ونسة .. صرخة نسوية في وجه تهميش وواقع سيء

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 ولاء الشامي

من يفضل فن القصة القصيرة مثلي لابد وأن يذوب في غرام الروايات الصغيرة مثل "ونسة"، الروايات الصغيرة "النوفيلا" التي تستحق الإشادة؛ لقلة عدد صفحاتها مما يدفع الكاتب إلى تكثيف الأحداث والتركيز على المواقف الهامة بما لا يسمح بأي إسهاب أو إضافاتٍ لا داع لها ، فأمامك الحكاية ولا شئ غيرها ، فتكون القصة فقط نصب عينيك .

تلجأ الكاتبة لحيلة سردية فتجعل الراوي فأراً ، ثم تكتشف فجأة أن " ونسة " هي التي تتقمص هذا الفأر لتحكي عن وجعها ، تقول سامية بكري عن اختيارها للفأر تحديدا " بالنسبة إليّ أوحيت أن الراوي فأر لكن في ما بعد يتضح أن البنت متقمصة حال الفار من فرط تماهيها معه، حالة التشابه في الوحدة والنبذ الاجتماعي بين الفأر وبطلة الرواية جعلته البطل الثاني الأمثل في الرواية ."

بلغة مكثفة وعرض مختصر تدور الرواية حول ونسة وهي الشخصية المحورية ويتبعها شخصيات فرعية أخرى ، ونسة التي تجاوزت الثلاثين وتعيش بمفردها في بيت والديها بعد وفاتهما ، لم تتزوج بعد وتعاني وحدة ووحشة جُبرت عليها ، لا شئ أمامها سوى الاندماج في المسلسلات التركية وقراءة روايات عبير ، حتى تحدث مصادفة فتجد نفسها وقد اهتمت بتربية الفئران تعويضاً عن ونس غائب ، حتى يتتبعها الجيران ويقومون بتطهير الشقة رغما عنها ، فتصاب باكتئاب توضع على إثره في مصح للأمراض النفسية .

ونسة التي تشعر بأنها مهمشة ، ولأنها قليلة الخبرة بالحياة تقع في فخ التجربة وتصطدم بالواقع بكامل أساه ، تتأرجح بين الاكتئاب والجنون لا ندري بالظبط في أي منطقة تقع ونسة .

"تشعر أن حظها من الجمال قليل، وقد باءت كل محاولاتها كأنثى في طور المراهقة بالفشل في تحسين شكلها، بل إنها وجدت سخرية من أخواتها ونهيًا من أبيها، يردد بحسم: إيه لزوم قص الشعر؟ وليه الماكياج والوقفة قدام المراية؟ والكعب العالي هايقوس ظهرك"

تنمو ونسة وقد فقدت الثقة في نفسها وصار منبعها من الآخر ما دفعها إلى الاستسلام لعلاقة غير جدية بالمحامي مصطفى بعض الوقت ، حتى تفيق وتنهي هذه العلاقة ثم يعاودها الاكتئاب مرة أخرى فتساعدها صديقتها داليا على تجاوزه ، أفهمتها أنها لم تخبر الحياة بعد ولا تدرك أن لاحياة لا تقف عند أحد ، ثم حكت لها عن مأساتها في حب رجل متزوج  " يا ونسة ، كل واحد منا له فيرانه الخاصة على فكرة ، ومن رأى فيران غيره هانت عليه فيرانه " .

الذات النسوية في هذه الرواية مهمشة ومقموعة ، تتعرض للأذى بشكل يومي

صراع محموم بين الأنا والآخر ، نجد أنفسنا أمام مجموعة من النساء فقدن القدرة على التأثير . اللهم إلا أم عزة، وفريدة، وكلتاهما شغلت نفسها بالعمل فأم عزة دلالة ، وفريدة عملت في التفصيل ، فالرواية تعلي قيمة أن تعتمد المرأة على نفسها تماماً كونسة بعد خروجها من المصح واستغراقها في الدراسة وتفكيرها في أن تؤسس مشروعا خاصاً بها ، فقدمت الرواية المشكلة متبوعة بالحل ، أن تفتح صدرك للحياة وتقول هاتِ ما عندِك ، تتحمل كل أذى وتواجه لا تقبل الانسحاب .

تتميز الرواية بأنها غنية بالشخصيات الدرامية التي تتفاعل وتتصارع بشكل يوحي لك أنها قادرة على التنفس والحركة محتشدة بالحكايات المتداخلة ، كذلك الوصف دقيق بشكل رائع تشعر بأنك تعرف ونسة جيدا أو تراها بشكل شبه يومي ، تلقي عليها تحية أو تتوقف لتتأمل ملامحها ، تجد شخصية أم عزة قريبة جدا ، وكأن داليا صديقة شخصية لك .

في حوار صحفي لجريدة العرب قالت سامية بكري " أكتب عن الآخر كأنما أكتب عن نفسي وأكتب عن نفسي كأنما أكتب عن الآخر، تلك جملة أحاول أن أتبعها دوما في كتاباتي. أن أرصد الآخرين في أعمالي فأكتب عنهم كأنما أكتب عن نفسي وأتقمصهم تماما "  


الرواية على صغرها تناولت عدة مشكلات تم طرحها من قبل ولكنها جُمعت بذكاء من خلال شخصيات الرواية الطلاق ، الخيانة الزوجية ، العنوسة وتقييمات المجتمع ، المرض النفسي ونظرة المجتمع القاسية ، قلق المرأة بشأن جسدها ، اقتناعها بالحجاب .

إن ماقدرتش تضحك ، ماتدمعش ولا تبكيش
وإن مافضلش معاك غير قلبك
اوعى تخاف ، مش هتموت ، هتعيش

جاءت نهاية الرواية منطقية جدا وفي منتهى الذكاء . تعود ونسة إلى رفقة الفئران ثانية مع رغبتها في استكمال دراستها ، في إشارة على اكتفائها بهذه الرفقة التي تشبهها . 

وان سألوك الناس عن ضي جوه عيونك مابيلمعش
ماتخبيش
قولهم العيب مش فيا ، ده العيب في الضي
وأنا مش عاشق ضلمه ولا زعَّلت الضي
مسير الضي لوحده هيلمع
مسير الضحك لوحده هيطلع
مابيجرحش ، ولا يأذيش

بشكل أو بآخر تحمل هذه الرواية أوجاع ومخاوف الذات النسوية في مجتمعاتنا العربية ، بانسانية مرهفة عبر بناء سردي محكم وأسلوب سلس لحكي شيق .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتبة مصريّة 






مقالات من نفس القسم