منصورة عز الدين.. مناوشات “جغرافيا الوهم”

إبراهيم فرغلي.. الوعي بالرواية
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

"جبل الزمرد" الرواية الأحدث في مسيرة الكاتبة والروائية المصرية منصورة عز الدين، والصادرة عن دار التنوير في القاهرة، حصدت جائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2014، وتسلمت كاتبتها الجائزة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة. الرواية ومنذ صدورها مطلع العام الحالي تلقفها الوسط الأدبي والثقافي بكثير من الاحتفاء والاهتمام، وهي الرواية التي سعت صاحبتها إلى الاشتباك مع النص السردي الأكبر "ألف ليلة وليلة" اشتباكا يتجاوز العنوان لتقدم منصورة عز الدين عملا يناوش "الليالي" ويلعب معها، يحاورها متبنياً بعض أساليب السرد المستلهمة منها، عملا يتفحص بحساسية عالية إشكالية "الكتابي والشفاهي" في الثقافة العربية والعلاقة بينهما في الآن ذاته، ويشتغل على فكرة "رواية الرواية" أي الوعي بفعل الكتابة، رواية منبثقة من قلب "ألف ليلة وليلة" ومتماشية مع الموروث الديني في آن.

“جبل الزمرد” الرواية الأحدث في مسيرة الكاتبة والروائية المصرية منصورة عز الدين، والصادرة عن دار التنوير في القاهرة، حصدت جائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2014، وتسلمت كاتبتها الجائزة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة. الرواية ومنذ صدورها مطلع العام الحالي تلقفها الوسط الأدبي والثقافي بكثير من الاحتفاء والاهتمام، وهي الرواية التي سعت صاحبتها إلى الاشتباك مع النص السردي الأكبر “ألف ليلة وليلة” اشتباكا يتجاوز العنوان لتقدم منصورة عز الدين عملا يناوش “الليالي” ويلعب معها، يحاورها متبنياً بعض أساليب السرد المستلهمة منها، عملا يتفحص بحساسية عالية إشكالية “الكتابي والشفاهي” في الثقافة العربية والعلاقة بينهما في الآن ذاته، ويشتغل على فكرة “رواية الرواية” أي الوعي بفعل الكتابة، رواية منبثقة من قلب “ألف ليلة وليلة” ومتماشية مع الموروث الديني في آن.

شخوص روايتها البديعة تحيا على الأعراف، بين الواقع والخيال تعيش، تكتب سيرتها في المنطقة المعلقة بين السماء والأرض، هكذا نتعرف على “بستان البحر” أو “كاهنة الأبيض والأسود” الراوية وحفيدة أحد الحكماء السبعة لجبل قاف أو “مملكة الزمرد”، الكائنة إلى مصيرها باستعادة سيرة الأميرة زمردة، بنت الملك ياقوت، حاكم المملكة ومدبر شؤونها، القائلة “الحكاية ستعيدني، وكاهنة الأبيض والأسود ستجمع شظاياي”، تلك النبوءة/ اللعنة التي تملك سر بعثها وبقائها إلى ما لا نهاية..

لم تكن كتابة “جبل الزمرد” تجربة سهلة على الإطلاق، فالرواية مركبة وذات مستويات متعددة، وتطلبت من مؤلفتها تفرغاً كاد يكون تاماً طيلة عامين أو يزيد، تقول منصورة عن استعدادها وتحضرها لكتابة الرواية “بدأت كتابتها في 2010 وفي هذا الوقت كتبت مادة كثيرة عن شخصية “هدير”، إحدى الشخصيات الرئيسية بالرواية، وجدتها “شيرويت قنديل”، وأمها “نادية”، وحين قامت ثورة يناير ابتعدت عن الرواية وانغمست تماماً في ما يجري حولي، وباستثناء نصين إبداعيين قصيرين، لم أكتب سوى مقالات عن 25 يناير وما تبعها من تحولات، نُشرت في ملحق نوافذ بجريدة المستقبل اللبنانية وفي جريدتي زود دويتشه تسايتونج الألمانية ونيويه زيوريشر تسايتونج السويسرية”.

وتخبرني منصورة أنها استأنفت العمل في كتابة الرواية في سبتمبر 2011، بعدما “تبلورت في ذهني بدرجة أكبر وبدأت خطوطها العامة في التشكل، لكن العمل الجدي فيها بدأ مع بداية 2012، إذ انغمست في الكتابة بشكل يومي، وغرقت في إعادة قراءة “ألف ليلة وليلة” والكثير من الكتب التراثية التي تتناول ما يمكن تسميته “جغرافيا الوهم”، نقاط التلاقي بين الخيال الكامن خلف “ألف ليلة وليلة” وذلك الكامن بين كتب الرحلات والجغرافيا القديمة كان مدهشاً جداً بالنسبة لي.

وتتابع منصورة عز الدين كشف السياق الذي تولدت فيه ومنه “جبل الزمرد”، قائلة “كنت محبطة بسبب تطورات الأحداث على أرض الواقع وممنوعة من الحركة إلاّ في أضيق الحدود بأمر الطبيب، ومثلت لي القراءة والكتابة اليومية متنفساً ملائماً. وفي سبتمبر 2012 كنت قد انتهيت من المخطوط الأول للعمل، وفي 9 نوفمبر 2012 أرسلت مخطوط الرواية لثلاثة أصدقاء مقربين أثق في رأيهم. في أبريل 2013 انتهت الفنانة اللبنانية نجاح طاهر من تصميم الغلاف وكان من المفترض أن تصدر الرواية خلال شهر أو شهرين على الأكثر، غير أني طلبت تأجيل النشر لترددي ورغبتي في إلقاء نظرة أخيرة على المخطوط، وبهذا صدرت “جبل الزمرد” عن دار التنوير في يناير 2014.

صاحبة “وراء الفردوس” أبدت امتنانها البالغ لكل من رأى في عملها “محاولة طموح لخلق سردية عربية مصرية في مواجهة السرديات الكبرى”، لكنها استطردت “حين أبدأ كتابة رواية ما لا أفكر على هذا النحو، ولأصارحك القول إني لو فكرت هكذا أو سعيت لمسعى مشابه، لما كتبت حرفاً واحداً”.

وتكشف منصورة بوعي فريد ولغة منضبطة تفاصيل العملية المعقدة التي تكتنف الكاتب، أي كاتب، أثناء انخراطه في إبداع عمله، أو ما يمكن أن نسميه “ما وراء الكتابة”، أو “أسرار المطبخ الإبداعي”، تقول مبدعة “جبل الزمرد”: “يبدأ العمل عندي بمناوشات مرتبكة ومتلعثمة، قد يخايلني مشهد غامض، أو شخصية تتكون على مهل في ذهني، وأبدأ في وضعها في سياقات متخيلة على الورق، في البداية أشعر بأني أجد طريقي بصعوبة وسط ضباب كثيف، لكن هناك لحظة سحرية تلتئم فيها الخيوط فأعرف أن تخطيطاتي الأولية تتجه صوب أن تكون مخطط رواية في طور الكتابة، أثناء الكتابة، تتشكل الأسئلة التي ينشغل بها العمل أو بمعنى أصح التي يقترحها عليّ العمل، وقد أعيد الكتابة أكثر من مرة انطلاقاً من مشهد كتبته وأعجبني، أو شخصية بدأت هامشية واكتشفت أن التوسع فيها قد ينقل العمل نقلة أبعد”.

وبمناسبة الحديث عن مطبخ الإبداع وأسرار عملية الكتابة، سألتها: هل تمثل “جبل الزمرد” قطيعة ما بشكل أو بآخر مع أعمالها السابقة؟ فجاءت إجابتها واضحة.. “لا تمثل “جبل الزمرد” أي قطيعة مع أعمالي السابقة، إذ لا يزال هناك الولع بالغرائبي في امتزاجه مع الواقعي وإن بصورة مختلفة، كما تجد تلك الشخصيات الحائرة والمحكومة في معظمها بالسعي خلف ما لا يُدرك ولا يُلمَس كل على طريقته”، لكنها اعتبرت في الوقت نفسه أن “جبل الزمرد” “بداية مرحلة جديدة بالنسبة لي، أو ربما إرهاصة بمرحلة قادمة، لكنها لا تمثل قطيعة مع ما سبقها. ربما يكون الطموح الفني لـ”جبل الزمرد” أكبر، كما أن عالمها أوسع من عالم روايتيّ السابقتين. هذا بخلاف أنها العمل الذي استمتعت بكتابته أكثر من سواه”.

منصورة عز الدين تنتمي إلى جيل أدبي اصطلح على تسميته بـ”جيل التسعينيات”، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول جدوى التصنيف ومشروعيته، ناهيك عن دقته من الأساس، فإن ثمة مشتركات يمكن رصدها من واقع استقراء المادة الروائية التي أبدعها عدد من ألمع كتاب هذا الجيل، ومن بينهم منصورة ذاتها، فهي كتابة تتململ من وطأة مفهوم الواقع، وتحاول الإفلات من الكتابة الواقعية إلى الشطح والفانتازيا والتهكم والسخرية..

لماذا يبدو أن هذه الكتابة هي “الغالبة” على عدد كبير من كتاب وروائيي التسعينيات وما تلاها؟ سألت صاحبة “متاهة مريم”، فأجابتني قائلة: “كانت كتابة السيرة الذاتية أو ما يشابهها هي الغالبة على كتابة التسعينيات، ومن استمروا من كُتَّاب التسعينيات هم من تمردوا على المقولات الثابتة التي بدأوا بها، أو من عمقوا تلك المقولات ووضعوها موضع المساءلة. التململ من الواقع بمفهومه الضيق كان عاملاً مشتركاً بين كثير من الكتاب الجدد، وكان ثمة طرق مختلفة من التمرد على الواقع المقدم على هذا النحو، سواء بمزجه بالفانتازيا أو تحويله إلى مسخرة كاملة أو تشريحه بمنتهى القسوة والعنف”. وتستكمل منصورة “لكنني أرى أن الملمح الأبرز الجامع بين كثير من الكتاب الذين بدأوا الكتاب في بدايات التسعينيات ومن تلاهم، هو الكتابة من موقع اللا منتمي، حيث ثمة مسافة ما بين الكاتب وما يكتب عنه تحميه من التورط في أن يكون ناطقاً بلسان جماعة ما. لكن حتى هذا لا يمكن أن يكون دقيقاً أو شاملاً، فالمشهد الروائي المصري حالياً ثري وفوضوي في آن، ومن الصعب حصره في توصيفات محددة”.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم