شريف رزق يستنشق هواء العائلة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رضا عطية

شريف رزق واحد من الأصوات الحاضرة في المشهد الشعري إبداعًا بإسهاماته في كتابة قصيدة النثر، ونقدًا يتجلى قي جهدٍ نقدي دؤوب بالبحث في شعرية قصيدة النثر وجمالياتها. في أحدث ديوان لرزق هواء العائلة يطوّف الشاعر في أجواء الأسرة وتتلبس الذات لديه بحالة نوستالجية تهفو لحميمة أواصرها الأسرية ويغالبها الشوق ومكابداته ليأخذها التحنان الآسر لماضٍ ذهب وزمن ولى، ويشفها الوجد للفقد الذي ألمّ بها، لتغني مواجدها المتمادية وتشكو مواجعها المتفاقمة، كما يطرح الشاعر أيضًا علاقته بذاته كموضوع، جسده كتمظهر خلافي، وكذا علاقته بالعالم كموضوع إشكالي- محلاً للتفحص وموضعًا للتساؤل.

 من العنوان الذي يتكوّن من مركب إضافي "هواء العائلة" يتبدى لنا مركزية العائلة وتبوءرها كموضوع يشاغل الذات تحيا به كالهواء وكأنّ الذات تستنشق ذكرياتها مع العائلة كهواء تعيش به وعليه. هذا الديوان الذي يبدو كمرثية للفقد وسيرة للمواجع والألم يبدو من خلاله أنّ الذات تمارس الشعر كفعل بوحي يتوخى عملاً تطهريًّا يستهدف تنقية الذات من مكبوتاتها الدفينة وفض آلامها الغائرة من خلال البوح بها.

بوح الفقد

في “هواء العائلة” يرفرف الفقد على وعي الذات باستعادتها سيرة الموت وفقدانها الأهل والأحبة: الأخ أثناء أداء الخدمة العسكرية بالجيش، الأم والأب في حزنهما المكلوم لفقد ابنهما ومرضهما:

“الهَوَاءُ الَّذي يُرَفرِفُ على عَتبَةِ البَيْتِ

وَيُلَفْلِفُ جَسَدِي، كُلَّمَا عُدْتُ،

يَحْمِلُ رُوحَ أمِّي.”

إنّ هواء العائلة الذي تعاينه الذات يبدو محملاً بأطياف الفقد وأرواح الغائبين كالأم في عودة الذات إلى بيتها، مأواها الخاص ومكانها الشخصي بعد احتكاكها اليومي بالعالم. ولنا أن نلاحظ التشاكل الصوتي والتماثل التكويني بين الفعلين المنسوبين للهواء (يرفرف- يلفلف) وبروز صوت (الفاء) المكرور باعتبارها صوتًا هامسًا بما يُمثٍّل لحالة التحنان الآخذ الذات التي تهفو لهواء عائلتها الغائبة.

فيما يبدو من استعادات شريف رزق للعائلة طغيان شعور الذات بالفقد وتمادي إحساسها بالغياب:

“مقْعَدٌ فارِغٌ

على مَقرُبَةٍ مِنْ السَّريرِ الفَارغِ

 في مُوَاجَهَةِ صُورَةِ أمِّي

 في الحُجْرَةِ المُكْتَظَّةِ بالغِيَابِ.”

ثمة شعور فادح بالخواء يساكن الذات ما ينسكب على إحساسها بفراغ العالم، حتى بات هذا الفراغ، العدم هو الوجود المتمظهر بالعالم، وصار الغياب هو الحاضر في المكان، فالصورة عند شريف رزق- هنا- تعتمد المجرد والسلبي مكونًا مهيمنًا على العالم.

يُمثِّل حضور الأم في غيابها الجسدي علامة ملتمعة في وعي الذات المأزومة ما يُفاقِم شعورها بالألم ويضاعف أزمتها الاغترابية:

“أمَامَ بيتِنَا القدِيْمِ

في انْتِظَارِ الصَّبيِّ الَّذي كُنْتُهُ

قادِمًا على نَبَضَاتِ أمُّهِ

في الحَارَةِ القدِيمَةِ الَّتي كَانَتْ هُنَا.”

