كان البالون يحاول بكل الطرق أن يفلت من يد فريدة، وكأن الطائرة اللامعة تحاول أن تتحرر لتطير في السماء.
فجأة لم تعد فريدة تشعر بالناس من حولها، ووجدت نفسها ترتفع رويداً رويداً مع الطائرة الكبيرة، التي حسمت أمرها بالفعل وطارت إلى السماء، ويد فريدة لا تزال متشبثة بها.
شعرت فريدة فجأة بالبنايات ترتفع من حولها، والملابس المنشورة على الحبال تبتسم لها، وتشير لها بالتحية، وكلما ارتفعت فريدة عن الأرض كلما شعرت بالسعادة؛ لأنها تطير مع البالون الكبير.
الهواء حولها أصبح بارداً أكثر، ولم تعد تسمع ضوضاء الشارع، ولا تشم روائح العوادم التي تصدرها السيارات، وكانت تقترب من أسطح البنايات العالية التي تصل إلى السماء، والتي كانت تنظر إليها دائما من الأرض دون أن تصل إلى نهايتها .
كانت السيارات صغيرة جدا من أعلى تتحرك كطابور صغير من النمل، ورؤوس الناس كانت تشبه رؤوس الدبابيس الصغيرة، واستمر البالون الطائرة على ارتفاعه في السماء؛ حتى وصل البالون وفريدة إلى سماء زرقاء صافية، تتناثر فيها السحب البيضاء التي تشبه القطن والحلوى، تلك التي تحبها فريدة.
قال البالون لفريدة: دعينا نرتاح قليلا على هذه السحابات المريحة ولا تنسي أن تظلي متشبثة بي .
وفعلا توقفا للراحة، وجلست فريدة على سحابة تشبه الفيل الصغير، وعندها أخبرَتْها الطائرة البالون أنها ممتنة لها جدا؛ لأنها بالون على شكل طائرة، لكنها لم تجرب الطيران أبدا من قبل، كانت دائما ملتصقة بيد البائع، ولم يسمح لها أبدا بالطيران.
قالت لها فريدة إنها أيضا ممتنة لها وسعيدة برحلتهما الخاصة؛ فهي دائما تنظر للسماء وتتمنى أن تجرب الطيران، وأن تعرف شكل الأشياء من أعلى، واليوم تحقق حلمها ولامست السحابات.
قالت لها الطائرة: فعلا.. السُّحُب جميلة، وأشكالها بديعة جدا، تشبثي بي وتعالي نتنقل معا من سحابة لأخرى، وبالفعل تنقلتا معا من السحابة التي تشبه الفيل إلى أخرى تشبه القلب ثم إلى واحده تشبه ثمرة الكمثرى اللذيذة.
وفي جلستهما المريحة على السحابات سألت فريدة البالون الطائرة: لماذا أنا من استطعت التحليق معك عاليا ولم يستطع البائع، بالرغم من أنه يحمل الكثير والكثير من البالونات؟
أخبرها البالون أنها طارت معه لأنها تمنت دائما الطيران، وحلمت به، أما البائع فلم يتمن أكثر من بيع البالونات فقط، ولم يهتم بالطيران، كل منا له أحلامه الخاصة وأهدافه التي يتمنى تحقيقها، وإذا تشبث بها ستتحقق له .
انتبهت فريدة فجأة على صوت والدها يقول لها: “فريدة لقد أفلت البالون من بين يديك وطار في السماء”.
نظرت فريدة إلى السماء، ورأت البالون الذي على شكل طائرة يحلق بعيدا، فأشارت له بيدها وهي تبتسم وتقول: مع السلامة يا صديقي العزيز، أشكرك على الرحلة الممتعة، وسأتشبث دائما بأحلامي، كما اتفقنا معا.
………………..
*الصورة مشهد من فيلم “الأمير الصغير”