التي تعنى بالكتاب وتقدمه في صورةلائقة. استغل جيلي كل ذلك وقدم كتابة تتماشى مع الواقع ومع جيل القراء المتعطش إلىعمل يحترمه ويحترم عقله.
إلى أي مدى يسمح للكاتب بتجاوز التابوهات في الأعمال الأدبية؟
أنا مع حرية الكاتب والكتابة ومع كسر التابو إذا كان ذلك يخدم العمل، ولكنني ضدكسره لمجرد كسره، وهو لا ينحصر بتبادل السُباب بين شخصيات الرواية، بل هو موقففكري.
لماذا تأتي عناوين كتاباتك نكرة غير معروفة؟
ربما لأن في الإسم النكرة غموضاً جذاباً وإغراءً للقارئ وتعميماً أكثر، لا أعرف السبب، أنا أختار الإسم الذي أراه يتناسب مع العمل الذي أكتبه فحسب.