فيما يبدو أنّ الذات لوطأة إحساسها الاغترابي في مكانها المحايث وزمنها الآني تَفرُّ إلى بيتها القديم وتحاول استعادة الصبي الذي كانته. ولكن هل ثمة علاقة بين البيت القديم والأم؟ هل يعني ذلك محاولة الذات العودة إلى “الرحم” بالمفهوم اللاكاني؟ هل يرمز المكان القديم- هنا- إلى الذات في طورها الأولي وفطرتها الأولى، ذلك الطور الذي ترتبط فيه الذات بالأم وكأنّها تمضي في الوجود على إيقاع الأم ونبضاتها في التئام نفساني وروح طفولية.

 

توترات الجسد

في هذا الديوان تبدو الذات في وحشة وشعور دامٍ بالفقد والألم، ليس فقد الذات عالمها وحسب وإنما فقدها نفسها أيضًا مثلما يتمظهر ذلك في علاقة الذات المتوترة بجسدها وإحساسها بفقده:

“أينَ أنْتَ الآنَ يَا جَسَدِي؟

  أنتظِرُكَ على قارعَةِ الظَّلامِ، وَحْدِي

   بلا مَأوى أوْ رَفيفٍ

   وَأشْعُرُ أنَّني مُحَاصَرٌ،

   بَيْنَ ضَحِكَاتٍ مَكتُومَةٍ تتقافَزُ مِنْ حَوْلِي،

   وَرَوائِحِ شوَاءْ.”

تعاين الذات جسدها كموضوع ترتبط به وتنفصل عنه في آنٍ، ولأنّ الجسد كإشكالية هو مناط هوية للذات في فلسفات الحداثة العليا، التي تصير فيها الهوية تعيينًا للذات في فردانيتها، فيبدو- هنا- أنّ الذات- لدى شريف رزق- معنية بجسدها وبتموقعه الوجودي، واستجلاء مكانها من الجسد ومكان الجسد منها. لكنّ حال الذات إزاء جسدها انتظار في مكتنف الظلام، في شعور بالوحدة والحصار في آنٍ، وفقدان المأوى في ظل إحساس بعزلة وجودية تنفي الذات وتقصيها عن عالمها:

“بعيدًا حَتَّى عنْ جَسَدِي

أجْلِسُ على شَاطِئِ البَحْرِ وَحْدِي

بريئًا منْ كُلِّ مَا يَحْدُثُ.”

تُداخل الذات رغبة في النأي بنفسها بعيدًا عن عالمها الذي يبدو أنّ الذات تُقيم قطيعةً معه، مع طغيان الشعور بالوحدة، ولكن لِمَ تلوذ الذات بشاطئ البحر في عزلتها الوجودية؟ هل لأنّ الذات تودُّ الانفتاح على اللامتناهي والمترامي تستشرف أفقًا متباعدًا وتستطلع المجهول؟

غير أنّ الجسد يستحيل في مرايا الذات المأزومة به جثة، أي كتلة عدم:

“الحَرَائقُ تنهشُ جُثَّتي

وَأنَا أُقهقِهُ في العَرَاءْ.”

ثمة شعورٌ مُهيمن على الذات بالانتهاك وبموات جسدها في تمادٍ اغترابي، غير أنّ الذات تبدو غير عابئة بذلك، “تُقهقه” في موقف وجودي لامبالٍ، أو ربما لمداخلتها إحساسٌ بالعجز واللا جدوى:

“جُثَّتِي تُلوِّحُ في العَرَاءِ

 لِغَيمَةِ لا تَرَاهَا.”

يبدو أنّ الفضاء المكان الغالب الذي تتموضع فيه الذات هو الفراغ والخواء الممتد، العراء، والعراء كتمظهر مكاني تتمثله الذات إنّما يعكس شعورًا ذاتيًّا بالتعري والانكشاف، وكأنّ الذات تُحسُّ نفسها نهبًا للعالم، والبادي عمومًا في ديوان شريف رزق أنّ ثمة انشطارًا يسم الذات ليُبقيها في حالة جدال مع نفسها.

