فَثَمَّةَ تفاعُلٌ وَاضِحٌ بينَ نصوصِ شريف رزق ، يُجَسِّدُ شِعريَّةَ النَّصِّ الشِّعريِّ الكُلِّيِّ لشريف رزق ؛ الَّذي هُو نَصٌّ شِعريٌّ تشَعُّبيٌّ ، على نَحْوٍ وَاضِحٍ .
وَلعَلَّ أوَّل مَلامحِ هذِهِ العَجَائبيَّةِ ؛ الَّتي أُشِيرُ إليْهَا ، هُو مَحْو التَّسلسُلِ الزَّمنيّ ؛ بوَحَدَاتِهِ المُتَعَاقبَةِ ، وَتفعِيْل ” دَائريَّة ” الزَّمنِ ؛ بحيثُ يتجاوَزُ ” المَاضِي ” مَعَ ” الحَاضِرِ ” ، على مُسْتَوَى الوَعْي وَالاسْتدعَاءِ ؛ هَذا الاسْتدعَاء الَّذي بَدَا – في مَرْحَلتِهِ الأولى – شَبيهًا بمُطَارَدَةِ لحَظَاتٍ هَاربَةٍ ، وَإنْ كَانَ الشَّاعرُ على يقينٍ بهَا :
” أمَدِّدُ جَسَدِي على الأريكَةِ ، مُغْمِضًا عينيَّ ، وَمُسْتَجْمِعًا ، دُونَ أنْ تجِيءَ لحْظَةٌ ، كُنْتُ فيْهَا ديناصُورًا ، أوْ حُوتًا ، أوْ ثورًا ، أوْ شَجَرَةً ، أوْ مَاءً ، قبلَ أنْ أولدَ وِلادتِي الأخِيرَةْ .” (2)
هذِهِ اللحَظَاتُ الهَاربَةُ ؛ الَّتي بَدَتْ – في أوَّلِ الدِّيوانِ – أقرَبُ إلى الوَعْي ” المُسْتَحِيلِ ” أوْ الفنتازيِّ ، سَوْفَ تُصْبحُ – على مَدَارِ النَّصِّ – وَعْيًا ” مُمْكنًا ” ؛ أليفًا وَحَياتيًّا ؛ يتعامَلُ مَعَهُ الشَّاعرُ تعامُلَهُ مَعَ أشيَائِهِ القريبَةِ :
” صَبَاح الخَيْرِ أيُّهَا الحِصَانُ
لا تَسْتَرِبْ أوْ تَتَمَلْمَلْ
تأمَّلْ
ألا تَعْرِفنِي ؟.” (3)
في انتقَالةٍ وَاسِعَةٍ منْ حالةِ الاسْتدعَاءِ إلى حَالةِ المُوَاجَهَةِ وَالخِطَابِ وَالمُشَارَكةِ وَالتَّداخُلِ ، فيْمَا يُشْبِهُ ” وِحْدَة الوجُود ” وَ” الكَائِنَاتِ ” :
” أيُّهَا الدِّيناصُورُ فيَّ
أيُّهَا الحُوْتُ الأزْرَقُ
يَا وَحِيْدَ القَرْنِ
أيُّهَا العُقَابُ
أيُّهَا الثَّورُ
أنْتَ أيُّهَا الفيلُ الاسْتِوائيُّ .” (4)
في آليَّةٍ مُطردةٍ منْ ” الاسْتدعَاءِ ” إلى ” المُوَاجَهَةِ ” ، ثمَّ – أخيرًا – ” التَّوحُّدِ ” ، وَهُو مَا يُعدُّ تمهيدًا لسَيْطرَةِ تيمَةِ العَوْدَةِ إلى ” البَدْءِ ” ؛ حَيْثُ البَرِّيَّةِ وَالعَرَاءِ وَالخَوَاءِِ وَاحْتِدَامَاتِ الخَلْقِ الأولى ؛ بمَا لا يعنِي ” دَائريَّةَ الزَّمنِ ” فقطْ ؛ بلْ تهشِيمِهِ وَإبطَالِ فاعليَّتِهِ المُفترَضَةِ ، وَتَجَاوزه ، وَالعُبور السَّريع فوقَهُ ، منْ الحَاضِرِ إلى المَاضِي ، وَمنْ الطُّفولةِ إلى الاكْتِمَالِ :
