هو د. عبد الحكم عبد الحميد محمد عبد الحكم العلامي ، من مواليد سوهاج 22 ديسمبر / كانون الأول 1962 ، صدر له 4 دواوين شعرية و 3 دراسات نقدية ، إذن هو شاعر وناقد يضعه اشتغاله الأخير في دائرة صعبة كما أعتقد لأن كل ما كتبه وسيكتبه من شعر يجب أن يخرج بالصورة التي يوافق عليها ذلك الاشتغال وهو صراع بين إرادتين قلما يوفق بينهما ، والشعر كما تقول عنه الشاعرة التشيكوسلوفاكية جانا بركرايل
هو ” مثل الساعة القديمة التي يتوقف موقوتها من وقت لآخر ويحتاج إلى أن تهتز بعنف للحصول على تشغيلها ” ، العلامي في ديوانه المهدى لنا حرك موقوت الشعر كما لاحظت ذلك حينما كتب في بدء القول :
ماذا قالت حين اندست في النار فراشة ، قالت :
يا لي
أكتشف الآن جمال زوالي ” .
ولأن عمل الشاعر هو في التقاء التأثيرات سواء أخفى بمهارته الرمزية بعضا منها أم لم يخفي كما قرأنا عن كيتس في قصائد ستيفنس في وقت مبكر أو إليوت في العقود الأولى من القرن العشرين ، فقد هيأ لديوانه هنا تأثيراته الخاصة حيث لخصها فيما يمكن أن نطلق عليها تغريدات ثلاثة اجتمع عليهن لينطلق من خلالهن إلى رحاب نصوصه حيث تخبرنا صفحة محتواه بهن كالآتي :
طيب الإقامة ، وقد اشتملت على 6 نصوص يبدؤها ” في محبة الحياة ” ، ” عاطف عبد العزيز ” ، ” خاتم أبي ” ، ” الجدة عزيزة ” ، ” عمي دودو السقاء ” ، ” العابر ” .
هنا نتوقف عند بعض أبيات ” خاتم أبي ” التي منحها علامي عنوانان ، نقش خارجي و نقش آخر داخلي ، وظف خلالها الموروث التاريخي لاستشهاد ” حمزة ” عم النبي ( ص ) على يد العبد الحبشي ” وحشي ” أراد من خلاله قراءة خطاب العبودية والتحرر كسبب نفسي لهما ، نجده يعيد انفعالاته في الكثير مما تشهده الساحة الآن من جرائم قتل وحشية :
مكاء
وتصدية
هنالك !
وهنا يمام في الطريق
وغار !
ومساحتان لحجتين ،
إحداهما للعير ،
وأخرى للنفير،
هل كان ” وحشي ” قاتل ” حمزة “
عم النبي
على وفاق مع ساداته ؟
لم يكن ” وحشي ” على وفاق ،
غير أنه – فقط –
أراد أن يرى خلاصه
ويستجير بحريته !
فحربته التي نالت من
من جسد ” حمزة ” ،
هي نفسها التي وضعت حدا
لكذب ” مسيلمة ”
في الأبيات الأخيرة من القصيدة يكشف لنا الشاعر سر خاتم والده الذي أصبح دليلا له في كثير من الأسئلة التي كان يبحث لها عن جواب :
نعم يا أبي !
سأفترض أنك على سفر ،
وأن خاتمك الدليل ،
فما من سبيل آخر
لديِّ ،
ما من سبيل!!
ونحن ننتقل إلى تغريدته الثانية التي أسماها ” سلامة القصد ” فسوف نلاحظ أنها اشتملت على 6 نصوص كذلك هي : ” طريق الجبل ” ، ” العلة والمعلول ” ، ” هكذا ” ، ” آخر تغريدات مينا دانيال ” ، ” الوجه ذو السن الباسم ” ، ” الأولى بالمحبة ” ، وكأن هذا الرقم يذكرنا بالخلق الإلهي لهذا الكون وهي إشارة ذكية من الشاعر كونه جعل التقاء كل تلك التأثيرات نتيجة لذلك الخلق ، وعندما نتوقف أمام نصه “هكذا ” فإنه يخبرنا لم كان محقا في اختياره لواحد من تلك التأثيرات هو حب الحياة ، أو ” هكذا ” يقول :
كم أنا بحاجة
لأن أحبك
أكثر
أيتها الحياة !
كم أنا بحاجة
لأن أحبك
بالقدر الذي يحفظ لي
ماء وجهي
أمام المعزين ،
عندما يكون موتي
مقامرة ،
وعندما يصبح الحنين
إلى غبار المعارك
معادلة
صعبة المنال !!
فالملاحظة التي لفتت انتباهنا في هذا النص هو ذلك التأطير لصورته الشعرية بمعادلها الموضوعي الذي اختاره لنا الشاعر بمحض إرادته ليجرنا إلى السؤال الكبير : ” كيف لنا أن نحب حياتنا ؟ ” العلامي وضع ذلك السؤال ضمن المعادلة الصعبة لما يشبه غبار المعارك كما يقول ، ولأن الشعر هو منحى بصري تتراقص حروفه أمامنا ونحن نحاول تجميعها وكذلك الرسم والسينما ، فقد يكون أحدنا قارئا له متذوقا لصورته الدلالية التي هي غالبا ما تكون فخا لعقولنا وإحياءا لذاكرتنا المعطوبة للحصول على الخيال الذي يجعل من قراءتنا تلك حقيقة ، فقد وجدت شاعرنا وقد هيأ جميع تلك الحروف جوابا لها من خلال تلك الصورة المذهلة المثيرة للقلق والتي تتكشف لنا من خلال حركتها البطيئة التي بلغت ذروتها في نهايات حروفها .
ومع تغريدته الثالثة التي أطلق عليها ” فائض الوقت ” ، يكون العلامي قد أظهر وجهة نظره من خلال صياغة التغريدتين السابقتين المحتويتين على النصوص التي تناولناها آنفا وبأسلوب يقترب من المونولوج الداخلي الذي تناول من خلاله تصوير أفكاره ومشاعره المتدفقة ومستغلا بذات الوقت إيقاعات ديناميكية قوية ومفردات ملموسة ذات تأثير رائع وصولا إلى استخدام تداعيات ذاكرته ليقف بنا في نهاية ديوانه أمام ستة نصوص هن : ” الوعد ” و ” باعة متآمرون ” و ” شعيرة ” و ” تأخروا كثيرا ” و ” خواتيم ” و ” رطب الصيف ” القصيدة التي حملت عنوان مجموعته الشعرية نقرأ منها :
لم يكن بمقدوري أن آخذك معي
أيتها الرغبة في البقاء ،
لأن التي واعدتني
أخلفت !
على الرغم من أنني تخليت
عن عاداتي القديمة ،
يبدو أنها كانت تختبر قدرتي
على التخلي ،
وعندما سرت آخر مرة
بهودجها الملكي ،
لم تكن بحاجة لأن تصرح أكثر ،
فقط كانت إيماءة وحيدة منها كافية ،
لأن تغير مسار هذه الرغبة .
علامي وهو يجول بنا أجواء ” رطب الصيف ” قصيدة ومجموعة قصائد وضعهن جميعا في دائرة الرغبة التي استحالت إلى قناعة أننا كما قالت الفراشة بداية : ” حين اندست في النار ، قالت
يا لي
أكتشف الآن جمال زوالي ” .