ومصطفي ذكري كما أنه كاتب للقصة القصيرة والرواية، فهو أيضاً كاتب سيناريو مقل، ورغم ندرة أعماله السينمائية فإنها متميزة، ولعلنا نذكر له فيلمين هما «عفاريت الأسفلت» و«جنة الشياطين»، فضلاً عن مشروع سيناريو لم يكتمل وظل معطلاً إلي أن ضمنه ذكري ملحقاً بإحدي رواياته. وتعد هذه الرواية القصيرة ٦٢ صفحة، هي السادسة بين مجموعاته القصصية ورواياته إذ صدر له من قبل مجموعة تدريبات علي الجملة الاعتراضية، ورواية «هراء متاهة قوطية» ورواية «الخوف يأكل الروح» ورواية «لمسة من عالم غريب» و«مرآة ٢٠٢».
وليس نمط الروايات التي تقوم علي رسائل بجديد، فهناك الكثير من الروايات التي تعتمد هذه البنية الروائية ونجد أكثرها في نماذج غربية، وفي هذا العمل نقف علي إيقاع سريع للحكي عبر جمل وعبارات لاهثة متواترة، إنما موحية ومتواترة تحقق التدفق، إيقاع سريع رغم بطء الزمن الروائي، ولهاث داخل الذات،
والقلق والوحدة يخيمان علي الروح، وينهشان الأحلام المبتورة العامرة بالأسباب المجانية والمبهمة، وتطاولات علي اللغة القديمة، وإعادة فرز الدلالات القاموسية المستقرة وإيقاعات سريعة ولهاث متكرر، ونهجان في ملاحقة الأحلام والأحداث الصغيرة، وشخصنة الحدث،
وتبرير كبير لأحداث قد لا تستحق، لكننا نقوم بها يومياً من قبيل الإبقاء علي حياة إجبارية نلهث معها دون طائل يذكر، وفي مجتزأ من أحد مونولوجات الرواية، يقول مصطفي: سُئلت مرة وأنا صغير ماذا تريد أن تكون؟ قلت أريد أن أكون كاتباً، والآن وأنا في منتصف العمر لو سُئلت ماذا أنجزت؟ لقلت باعتذار شديد أريد أن أبدأ من جديد، ولربما تمنيت البداية من جديد، ليس للسير في طريق آخر، بل لاختيار الطريق ذاته،
وربما لا نقف علي فروق كبيرة بين ملامح البطل الناطق في المتن، وصاحب الكتابة ذاته مصطفي لا يعجبه الكثير من الكتابات أيضاً، وبالأخص كليشيهاتها، ويقول بطل روايته «لم أكن أتخيل وأنا صغير أنني سأقع في كل كليشيهات الكاتب التي قرأت عنها بشغف وتمنيتها بسذاجة»، هو منطق اعتراض علي نوتة أدبية واحدة وسولوهات متعددة، إذن فالصوت المتحدث باسمه أو عنه أو به كاتب تؤرقه نمطية الكتابة، مؤرق بهاجس الخروج من المأزق.
ومن ثم فلقد حاول مصطفي تحقيق كتابة روائية مفارقة للنمط، وجعل التداعي في محك التجريب لنقف علي مدي التخريب الذي ألحقته صغائر الحياة بالروح.
ولا غرو من التدليل سينمائياً علي وجاهة المأزق بجميع وسائط الوعي، المعطل بقرار، فنري البطل ترتبه الأحداث ولا يرتبها بعيداً عن التقاط خيوط روائية من حديث الزبائن بالصدفة، وكأنما الأحداث صنعت من أجله. وكأنما المونولوج الروائي بقعة ضوء مسرحية لزوم السينوغرافيا الروائية وتتحرك بفعل صوتي وروائي لتكشف عن خلفية المشهد، وتكشف عن شخوص يظهرون تباعاً علي الخشبة متضامنين مع صوت الروائي الذي يخرج من ذاته ليتحدث عنهم قليلاً في مشاهد بارقة عابرة، ثم لا يلبث أن يعود أدراجه إلي ذاته عبر برزخ الحياة العبثية، والرؤية الفوضوية للأشياء.
ـــــــــــــــــ
١٧/ ٣/ ٢٠٠٦