إنسان العصر الحديث “الزومبي ” وخطاياه العشر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

"هي الخطيئة الأصلية إذا/ تلك التي شملت كل الجرائم بذاتها/ الماضي/ أو للمستقبل البعيد/ من إنسان هالك لا محالة/ تحياتي".

 أبدو مشوشة قليلا، لم أجرب من قبل كتابة رؤية ما لعرض مسرحي، ولكن من يشاهد عرضًا مثل هذا ولا يحاول التجرؤ قليلا؟

"الزومبي والخطايا العشر" عرض للمخرج "طارق الدويري" بدأ عرضه منذ الرابع من فبراير ومستمر حتى الآن على مسرح الهناجر- بدار الأوبرا بالقاهرة.

 

لأجرب أن أكتب كل ما يخطر على بالي، لهذا خلقنا الله، ألم يخلقنا لنستمر في توظيف ما وهبنا إياه، لنكون أفضل لنتدبر ونتفكر ونرعى العالم؟

ولكن دأبوا على تلقيننا أن وجودنا هنا في الأرض عقاب على خطيئتنا الأصلية:

ما هي الخطيئة الإنسانية الأصلية؟

زخم وتفاصيل وأسئلة تتلاحق على رأسي، هناك إجابتان مباشرتان تم استغلال الإنسانية بسببهما وهما “المعرفة والعصيان؟”

لهذا رفع شعار ازدراء المعرفة والعصيان:

  • فلنكرر ما يقال، ولا نعصي للسلطة أي سلطة أمرا.

في الحقيقة هناك إجابات أخرى كثيرة تختبئ في التفاصيل ولكن لا تجد من يبحث عنها. بطلة العرض دكتورة “نشوى محرم” دعت في مشهد أكثر من رائع “الناس الكتاب” المارق الذي يسير في الطريق الوعر، الذي يتخلف عن مفاهيم الجماعية للحكي، لهذا لنحكي إذا استطعنا، أو لنتخيل أحداث يمكن حكايتها.

منذ خمسة أعوام تقريبا، مرضت أمي وجاءت لزيارتها جارة “نوبية” لطيفة، لا تعرف القراءة ولا الكتابة –لا أقصد أية إهانة، أعرف عظماء لا يعرفون القراءة والكتابة كما أن النوبة موطن الحكمة والجمال- رن هاتفي وكان هاتف رخيص من تلك الهواتف التي يتأفف الآن البسطاء من اقتنائها، فنظرت إليّ الجارة الطيبة نظرة غريبة وبدأت في تأنيبي، موضحة: “ألست صحفية؟ كيف تخرجين على الناس بهذا الهاتف الحقير، كيف لا تهتمين بشكلك” وأخرجت من حقيبتها هاتف لا أذكر الماركة ولكنه يبدو غاليا.

هذا هو زومبي العصر الحديث، إنسان طيب بسيط لا يهم خلفيته الاجتماعية ولا الإنسانية، المهم مظهره الخارجي المقبول كنموذج يعبر عن توجهات النظام. هذا هو الميت الحي بدون أية فلسفة.

موقف لا تحتاج قراءته في كتاب، أنت تعيش في عالم يتم تلقينه وتعليمه على طريقته، عالم يستغل بالمال كل شيء ويحوله إلى سلعة يمكن شرائها، فيتحول الدين إلى بوق للكره والقتل والوصاية باسم الله، ويسخر العلم لاختراع ملايين الاختيارات التي لا تحتاجها ولا تملك ثمنها. آلة إعلامية عملاقة، تلقن الزومبي الحديث طريقة الملبس والمأكل، تقنعه بأن الحاجات تساوي الرغبات.

فيصبح هناك شكل مثالي ولبس مثالي. تعمل ليلا نهارا لتشتري مثلا أحدث أجهزة الهواتف التي لا تحتاج إلى إمكانياتها فضلا عن عدم معرفتك بتلك الإمكانيات!!

العرض يبدأ بدقات ساعة الزمن، الوقت يمر بمصاحبة إضاءة مزعجة من كشاف نور يشبه كشافات نور السجون للكشف عن الهاربين، لتكتشف بعد لحظات من صمم الأذن والعيون التي تحارب الإضاءة أنك أمام صرخة “زومبي” العالم الحديث، هذا العالم المهتم بخلق النموذج الذي “لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم” إلا وفق ما لقنه له النظام، هذا النظام المحكوم من قبل بعض العرائس، أنت لا تعرف من يحركها فقط تنهار أمام جموع الزومبي التي تقترب من وجهك لتصرخ في روحك أفق أنت ميت تماما!!

خلفية صوتية تدعوك لتكون إنسانا طبيعيا مندمجا في النظام، النظام العالمي يقول لك:

“منذُ سنين وأنا أرعاك/ الآن وقد وصلتِ الحكايةُ إلى ذروتِها/ سأنقذُك/ لاتخفْ/ سأجعلُك إنساناً كاملا/ عضوًا طيبًا/ مواطنًا طبيعيًا”.

أنت إذاً لست في حاجة إلى التفكير؟

عقلك لا ترهقه، أعمل من أجل خير المنظومة الرأسمالية التي تستعبدك وتأكل جهدك في آلتها، لتنفق ما تحصل عليه في شراء ترهاتها التي تملأ وجهات المحلات.

أذكر أنني أيضا أقف أمام “فاترينة” الشكولاتة بالساعة لأختار عدة أنواع من الشكولاتة التي أنفق فيها آخر مليم في جيبي، كان يمكنه توفير وجبة غداء صحية لي ولزوجي ولطفلتي. كلنا في قفص الاتهام، حتى من يحاولون الخروج من النفق المظلم تجد الجموع تجرفهم وتحاول إعادتهم داخل الدائرة المرسومة، ليرى الجميع بأعينهم أن هناك أربعة أصابع ولكن ليقسم عقلهم الصدئ أنهم خمسة لأن هذا ما تقوله المنظومة.

“الزومبي والخطايا العشر” عرض واقعي مؤلم لكنه لم يخلو من بعض الأمل في صورة طفلة ترقص في النهاية، لتبشر بأن هناك مستقبل يجمع الورد من على الأرض، ويحتفظ بنقاء القادم من رحم المحاولة. كتب نص المسرحية عن طريق ورشة كتابة جمعت مخرج العرض “طارق الدويري”، وبطلته “نشوى محرم” فأخذ عن رواية “1984” لـ”جورج أورويل”، ورواية “451 فهرنهايت” لـ”أحمد خالد توفيق”، وبعض أشعار وديع سعادة.

مقالات من نفس القسم