2_
تكشف الرسائل عن الكثير من الشغف والانبهار بكل مايسمى فنا حين كانت فرنسا “فاترينة العالم” تعج بالحركات الجديدة في الأدب والفن التشكيلي والموسيقى والرقص، كيف يلهث صاحبنا من اللوفر للحى اللاتيني، حتى ينهى اليوم في الاوبرا اوالمسرح لمشاهدة كوميديا راسين. كان كمن فتح امامه صندوق الدنيا مرة واحدة وهوذلك العصفور القادم من الشرق المتأخر، يسابق الزمن ليحمل معه مايستطيع قبل العودة الجبرية.
3-
“اذا واتاك الحظ بمافيه الكفاية لتعيش في باريس وأنت شباب، فان ذكراها ستبقى معك أينما ذهبت طوال حياتك، لأن باريس وليمة متنقلة“
مقدمة ارنست همينجواي لكتابه “وليمة متنقلة “والذي يحكي حياته هناك في الفترة من 1921حتى…1926
يتحدث عن باريس حين كانت قبلة الفن يأتيها الأدباء والفنانون من كل الدنيا، فيسجل مواقف عن شخصيات وصداقات جمعته مع من صاروا بعد ذلك كبار “سكوت فيتزجيرالد ,جيمس جويس ,ت.سي .اليوت “وغيرهم ممن جاءوا ليمتلكوا ادوات الفن من منبعه .
4_
يروى صاحبنا حكاياته عن الحي اللاتينى ومقهى سان ميشيل ورصيف نهر السين حيث الكتب القديمة بعدها قد يذهب لمكتبة شكسبير في ساحة اوديون .,فتجد نفسك مشدودا لفكرة ترى هل التقى صاحبينا هناك ؟؟.نفس الفترة تقريبا “بالمكان ذاته ..شابان في بداية التكوين الفكري يبحثان عن الفن والحياة مع اختلاف طبائعهما فأحدهما مقبل على الحياة كلها من أدب وحب وسباق خيول ودراجات هوائية، اما الشرقي فمولع بالفن فحسب .
5_
تشرد في الخيال ..قد يكونا جلسا متجاورين بذات المقهى يحتسيان قهوة الصباح اوشاهدا سويا عرضا “في المسرح الكوميدي بشارع سان جرمان ,أو مشيا على رصيف السين وتوقفا لشراء بعضا من الكتب القديمة فأعجبا بكتاب بعينه فأبتسما وألقي احدهما التحية على الأخر ورحل ..او حضرا احدى المناسبات بصالونات الأدب بباريس ليطالعا كل ماهو جديد ,ربما ذهبا لحديقة لكسمبورج التي اعتبرها هيمنجواي افضل مكان وذكرها الحكيم اكثر من مرة في كتابه ,بعدها قد يسلكان ذات الطريق لمتحف اللكسمبورج يوميا ,ووقفا امام لوحة لسيزان متسائلين ما الذي يجعله يرسم طبق تفاح: اذ فسر ذلك هيمنجواي بأنه كان جائعا اما الحكيم فرآه تصويرا حسيا للحياة.
6_
صحيح أن تجربة هيمنجواي أثرى وأخصب بمغامراته وقدميه الثابتتين وصداقاته الوثيقة بالكثيرين من الباريسين وغيرهم “عزرا باوند “الشاعر الأمريكي مثلا، فتمنحه أرضا رحبة للخلق وهو محاط بهؤلاء، فيلامس عن قرب شخصياتهم، ويدخر كل ذلك في مخيلته ليخرجه يوما ما، حتى حين يكتب عن باريس تشعر وكأنه مواطن باريسي يحفظ الشوارع والحانات والطرقات والمطاعم، أما الحكيم فكان يتلمس طريقه وحيدا متوجسا اللهم الا بمساعدة مسيو هاب، إلا أن صدفة المكان والزمان وحدتهما فأعطتهما زخما من ذكريات لزهرة عمر بفاترينه العالم او “الحقبة الجميلة “والتى جعلتهم بعد زمن ليس بالقليل يستعيدانها …وهى ذاتها الفترة التى احبها الكثيرون ليس من الأدباء فحسب بل أهل السينما فأخرج عنها وودي آلان فيلمه السحرى “منتصف الليل في باريس “وكأنهم يؤكدون عبارة هيمنجواي “لا نهاية لباريس مطلقا“