 

التخلُّص من العالم

تبدو الذات في شعر شريف رزق- خصوصًا في هذا الديوان- في خصومة ما مع العالم وتأبٍ عليه، في حالة صدام وجودي، لتمسي في مسعى مُستَدام إلى التحرر من عوالق ما تربطها بعالم لم تعد راضية عنه:

“أُريْدُ أنْ أُنظِّفَ قدمَيَّ مِنْ الشَّوَارِعِ

                عَيْنَيَّ مِنْ الرُّؤى

                دَمِي مِنْ العَنَاصِرِ المَوْرُوثَةِ

                ذَاكِرَتِي مِنْ الأصْدِقَاءِ.

أشْتَهِي الخُروجَ في نزهَةٍ خَلويَّةٍ

مَعَ نيتشَه، وَرَامبو، وَشَاجَال.

تَصْحَبُنَا فِيَلَةٌ، وَيَنَابيعُ، وَغِزْلانٌ، وَمَنَازلُ، وَقِيَانٌ.

نلتقِي، في الطَّريقِ، بامْرئ القيسِ، وَبيسوَّا، وَابْنِ عَرَبِيِّ.

نَخْلَعُ أقدامَنَا في الصَّحَاري، وَنَمْضِي

 فيُدْركُنَا النَّفَّريُّ، على ظَهْرِ غَيْمَةٍ

نَمْضِي إلى حَانَةِ الكَلْبِ؛

حَيْثُ في انْتِظَارِنَا سركون بولص.

وَعِنْدَ مَطْلَعِ الفَجْرِ نَدْخُلُ بَيْضَةً صَغِيْرَةً

على شَاطِئِ تُرْعَةٍ مَهْجُورَةٍ.”

كما يتبدى من الخطاب الشعري- لدى شريف رزق- أنّ الذات تعتمد نفسها مركزًا للعالم، لتؤسس رؤيتها الوجودية للعالم على أساس من “مركزية الذات”، فيما يبدو أنّ الذات ترى الموضوع/ العالم/ الشوارع تابعًا لها وعالقًا بها فتريد التخلص منه لتنظف قدميها من آثاره، فالذات تتأبى على العالم في فعل تمردي متعالٍ. ولكن، لِمَ تبغي الذات أن تتخلص من الشوارع؟ الشوراع هي ممشى الذات وطرقها في العالم لاسيما في الفضاء المديني.

هذا ولا تكتفي الذات بالتخلُّص من آثار العالم المادية وحسب (الشوارع)، وإنّما تهدف أيضًا إلى التخلص من الآثار الفكرية وصور هذا العالم ومشاهداته (الرؤى)، كما أنّ الذات التي تريد أن تمحو الأصدقاء من ذاكرتها- ما يجعلنا نتساءل عن وضيعية هؤلاء الأصدقاء وماذا فعلوا لتنقم الذات عليهم- تريد التخلص- كذلك- من إرثها، تاريخها القديم، وكأنّ الذات تنشد أن تمحو عالمًا قديمًا لتنشئ آخر جديدًا.

لكنّ العالم الجديد، فردوس الذات المنشود ويوتوبياها المتوخاة، تكون في الخلاء بما يبثّه هذا الخلاء من دلالات الفساحة واتساع الأفق والتمدد الوسيع حتى يكون لقاء الذات بمن تحب، وكأنّ الذات تشرع في التخلُّص من أصدقائها القدامى لتؤسس صداقات جديدة تتناسب ومنشدها الوجودي، ذلك مع أعلام مثل: (نيتشَه، وَرَامبو، وَشَاجَال)، فما الذي يجمع بينهم؟ إذا كان أحدهم (نيتشه) فيلسوفًا، في حين أنّ الآخر (رامبو) شاعر، وثالثهم (شاجال) رسّام؟ هل لأنّ شاعرنا يؤمن بضرورة أن يكون الشاعر صاحب رؤية فلسفية كالفيلسوف ورؤية فنية ولمسة جمالية كالرسّام؟ نيتشه فيلسوف العدمية التي تُقر بلاجدوى العالم، ورامبو شاعر السوريالية وكذلك شاجال هو رسّام السوريالية التي تؤمن بعثية العالم ولامنطقيته. السوريالية بنت العدمية وغصن طالع من شجرتها، فهل تريد الذات بطلبها مصاحبة هؤلاء من أعلام الفلسفة العدمية والفن السوريالي أن تتبنى نسقًا رؤيويا مابعد حداثيًّا يتشكل من فلسفة عدمية وروح جمالية سوريالية؟ ولِمَ لا؟ فكأنّ الذات التي تتمرد على عالمها تتلبس روحًا مابعد حداثية تقوم على رفض التمركز اللوجوسي في العالم.

