رحل “علي قنديل” عن 22 عاما، ليترك لحفاري القبور حرية أن يضموه إلى قائمة الشعراء قصيري العمر، ثم يشفعوا ذلك بالسؤال الغبي: ماذا لو أن الله منحه بسطة في العمر؟ لا بد أنه كان سيثري القصيدة العربية.
في ظني أن الموت أنقذ “علي قنديل” من أن يتحول إلى ثرثار في حرم القصيدة، شأن كثيرين منحهم الله بسطة في العمر، ليجتروا ما كتبوه من قبل، ليسرقوا قصائدهم القديمة، حتى يظلوا في دائرة الضوء المشبوهة، التي يرفضها الشعراء الحقيقيون.
من يريد أن يقف على منجز شعراء السبعينيات عليه أن يقرأ “علي قنديل”، فهذا الشاعر ابن الموت رافد مهم في هذه التجربة، لا تنسبوه إلى أحد، ولا تضعوه في موقع التلميذ لشاعر، حتى لو كان “عفيفي مطر” فـ “علي قنديل” نسيج وحده، في شعره وحياته وموته، كانت قصيدته ابنة الحياة.
لو لم يكتب “علي قنديل” غير قصيدته عن “القاهرة” لكفاه هذا أن يكون في متن الشعر الحقيقي، فكل شاعر حين تصفيه لن تخرج من رحلته إلا بديوان أو ثلاثة دواوين، ودائما تحضرني المقارنة بين “قاهرة حجازي” في ديوانه “مدينة بلا قلب” و”قاهرة علي قنديل” ليكسب الشاعر قصير العمر في ميزان الشعر، قصيدته تناسب تجربة مركبة عاشها شاعر قادم من عمق الريف، دون أن تكون لديه صورة ذهنية مسبقة عن المدينة، ترك نفسه للتجربة فكتبته القصيدة، بينما كان حجازي يقف على الأعراف راصدا علاقته بالمدينة وخوفه منها، كان علي قنديل جزءا من المشهد يعاني اغترابا وجوديا شأنه شأن كل من يحيطون به، كانوا هامشيين مثله، لم يتعال عليهم بنقائه وتاريخه الريفي ابن الطبيعة الرائقة.
كان لا بد أن يموت “علي قنديل” لأنه لم يكن شاعرا تقليديا، ولأنه طلب أن يكون اللون الثامن في قوس قزح، طلب المستحيل إذن، الذي عرف – ربما – في اللحظة التي دهسته فيها شاحنة مارقة، أن طلبه مرفوض فمات، ليترك لنا ديوانا واحدا هو “كائنات علي قنديل الطالعة” وأوراقا في حوزة أسرته، حدثني عنها منذ سنوات ابن أخيه، الذي يحمل اسمه، وحتى الآن لم نر شيئا، اللهم إلا صفحة على “الفيسبوك” باسم الشاعر، وجملة تقول: ” انتظروا مفاجأة تخص الشاعر علي قنديل قريبا”.