” وَلمْ يكَدْ شَريف يَخْرُجُ منْ أمِّهِ حَتَّى مَشَى
، وَتَوَقَّفَ ، وَصَاحَ :
هَذَا أنَا
وَهذِهِ ولادَتِي الأخِيْرَة .” (5)
|
هذِهِ العَودَةُ ” البدئيَّةُ ” – إنْ صَحَّ التَّعبيرُ – تَتَوَازَى – في تَصَوُّري – مَعَ آليَّةِ ” تفكِيكِ ” اللغَةِ ، وَرَدِّهَا إلى عناصِرِهَا الأولى (6) :
تَمَامًا كَمَا يَتَوَازَى تأطِيرُ ” البياضِ ” ؛ بمَا يعنِي غيبَةَ اللغَةِ ؛ وَليسَ انْعِدَامَهَا ، مَعَ غيبَةِ الآخَرِ / الشَّبيْهِ / القَريْنِ ، وَاحْتِجَابِهِ ، أوْ ترُاوحِهِ بيْنَ الحُضُورِ وَالغِيَابِ :
” كَانَ طَيْفُهُ على الأرْجَحِ ، في جَسَدٍ مُطَابقٍ ، زَلْزَلَنِي ، لِلَحْظَةٍ ، وَتَوَلَّى ، هُوَ الَّذي لمْ أعُدْ وَاثقًا بوجُودِهِ تمَامًا أوْ غيابِهِ .” (7)
أوْ :
” أيُمْكِنُنَا أنْ نَظَلَّ هَكَذَا
وَاحِدٌ في الجَحِيْمِ
وَوَاحِدٌ في الأثيْرِ
وَأنْتَ تَطْغَى ؟ .” (8)
هَذِهِ التِّيمَةُ المَرْكزيَّةُ – تيمَة القَريْنِ / الشَّبيْهِ أوْ انقِسَام الذَّاتِ – تَسْتَدْعِي مَا يُؤكِّدُهَا مِنْ نصوصٍ مُوَازيَةٍ ، وَيُمْكِنُ اختبارُ هَذَا فيْمَا اقتبسَهُ الشَّاعرُ منْ ” المِنَنِ الكُبْرَى ” للشَّعرانِيِّ :
” وَجَمَعْتُ في ذَلكَ المَشْهَدِ بَيْنَ شُهودِ نفسِي في مَكَانيْنِ ؛ فإنِّي كُنْتُ دَاخِلَ العَرْشِ بيقيْنٍ ، وَأرَى نفسِي خَارجَهُ بيقيْنٍ .” (9)
أوْ مِنْ قصَّةِ ” الهُورلا ” لمُوبَسَان :
” وَاسْتَطَعْتُ أخِيرًا أنْ أرَى نفسِي تمَامًا ، إنَّنِي رَأيْتُهُ ، وَقَدْ تَمَلَّكَنِي الرُّعْبُ ، وَلازلْتُ أرْتَعِدُ حتَّى الآنَ .” (10)
أوْ مِنْ ” كتابِ اللا طمَأنينَةِ ” لفرناندو بيسوَّا :
” تَنَبَّهتُ بإلهَامٍ خَاطِفٍ ، إلى أنَّني لا أحَد ، لا أحَد ، على الإطْلاقِ لا أحَد .” (11)
وفي تصوُّري أنَّ هَذا الاقتبَاسَ – تحدِيدًا- لا يعنِي العَدَميَّةَ – طِبْقًا لمَا تطرحُهُ دَلالاتُ ” حَيَوَات مَفْقُودَة ” – بقدْرِ مَا يعنِي عَدَمَ ” الوَاحِديَّةِ ” ، وَيُؤكِّدُ تعدُّدَ ” الحَيَوَاتِ ” ، وَانتقالَهَا منْ هيئَةٍ إلى أخْرَى ، وَمِنْ جَسَدٍ إلى آخَرٍ :