ثم يستدعي الشاعر رموزًا جمالية أخرى كامرئ القيس، وفرناندو بيسوا الشاعر البرتغالي، وابن عربي والنِفَّري، فما الذي يجمع بينهم؟ وما الذي يربط الشاعر بهم؟ امرؤ القيس الملك الضليل الضائع بالمكان، المداوم الترحال، كذلك ابن عربي شاعر “الحب الإلهي” وفيلسوف الصوفية القائل بمبدأ وحدة الوجود الذي كان في ترحال مستمر في المكان بحثًا عن المعرفة الصوفية وتفتيشًا عن النور الإلهي، كذا فالنِفَّري هو المتصوف والمتوحد الذي لم يستقر بمكان، أما “بيسوا” فهو شاعر اللاطمأنينة و”اللادعة” القائل بالتباسية العالم وغموضه، ولا حقيقيته. إذن فالجامع بين هؤلاء قلق الذات بالمكان وبالعالم الذي تدوام الترحال فيه تمامًا كسركون بولص شاعر التيه المُستَدام واللاوصول، وهو ما يتفق مع إحساس الذات الشاعرة بغموض العالم وتبدد الحقيقة فيه، ذاتٌ قلقة بالمكان، فلا تعرف ثباتًا ولا استقرارًا، ولكن لماذا يكون مصب الذات في ترحالها والتقائها بمن تشتهي عند سركون بولص وفي “حانة الكلب”؟ “حانة الكلب” قصيدة شهيرة لسركون بولص يبحث فيها في حالة الشعر ومفهومه، وفي حال الشعراء كذلك، فيقول سركون:

“وجدتُ نفسي نائمًا

في حانة السلحفاة والأرنب

في حانة الكلب والثعلب ورجل الأعمال

في حانة الخلد والفراشة والعظاءة والقرد

بجانبي مقامرٌ نائمٌ

تتدلى ذراعه من الكرسي

وفي يده ملكة دينارية وجوكر.

أطباء ملتحون، حلّاقون وعارضات أزياء

أساتذة وتجار ماشية وتجار أسلحة ومهندسون

يدللهمُ الحاكم والنائب والله

وتحرسهم الدولة بالمدافع

بحياة آلاف الشعراء والعاطلين إذا اقتضى الأمر

يتقاضون أجورًا عالية لن أطالها حتى

في أكثر أحلامي تفاؤلاً

في عطلةٍ رخيَةٍ على المحيط الهادي تحت القمر الغربي.”

إذن، هل يتماهى شاعرنا مع سركون بولص في مرثيته لحال الشاعر والمثقف عمومًا الذي لا تعني الدولة في مسلكها البراجماتي به بل تُهمِّشه وتقصيه في مقابل الاحتفاء برجال الأعمال ومن تستخدمهم الدولة- بحسب طرح ألتوسير- كأدوات لأجهزتها الأيديولوجية؟ إذن، يبادرنا تساؤل آخر: هل تفرُّ الذات- عند شريف رزق- من الشوارع وفضائها المجتمعي لأنّها- كما الذات لدى سركون بولص- تشعر باغترابها في عالم غير مواتٍ للشعر وغير عابئ بالشعراء؟ وهو ما يتجلي في تساؤل استنكاري يطلقه الشاعر:

“كيفَ أصْبَحَتْ البلادُ مُسْتَنْقَعًا لا يُطَاقُ إلى هذا الحَدِّ؟”

