جيتون كلمندي.. شاعر الدهشة والإنتباهات الغضّة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د.خزعل الماجدي

لابد من التنبيه ، أولاً ، إلى أن قراءتي التي أكتبها هنا  عن الشاعر جيتون كلمندي تعتمد على هذه الترجمة العربية وليس على النص الأصلي باللغة الألبانية التي لا أجيدها، ولذلك يمكن أن نتواصل أنا والقارئ العربي بسهولة  لأننا نقرأ النص ذاته .. وهذه غاية مشتركة بيننا .

جيتون كلمندي شاعر من كوسوفو يكتب باللغة الألبانية ، ولبلاد كوسوفو وألبانيا صلات مزدوجة مع الشرق والغرب ، فهي تبدو كمصهر للثقافات الشرقية والغربية وللدينين المسيحي والإسلامي ، ولذلك فهي تمثل سبيكة  نادرة في عالمنا المعاصر.

القصائد الحديثة التي كتبها كلمندي تندرج ، عموماً ، في تيار الشعر الحديث الذي عمً العالم ولكن شعره ينبضُ ، هنا وهناك ، بالطبيعة المحلية لبلده ، فهو يشير لحياتها الخصبة ولتاريخها العريق ولشخصيات من بيئتها ، وهو يصف طبيعتها وناسها ، وهذا ماجعل للقصائد طعماً خاصاً.

تعتمدُ أغلب قصائده على المفاجأة التي تظهر في سطورها الإخير ، حتى لو كانت القصيدة طويلة ، فهو يأسر بها القارئ ويجعله يفكر بعمقِ وقد يعيد قراءة  القصيدة لكي يزداد معرفةً بسبب دهشته ، ويظهر هذا  واضحا في أغلب قصائدهِ القصيرةِ وفي القصيدة الطويلة ، نسبياً، التي تتصدر بداية المجموعة :

وصلتً أخيرا إلى بَابَ الروح

شُعَاعَان كَانَا بِأنتِظَارِي

مَرْحَبا ً

هَا قَد إلتَقَيْنا مُجَدّدا ً

أنْت َو أنا و أمِيرَتي

لَكن لا بُدّ لِي مِن تقبّل

حقِيقَة وُجودِكِ داخِل نَفْسِي

نَفْسِي أنَا  و كُلّ هَذِه الرّحْلَة

كَانَت مِن أجْل الوُصُول إلى نفسِكِ أنْتِ.

ولطالما يُدهشنا كلمندي بطريقته هذه فهو يتحدث عن شيءٍ فنكتشف في نهاية القصيدة أنه شيءٌ آخر ، هذا الأسلوب الذي ينتشر في المجموعة كلها يعطي صفة خاصةً بالشاعر.

أغلب قصائد كلمندي قصائد حب ، فهو يرى الحب في كل شيءٍ ، يفتش عنه ويمسك به ويعيشه ويمضي معهُ ، بل هو ينادي الحب بأن يعلمه  متى يجب أن يحب  :

أيّها الحُب

عَلّمْنِي مَتَى يَجِب أنْ أحِب

فالكُل قد توقف

ليَقِيس الأمور وِفْقا ً لمَعاييرِه

والجّميع مُدْرِكُون تَمامَا ً

أهَمِيّة الحَيَاة

لكِن هُنالِك مَنْ بَقِي صَامِتا ً.

يجد كلمندي الطبيعةَ مدخلاً للمرأة  والمرأة مدخلاً للطبيعةِ ، ولذلك فهو يلجأ الى خلطهما والجمع بينهما بطريقةٍ شعرية جذابةٍ ، حيث تحلّ تلميحات الطبيعة في المرأة وحضورها :

حبيبتي السمراء هي

نزهتي الأولى

تحت خيالها ينبت العشبُ .

وفي مقطع آخر:

إهدأي حبيبتي

فسأجلب لكِ السماءَ من أنفاسي .

بهذه اللغة الطرية  يكتب الشاعر قصائد الحب وغيرها ، وتنتشر في نصوص الشاعر الأسئلة الحائرة  التي تسأل أحيانا عن البديهيات وتنتظر من شاعرها إجابات غير عادية ، وهناك أسئلةٌ من نوعٍ آخر تظهر في قصائده تجعلنا نصغي لبوحه العميق أو لحيرته المباغتة :

أيّامٌ عَدِيدَةٌ

بِإنتِظَار

الشُحرور لِيَأتِي

و يُغَطِي نِصْفَ السَمَاء بِجَناحِهِ

لكِن لِمَن سيتبقى النِصْف الآخَر

يُمكِنُني الآن رُؤيَة نَفْسِي

فِي كَفّ يَدي

و أتسائل

مَنْ سَنسْتَدعِي غدا ً ؟

مثل هذه الدهشات ومثل هذه الإنتباهات الغضّة تجعل لغة الشاعر حميمةً ودافئة تتوغلٌ في شرطنا الإنساني القائم على الأسئلة والدهشات المتواصلة .

القلق والإنتظار والحلم والأسئلة ثيمات أساسية في شعره ، وغالباً مايبقي على هذه الأسئلة وعلى حيرته وأحلامه دون إجابات أو حلول أو تفسيرات ، هذا هو فضاء الشاعر جيتون كلمندي الذي يأسرنا بانتباهات جديدة ويجعلنا نتعرف على شعر جديدٍ قادمٍ من بلادٍ عريقةٍ يصل الى القلب والعقل معاً ويضيف لرصيدنا في معرفة الشعر 

………………..

*ناقد عراقي

* عن ديوانللكاتب والشاعر الألباني جيتون كلمندي (أحلام داخل الجدار) ـ ترجمة ياسمين العاني

 

مقالات من نفس القسم