” لاشَكَّ أنَّ كثيريْنَ ، مِنْ قبلِي ، عَاشُوا في هَذا الجَسَدِ ، وَأنَّنِي ، بالتَّأكيدِ ، عِشْتُ قبْلَ هَذا الجَسَدِ ، في كَائنَاتٍ أخْرَى مِنْ قبل .” (12)
وَهَكَذا تَخْرُجُ ثُنائيَّةُ ” المَوْتِ وَالحَيَاةِ ” عَنْ طبيعتِهَا الضِّديَّةِ المُعْتادَةِ ، وَتُصْبحُ الحَيَاةُ نوْعًا منْ ” المَوْتِ ” ، في حَالةٍ منْ التَّمازُجِ وَالتَّداخُلِ ، وَتفتقِدُ الذَّاتُ اكْتِشَافَ وَضْعِيَّتِهَا وَتَرَاوحَهَا بيْنَ الطَّرفيْنِ ، وَسُقُوطهَا في تلكِ المَسَافةِ البينيَّةِ الغَامِضَةِ :
” أنَا حَتَّى الآنَ لا أسْتَطِيْعُ أنْ أُجْزِمَ تَمَامًا إذَا مَا كُنْتُ في الأصْلِ حَيًّا ، وَينتابُنِي مَوْتٌ مُؤكَّدٌ ، أمْ أنَّنِي في الأصْلِ مَيِّتٌ وَأصْحُو على فَتَرَاتٍ قليْلا .” (13)
نحنُ إذنْ أمَامَ مَا أسْمَاهُ الشَّاعرُ ذاتُهُ بـ ” أسْطُورَةِ الذَّاتِ الَّتي لا تنتهِي ” ؛ الذَّاتِ الَّتِي تَمُوتُ في جَسَدٍ لتَحْيَا في غيْرِهِ ، وَمنْ هُنَا تنحَلُّ غَرَابَةُ وَصْفِ المِيْلادِ – مَثلا – بأنَّهُ ” المِيلادُ الأخِيْرُ ” ، أوْ وَصْفِ الجُثَّةِ بأنَّهَا ” الجُثَّةُ الأخِيْرَةُ ” ؛ لكنَّ هَذَا الوَصْفَ يستوقِفُنَا – منْ ناحِيَةٍ أخْرَى -أمَامَ دَلالَةٍ مُهِمَّةٍ ؛ هِيَ أنَّ هَذِهِ الذَّاتَ لنْ تشْهَدَ مِيلادًا آخَرَ ، وَأنَّ دَوْرَةَ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ المُتَعَاقِبَةِ ، سَوْفَ تنتهِي بهَا ، وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ اللافِتِ أنَّ الشَّاعرَ يسْتخدِمُ – لِلتَّعبيْرِ عنْ انْتِهَاءِ هَذِهِ الدَّورَةِ – دَالةَ ” الفنَاءِ ” ؛ بمَا يعنِي أنَّ ” الفَنَاءَ ” – وَليسَ المَوْت – هُو نقيضُ الحَيَاةِ :
” على يقينٍ بأنَّنِي لمْ يَعُدْ مِنِّي سِوَى يقينِي بهَذا الفَنَاءِ .” (14)
وَكَمَا تتجلَّى البنيَةُ العَجَائبيَّةُ ، على مُسْتوَى الزَّمنِ ، وَمُسْتَوَى انشِطَارِ الذَّاتِ ، تتجلَّى كَذلكَ ، على مُسْتَوى الفِعْلِ النَّاتجِ عنْ هَذا الانشِطَارِ :
” هَلْ يُصَدِّقُ أحَدٌ أنَّنِي رَأيتُهُ أمَامِي ، خَارجًا مِنْ المِرْآةِ ، في قُدْرَةٍ هَائلَةٍ ، على التَّشَبُّهِ بي ، وَلكنَّنِي لمْ أنْخَدِعْ ، حَدَّقتُ في عيْنيْهِ ، فحَدَّقَ ، رَفَعْتُ يُمنايَ ، فرَفَعَ ، في المُقابلِ يُمنَاهُ …”(15)
كَمَا تنعكِسُ هذِهِ العَجَائبيَّةُ على وَصْفِ ” المَكَانِ ” ؛ الَّذي يبدو كَمَا لوْ كَانَ مِرْآةً للذَّاتِ ، أوْ صُورَةً أخْرَى مِنْهَا ؛ على سَبيْلِ المَجَازِ المُرْسَلِ ، وَلنتأمَّلْ كيْفَ يبدو ” السَّريرُ ” في هَذِهِ السّطورِ :
” سَريرُكَ المُسْتجِيْرُ مِنْكَ برَمْضَائِكِ ، سَريرُكَ هَذا ، الفَوْضَويُّ ، ذُو القَمِيْصِ المُضَرَّجِ بدمَاءِ الحَدَاثِةِ وَصِرَاعِ الحَضَارَاتِ ، مَنْفَاكَ وَقبْرُكَ ، صَديْقُ الكَوابيْسِ وَالاشتِهَاءَاتِ المُريعَةِ ، قريْنُ الوَحْشَةِ ، سَريرُكَ هَذَا ؛ الَّذي يَتَوَهَّجُ في السَّمَاءِ ؛ مُقَطِّرًا دَمًا عليْكَ ، سَريرُكَ . “(16)
وَغنِيٌّ عنْ الذِّكرِ أنَّنَا أمَامَ صِفاتٍ إنسَانيَّةٍ مُشْترَكَةٍ ؛ تُوَحِّدُ بيْنَ السَّريرِ وَصَاحِبِهِ ، أوْ لِنقُلْ بيْنَ الذَّاتِ وَمَا يقعُ خَارَجَهَا ، أوْ بيْنَ الذَّاتِ وَمُصَاحَبَاتِهَا الحَيَاتيَّةِ ؛ السَّريرِ ، المِرْآةِ ، المَدْرَسَةِ ؛ بمَا يعنِي أنَّنَا أمَامَ رُؤيَةٍ ذاتيَّةٍ للوجُودِ ، تنخلِعُ على الزَّمَانِ وَالمَكَانِ ، وَتجْمَعُ بيْنَ دَائرتِهَا وَدَائرَةِ العَالَمِ الوَاسِعِ ، وَلْنَتَأمَّلْ – على سَبيْلِ المِثالِ – حَرَكَةَ ” العَصَافيْرِ البَهيَّةِ الخَضْرَاءِ ” (17) ؛ الَّتِي تُزاوجُ بيْنَ صُعودِهَا في شَهْقَةِ الفَضَاءِ وَوُقوفِهَا على أغْصَانِ القَلْبِ ؛ وَعلى هَذَا يُمْكِنُنَا القَوْلُ إنَّ اسْتِشرَافِ ” الذَّاتِ ” هُوَ – في الوَقْتِ نفسِهِ – اسْتِشْرَافُ ” العَالَمِ ” ، وَمُحَاوَلَةُ إدْرَاكِ حَقيقَةِ الكَوْنِ ، على نَحْوِ مَا نفهَمُ قوْلَهُ مَثلاً :
” إنَّنِي
وَاقِفٌ في فَضَاءِ وَرِيْدِي
وَحِيْدِي
أُطَالِعُ فيَّ البَعِيْدَ
أُنادِي عليَّ .” (18)
في النَّصِّ حِسٌّ سِياسِيٌّ لاتُخْطِئُهُ العَيْنُ ، يبدو في صُورَةِ إشَارَاتٍ سَريعَةٍ ، شَديدَةِ الذَّكاءِ ؛ وَهِيَ إشَارَاتٌ تزدَادُ وُضُوحًا ، بصورَةٍ مُطَّردَةٍ ، وَقدْ آثرْتُ اقتِبَاسَ هَذِهِ الإشَارَاتِ منْ سِياقاتِهَا ؛ لندرك هذا الاطراد ؛ الذي أشير إليه :
” سَريرُكَ هَذَا ، الفَوْضَويُّ ، ذُو القَمِيصِ المُضَرَّجِ بدِمَاءِ الحَدَاثةِ وَصِرَاعِ الحَضَارَاتِ .” (19)
