متحف العاهات .. أنيس الرافعي يساهم في تدمير إيقاع العالم
Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA
/* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin-top:0in; mso-para-margin-right:0in; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0in; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}
كلما كان العالم أكثر إثارة للخوف كلما أصبح الفنّ أكثر تجريدا". - فاسيلي كاندينسكي
تجسد تجربة أنيس الرافعي القصصية مثالا لمقولة كاندنسكي السابقة، في كتابة الرافعي لا يستطيع القارئ أن يغفل الروابط بين الكتابة والتشكيل، يقوم أنيس الرافعي باختيار عناصر محددة من المادة المرئية، تلتحم مع الكلمة لتنتج صورة أولية لتخيلات تخص كل قارئ على حدا، وتنتهي بإنتاج مادة تكاملية بين الصورة البصرية واللغة بشكل تجريدي يختلف تأويله من قارئ لآخر.
الرسم والصورة حاضرين في نصوص أنيس بمقدار حضور حاسة البصر، وكأن الكتابة تمت بالعين، وبالرغم من الاختلاف بين الرسم والكتابة، إلا أن هناك عناصر مشتركة بينهم مثل الحذف أو الإضافة او التشويه، لذلك تبدو نصوص أنيس منفتحة تماما على الفنون البصرية والتشكيل دون تعنت.
القاريء المتتبع لتجربة أنيس الرافعي القصصية يجد في النصوص مايشبه التجريد في الفن التشكيلي، وتكثيف لغوي يقترب من التكثيف الشعري، تماما مثلما حول الفنان بيت موندريان، شجرة التفاح إلى مربعات ملونة على لوحة بيضاء، في رؤية تجريدية تماما للشجرة.
كما في الرسم تعتبر نصوص أنيس طريقة لإعاددة شخوص ما أو انفعالات ما إلى الذاكرة، بطريقته الخااصة، التي يمكن أن نقول إنها تشويهية إلى حد ما، العالم نفسه أصبح مشوها، لذلك تعتبر النصوص مرآة للعالم، الذي لا نستطيع أن نتحدث عنه دون أن تحدث تشويها، أو ضررا عميقا في جوهر النص الذي يمثل جوهر الحياة، أوكما كتب الرافعي في بداية كتابه المعنون باعتقال الغابة في زجاجة "مساهمة في تدمير الإيقاع".
العالم في طريقه إلى الزوال، وكل منا يجب أن يجد طريقته الخاصة لإنهاء العالم، حتى تحين اللحظة المناسبة التي نصل فيها إلى الخلاص من هذا العبء المسمى حياة، وكل منا يجب أن يجد مثل بطل أنيس طريقته الخاصة في تدمير الإيقاع، يحرق المدن ويقف على سطحه يراقب احتراقه.
الكتابة عند الرافعي لا تمثل مساحة منبسطة للعمل أو نزهة في الحدائق، إنما تمثل حلبة صراع بين ما يدور في العقل الباطن والعقل الواعي، ويظهر هذا في اللغة المكثفة والجمل الشعرية المكثفة التي تشبه ضربات السوط. فيظهر بوضوح المجهود العقلي والمعرفي الذي يبذله للحفاظ على فرادانيته، وتوحده، واستمراره في محاولات كسر التقاليد الكلاسيكية بشكل عام، سواء في الكتابة أو شكل الحياة، أو حتى الأسئلة والأفكار الوجودية، التي تشغل أفكاره، وأحلامه وربما كوابيسه أيضا، ليجسد الحواس الخمس في شكل كتابة حسية يستطيع القارئ أن يلمسها ويراها ويتذوقها، ويخشاها، يترك القارئ واقفا على حافة الرعب دون أن يقذفه فيه، وكأنه يجعل كل قارئ يستعيد مخاوفه الشخصية على حدا من خلال تماس ما يكتبه أنيس مع ذاكرة الخوف في كل منا.
في أعمال أنيس نتحول إلى جثث محتملة، ألوان، مشاهد سنيمائية متداخلة، صخب وعنف وخوف يشعر به القارئ. خوف ينقي الإنسان من كل الزوائد التي تراكمت عليه بفعل الحياة، ليحولنا إلى الحالة الأولية، لنشبه لوحات فرانسيز بيكون عندما رسم الجروح وقطع اللحم المعلقة واكتشف لها جماليات تشكيلية، جعلت المشاهد ينسى الصور الذهنية التي تختزنها ذاكرته، عن الجروح أو اللحم الني ليؤكد أن التشوه هو الحقيقة الأكثر اكتمالا للإنسان، في هذا الوقت يتصالح القاريء مع حقيقته المرعبة، المتوحشة، ويتعامل معها ببساطة وحميمية تماما كما يتعامل مع صورته وهو طفل على شواطيء البحر.
كما الحال مع التشكيل، الفوتوغرافية حاضرة كطرف أساسي في نصوص أنيس تحديدا في مجموعته الاخيرة مصحة الدمى المعنونة بفوتوغرام حكائي، نصوص أنيس تشبه أن تلتقط صورة واحدة بعدة كاميرات لتحدث تأثيرا غير متوقع على كل صورة، ليجد كل قارئ نفسه وصورته ومخاوفه متجسدة بشكل ما داخل النص، مع الدمى المكسرة أو المجبرة ، كما يمكنه افتراض أسرة متراصة في مصحة مهجورة ترقد عليها مخاوف الطفولة متمثلة في عشرات الدمى المرعبة. التي تمثل كما يقول أنيس "شكلا متغيرا وطاعنا في الرمزية للروح الملتبسة الكسيرة ، دمية الدواخل الانسانية المتحركة التي لا نجتهد في رسمها، كي لا تكون صورة دقيقة عن دمية الخوارج الصماء التي يمثلها جسدنا المعطوب.
في التمهيد المعنون بالنسيجة، يأخذ الرافعي قارئه فيرحله داخل عقله ويتحدث عن كيفية حدوث البناء القصصي للمجموعة، ثم يروي تاريخ الدمى المرعبة وكيف أصبحت موضوعا مشوقا للحكايات الادبية.
لغة أنيس في مجموعاته لغة كابوسية مكثفة تلف السرد الذي يتشح بالغموض، أنيس الرافعي الذي لا يدلل القارئ أو يربت عليه بل يصدمه بالحدة والصور المؤلمة ليسحبه إلى عالم من الأجواء الكابوسية، حتى يصعب على القاريء أن يظل خارج الحكايات بعد كل هذا الغموض إلى جانب استخدام أنيس لضمير المتكلم وصيغة المخاطب في أحيان أخرى، ما يعزز دخول القارئ في أحداث الحكاية ليصبح جزءا منه وتصبح هي جزءا من أحلامه ومخاوفه وهواجسه.
يمكن القول أن أعمال أنيس هي مواجهة مع الجانب المظلم للنفس البشرية، والخوف الموجود في كل ركن من العالم من حولنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*متحف العاهات .. تجميع لنصوص أنيس الرافعي القصصية ـ صادرة مؤخرًا عن دار العين