ثم هل يكون فرار الذات البادي من المكان واشتهاؤها الخروج في الخلاء تمثلاً بسركون بولص في ارتحالاته اللامتناهية بحثًا عن مكانه اليوتوبي المفقود وتنقيبًا عن معنى الشعر ومفهومه في آنٍ؟ يقول سركون بولص في قصيدة “حانة الكلب”:

“لا أخفي عليكم أنني أنا أيضًا

أفكّرُ أحيانًا بماهيّة الشعر بخطورة القضية

     (…)

لعلك أدركتَ قصدي، من الواضح كما ترى

أنني أهدف إلى شيء غامض قليلاً

لأنه لم يكتمل بعد وأقول هذا بمنتهى البساطة

أيّها الصديق لا أريدكَ أن تسيء فهمي

هذه كلمات بسيطة مكتوبة بالعربية بالمناسبة

هذه كلمات بسيطة مكتوبة بالعربية بالمناسبة

أذكر هذا لكي لا تتّهمني بأنني تأثرت في كتابتها

بشاعر “عالمي!”

أيُّ شاعر يخاطر بالكتابة على هذا النحو

لن يكونَ حتّى محليًّا! وسيقضي سنواته الباقية

بعيني نسر محموم أو رجل ينتظر زيارة صاحب البيت

الشهرية وهذا يعرف جيدًا أن الرجل الفقير لا يستطيع

أن يدفع الإيجار

لكنّه مع ذلك وللتسلية، أو إشباعًا لنزعة غريبة في

الإرهاب، أو ربما لأن الكلب

يعرفُ أن شرطة العالم والتاريخ كلّها تقف من ورائه

يقرع الباب بحذائه، وخصوصًا بالكعب

المليء بالمسامير…

سيقضي سنواته الباقية إذًا بانتظار الجلاّد

الذي سيأتي متنكّرًا ببدلة ممرّض رسمي طيّب القلب

يخفي وراء ظهره سلسلة حديديّة وسترةً للمجانين.

ابتسامتُهُ الكاذبةُ ستملأ الأرضَ بموضوع هذه القصيدة.”

إذن، هل يَتَمثّل شاعرنا- إذ ينشد الرحيل إلى “حانة الكلب”- بسركون بولص في فهمه للشعر وتعيينه لمفهومه؟ هل يكون شاعرنا- كسلفه سركون بولص- ميّالاً لأن يكون الشعر بسيطًا في لغته، غامضًا بعض الشيء في دلالاته؟ هل يؤمن شاعرنا بما آمن به سركون بولص باعتقاده بأنّ قيمة الشاعر تكون بحرصه على أصالة تجربته وعدم تقليده شعراءً عالمين في الوقت نفسه الذي يستوعب فيه شعر العالم وثقافته؟

إذن، كما نرى، فإنّ النص- عند شريف رزق- يستدعى عددًا من النصوص الغائبة والرموز الظلّية الخلفية التي تحضر في نصه كعلامة يتفاعل معها خطابه الشعري في تفاعل كميائي وجدل تناصي، والذات- في شعر شريف رزق- تود أن تهجر عالم الشوارع والفضاء المديني والحضري نشدانًا لعالم وحشي، والتحقق في طور بدائي، وسعيَّا لإعادة التَشكُّل وذلك بالدخول في “بَيْضَةً صَغِيْرَةً على شَاطِئِ تُرْعَةٍ مَهْجُورَةٍ”، ذات تريد إعادة صياغة العالم وتشكيل نفسها، لذا فهي تبغي الارتحال في الخلاء مع رفاق يمثلون لها عائلتها تستنشق معهم هواء العالم الذي تأمله.

ولنا أن نقول بأنَّ الخطاب الشعري- لدى شريف رزق في هواء العائلة- مفضٍ لتوالد الأسئلة: هل يفضي شعور الذات بالاغتراب لفقدها العائلة إلى توترات تشمل علاقتها بجسدها؟ وهل يفضي عدم توافق الذات المتشظية مع جسدها إلى رغبتها في هجران عالمها القديم والهيام في الخلاء مع أطياف أصدقائها الشبحيين؟

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم