الإجابة الأولى جاءت من جانب لويجي بيرانديللو، المؤلف الإيطالي الذي اشتهر في عام 1921 ككاتب للعمل المسرحي “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”، يقول: “لا ينبغي أن تظهر الشخصيات كأشباح بل كواقع مختلق، تركيبات مستمدة من الخيال لكنها أكثر واقعية ولمسًا للحس الإنساني، في النهاية تمثل طبيعة الإنسان المتغيرة”.
في مسرح شكسبير هناك شخصيات تعبر البحار بمراكب محملة بالعبيد، شخصيات لا تزال حية، رغم أن أيًا منها لم يكن حيًا أبدًا: هذا هو عمل المؤلف.
يقول بيوي كاسارس في عام 1987: “أريد وأبذل جهدًا لتكون شخصياتي هكذا، أن تكون نفسها وليست صورًا وأشباهًا من المؤلف. أحاول ألا أنقل ما يخصني، ما يخص بنيتي الثقافية“.
خوليو كورتاثر وساحرته
في عام 1963 كتب كورتاثر رواية “لعبة الحجلة”، التي ظهرت فيها “الساحرة”، سيدة بوهيمية، تلتقي بالصدفة بعشيقها أوراثيو أولبيرا، في أي ناصية بباريس. نساء كثيرات أردن أن يصبحن الساحرة، وأشياء كثيرة حملت اسمها أو اسم روكامادور. هل كانت شخصية مخططًا لها بأدق تفاصيلها؟ كانت الساحرة من مونتيفيديو، من حي el cerro. لماذا؟ قال كورتاثر ببساطة: “لماذا جعلتها من هناك، لا أعرف. ربما لأنه لا يجب أن ننسى ما يُحكى عندما تتذكر الساحرة ما حدث للزنجي وتتحدث عما وقع في بيتها. هناك تصف ديرًا وبدا لي أن حي el cerro أفضل مكان يناسبها“.
ستيفن كينج وكاري وايت
لو كتبنا قائمة بالشخصيات المثيرة للرعب، سنجد في أولها كاري وايت، هذه الطالبة الضعيفة التي يسخر منها زملاؤها. ستيفن كينج، مؤلفها، يعرف من أين جاءت كاري: أرسلوها لتنظف غرفة ملابس نسائية. وبعد أيام “تذكرت الغرفة وبدأت في تكوين المشهد الأول في القصة: مجموعة من الفتيات يستحممن دون حميمية وواحدة منهن تأتيها للمرة الأولى الدورة الشهرية. السيء في الأمر أنها لا تعرف ما هذا الدم فيما تبدأ الفتيات في السخرية منها ويضعن لها الكمادات”. هذه الصورة تتغير مع الذكرى: كينج يقرأ مقالًا عن القدرة على تحريك الأشياء بالتفكير:”بعض التجارب أثبتت أن الشباب هم الأكثر قدرة على فعل هذه النوعية من القدرات، خاصةً الفتيات في بداية المراهقة، عندما تنزل عليهن الدورة الشهرية“.
باولو كويليو..بين الضغط والحرية
يقول صاحب الخيميائي:”كل إنسان يمر-في رأيي- بعملية شبيهة بالبركان. تتراكم الأشياء وعلى السطح لا ينعكس شيء. الإنسان حينها يسأل نفسه:”هل ستظل حياتي هكذا؟”. في لحظة ما تبدأ أعراض الانفجار. إن كان إنسانًا ذكيًا، سيترك الحمم لتخرج ليحول المشهد الذي يحيط به. وإن كان حمارًا، سيحاول السيطرة على الانفجار، وبناءً على ذلك سيستهلك طاقته في محاولة السيطرة على البركان.
يضيف كويليو:”أنا كنت براجماتيًا حتى أفهم ضرورة فهم حجم ألم الانفجار لأشعر بعد ذلك بسعادة المشهد الجديد. وهذا ما يحدث لكل شخصيات كتبي التي تعيش بين هذين العالمين: الأول المكتظ بالضغوط التي تتزايد، والثاني عالم الحركة من أجل التحرر“.
روسا مونتيرو..الروائي وسيط بين الشخصية والعالم
صاحبة “ابنة أكلة لحوم البشر” و”سأعاملك كملكة”، تقول إن الشخصيات تظهر في رأسها أولًا صغيرة جدًا، من خلال صورة أو عبارة أو ايماءة، تظهر كصفة أو مزية أو قرار. بناء على هذه النواة يبدأ تشييدها وتطويرها بداخلها. بمعنى أن الشخصية هي التي تفصح عن نفسها.
ترى مونتيرو أن الروائي يجب أن يكون متواضعًا ويدع جانبًا إرادته، وينصت جيدًا للشخصية التي تحكي عن نفسها. وعلى الروائي أن يقوم بدور الوسيط. مضيفةً أن الإبداع الروائي يشبه الحلم. أنت لا تختار الحلم الذي تراه، بل الحلم هو ما يفرض نفسه. وعندما يتمتع الكاتب بموهبة كبيرة، تخرجه الشخصية من أحكامه المسبقة. مثلًا، عندما كان تولستوي ذكوريًا ورجعيًا، كتب “آنا كارنينا” ليناهض التطور. فكرته الأولية كانت الوشاية بالتطور باعتباره شيئًا يسمح للنساء بالزنا. لكن آنا سحبته نحو شيء أكثر حقيقية، نحو كتاب يرفض الجنسانية، والازدواج الأخلاقي في الطبقة البرجوازية وقمع المرأة. كل ذلك حكته آنا لتولستوي.
أنطونيو سكارميتا.. تعيش في غموض يكشفه أفعالها
الكاتب التشيلي الفائز بجائزة مديثيي الفرنسية عام 2001 برواية “عرس الشاعر”، وصاحب الرواية الشهيرة “ساعي بريد نيرودا”، يقول إن الشيء الجذاب في البطل هو سيولته. بمعنى، الانتقال من مرحلة التكوين لمرحلة الرغبة. بالتالي، فالشخصية دائمًا محض مشروع.
يضيف سكارميتا أن الشخصية في الرواية المعاصرة محض علاقة. الشخصية لا يجب أن توجد قبل الرواية، فالأحداث تقولب الشخصية، تمنحه الخيارات. المثالي في رأي سكارميتا أن تدخل الشخصية برفق في وجودنا وأن تعلن لنا أنها تحتاج لتغيير، تحتاج لتكبر، أن تؤدي بنا إلى تحول. وربما يبقى البطل على وضعه فيما يتغير الواقع من حوله.