” مَرَّةً وَاحِدَةً رَأيتُهُ ، يتكلَّمُ مُحْتدًّا وَصَاخِبًا
وَمِنْ فَرْحَتِي ، كَتَبْتُ على الحَائِطِ بجانِبِهِ
تَاريخَ ذَلكَ اليَوْمِ :
الحَادِيَ عَشَرَ مِنْ سِبتَمْبِر .”(20)
” كُنَّا على هَذيْنِ المقْعَدَيْنِ مَعًا
أنَا وَشَريف
مُحَاصَريْنِ بإرْهَابِ مُحَاربَةِ الإرْهَابِ .”(21)
” قَرَّرتُ في هَذِهِ الليْلَةِ أنْ أُجَمِّعَ كُلَّ الأنَاسِيِّ الَّذينَ عِشْتُهُمْ مِنْ قبْل
في وَليمَةٍ عَامِرَةٍ ، فَوْقَ هَذِهِ الأنقاضِ
احْتِفَاءً بانْهيَارِ النِّظامِ العَالمِيِّ الجَدِيْد . “(22)
هَذِهِ الاقتباسَاتُ تدفعُنَا إلى مُحَاولَةِ اختبَارِ نوعيَّةِ الكِتابَةِ ، في ” حَيَوَات مَفْقُودَة ” ، وَسَوْفَ أسْتَجِيبُ لرغبَةِ الشَّاعرِ في رَفْضِهِ ” التَّجنيسَ ” النِّهائِيَّ لِلنَّصِّ ، وَ” أنْ نَعِيشَ النَّصَّ ، كَالحَيَاةِ ، أحْرَارًا أحْرَارا .” (23)
لكنَّ ذَلكَ لا يمنعُنَا منْ مُحَاولَةِ الوَصْفِ ، وَفي تَصَوُّري أنَّ النَّصَّ ينطوي على مَجْمُوعَةٍ مِنْ الأسَاليْبِ وَالآليَّاتِ المُتعَدِّدةِ المُتداخِلَةِ ؛ حَيْثُ يمزِجُ الشَّاعرُ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ أنْ نُسَمِّيَهُ بـ ” بنيَةِ الدَّفقةِ الشِّعريَّةِ ” المُكثَّفَةِ ؛ المُكتَمِلَةِ وَالمُغْلقَةِ على نفسِهَا ، إلى ” بنيَةِ الكتلةِ الشِّعريَّةِ السَّرديَّةِ ” ، وَرُبَّمَا كانَ هَذَا مِمَّا يُفَسِّرُ كثرَةَ التَّأطِيرَاتِ المُربَّعةِ وَالمُسْتطِيلةِ ، وَلنقرَأْ منْ النَّمَاذِجِ الدَّالةِ على بنيَةِ الشِّعريَّةِ الأولى قولَهُ :
” لِكُلِّ صَبْوَةٍ وَاشتِهَاءْ
طَلْقَةٌ في مَنَازلِ الأحْشَاءِ .” (24)
” أنْتِ عَاصِفَةٌ تُجَمِّرُنِي هُنَا
وَأنَا انْفِجَارُكِ تَحْتَ جِسْمِي
في المَدَى .” (25)
تَتَجَاورُ هَذِهِ البنيَةُ الشِّعريَّةُ ، مَعَ البنيَةِ الشِّعريَّةِ السَّرديَّةِ ؛ سَوَاء كَانتْ اعتياديَّةً أوْ عَجَائبيَّةً ، وَهذِهِ البنيَةُ الشِّعريَّةُ الأخِيْرَةُ تصْنَعُ تقابُلاً وَاضِحًا مَعَ مَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بـ ” إيقَاعِ التَّعويذَةِ ” ؛ القَائِمِ على تواتُرِ التَّقفِيَةِ :
” لا أسْتَطِيْعُ ، رُدَّنِي
إليَّ ، مِنْكَ
فيْكَ ، رُدَّنِي
، إليَّ ، سُلَّنِي
مِنْ الجَحِيْمِ ، ضَمَّنِي
وَضُمَّنِي
وَألْقِنِي عليَّ .”(26)
يَتَّبعُ الشَّاعرُ أسلوبًا آخَرَ ، يقومُ على تعمِيْقِ ” الإيهَامِ ” بازْدِوَاجيَّةِ الذَّاتِ وَانقِسَامِهَا ؛ حِيْنَ يتَّخِذُ مَوْقعَ “الرَّاوِي” الخَارجِيِّ المُرَاقِبِ للذَّاتِ الشَّاعرَةِ الحَقيقيَّةِ أوْ الوَهْمِيَّةِ ، وَالَّتِي نُطَالعُ نَصَّهَا الحَالِيَّ ؛ ” حَيَوَات مَفْقُودَة ” (27):
” خُلْسَةً تَوَلَّى ، وَلمْ يَعُدْ ؛ تاركًا على الطَّاولةِ أوْرَاقََهُ المُنْتَظِرَةََ ، أوْرَاقَهُ الَّتِي حِيْنَمَا اقترَبْتُ مِنْهَا قَرَأْتُ :
إنَّ جَدَلَ هَذِهِ الأبنيَةِ المُتَعدِّدةِ ، يَصْنَعُ شِعريَّةً مُتميِّزَةً ؛ تَخْرُجُ عَنْ أُحَاديَّةِ الصَّوتِ ، وَتُقدِّمُ تركِيبًا شِعريًّا لافِتًا ؛ يجمَعُ بيْنَ آليَّاتٍ شِعريَّةٍ وَسَرديَّةٍ وَبَصَريَّةٍ مُتنوِّعَةٍ ، في بنَاءٍ شِعريٍّ مُتنوِّعِ الأسَاليبِ وَالطَّرائقِ ، وَهُوَ مَا اسْتَطَاعَ شريف رزق تَحقيقَهُ في هَذَا النَّصِّ ، وَفي غَيْرِهِ من الأعْمَالِ الشِّعريَّةِ السَّابقَةِ ، وَلاشَكَّ عِنْدِي أنَّ هَذِهِ السِّمَةَ البَارِزَةَ : سِمَةَ التَّركيْبِ ، هِيَ مَا تُحقِّقُ لهُ تميُّزَهُ الوَاضِحَ بيْنَ أبنَاءِ جِيْلِهِ .
الهوامش
شريف رزق – حيواتٌ مفقودَةٌ – الطَّبعة الأولى – مركز الحضارة العربيَّة – القاهرة –2003 ، والطَّبعة الثَّانية – مكتبة الأسرة ، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب – 2010 .
السَّابق – ص : 13 .
السَّابق – ص : 14 .
السَّابق – ص : 15 .
السَّابق – ص : 11 .
السَّابق – ص : 14 .
السَّابق – ص : 20 .
السَّابق – ص : 34 .
السَّابق – ص : 16 .
السَّابق – ص : 53 .
السَّابق – ص : 18 .
السَّابق – ص : 39 .
السَّابق – ص : 44 .
السَّابق – ص : 45 .
السَّابق – ص : 42 .
السَّابق – ص : 18 .
السَّابق – ص : 23 .
السَّابق – ص : 24 .
السَّابق – ص : 18 .
السَّابق – ص : 51 .
السَّابق – ص : 55 .
السَّابق – ص : 57 .
السَّابق – ص : 54 .
السَّابق – ص : 16 .
السَّابق – ص : 17 .
السَّابق – ص : 22 .
السَّابق – ص : 25 .