وَفي قَصِيدَةِ : ” يَوْمَهَا كُنَّا هُنَا ” ، يَنْعَكِسُ تَشَظِّي المَكَانِ على تَشَظِّي الجَسَدِ ذَاتِهِ ، وَيأخُذُ الفِعْلُ الحياتيُّ طَابَعًا غَرَائبيًّا :
” أنْتَ لاْ تذكُرُ بالتَّأكِيْدِ
يَوْمَهَا ، جَلَسْنَا على هَذِهِ المَائِدَةِ
خَلَعْنَا أعْضَاءَنا عُضْوا فَعُضْوا
وَابْتََسَمْنَا
وَضَعْنَا الأصَابِعَ في هَذِهِ الأطْبَاقِ
أتَيْنَا بِوَرْدٍ
الشِّفاهُ كانَتْ فاكِهَةً
والعُيونُ مَصَابِيح المَسَاءِ
أنْتَ لاْ تذكُُرُ بالتَّأكِيدِ
يَوْمَهَا ، فَرَشْنَا مَائدةً مِنْ لَحْمِنَا
، وَانْتَبَهْنَا إلى جَلَبَةِ المَوْتَى الضُّيوفِ
، وَهُمْ يدخُلونَ علينا مِنْ كُلِّ بابٍ
، … سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ
سَلامْ
أَنْتَ لاْ تذكُرُني يَاشَرِيفُ ؟ …”(2)
وَتَكْمُنُ المُفَارَقَةُ بينَ ليلةِ القَدْرِ ؛ الَّتي تُوْصَفُ بأنَّهَا ” سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ ” ، وَهَذِهِ الليلَةِ الَّتي تَتَنَاثَرُ فيْهَا الأعْضَاءُ ، وَتَشْهَدُ زِيَارَاتِ المَوْتَى.
وَتبدو تِيْمَةُ انْفِصَالِ الذَّاتِ عَنْ الجَسَدِ – وَهِيَ صُورَةٌ أخْرَى مِنْ صورِ التَّشظِّي – تيمةً أسَاسِيَّةً ، في هَذَا الدِّيوَانِ ، كَأنَّ الشَّاعرَ يمتلِكُ أكْثَرَ مِنْ جَسَدٍ ، وأكْثَرَ مِنْ جُثَّةٍ :
” أُؤكِّدُ أنَّهَا الطَّلقَةُ التي اخْتَرَقَتْنِي في جُثَّتِي الأُولَى
أُؤكِّدُ أنَّهَا الطَّلقَةُ التي بَعْثَرَتْنِي
عَلى الظَّهيرةِ هَكَذَا ، هَكَذَا
وَلكنَّنِي لَمْ أكُنْ في جَسَدي الذي تَهَّدَمَ وَقْتَها
– كُنْتُ أَرْكُضُ في فَضَاءٍ كَامِنٍ –
أُؤكِّدُ أنَّهَا الطَّلقَةُ التي
لَمْ أكُنْ في جُثَّتِي
مَنْ
؟
دَعِيْنِي “(3)
إنَّ بَعْثَرَةَ الجُثَّةِ يُصَاحِبُهَا مَا نُلاحِظُهُ مِنْ بَعْثَرَةِ اللغَةِ أوْ تَقْطِيعِهَا وَبَتْرِهَا في السُّطورِ الأخيرَةِ :
” أُؤكِّدُ أنَّهَا الطَّلقَةُ التي
لَمْ أكُنْ في جُثَّتِي
مَنْ
؟
دَعِيْنِي “
وَكَمَا بَدَا انْفِصَالُ الذَّاتِ عَنْ الجَسَدِ ، يبدو كَذَلكَ انْفِصَالُهَا عَنْ الجُثَّة ؛ لِيؤكِّدَ على هَيْمَنَةِ التَّعدُّديَّةِ :
” كُنْتُ أقِفُ عَلى جُثَّتِي وَحْدِي ، وَأعْلَمُ أنَّهَا لَمْ تَعُدْ حُدُودِي ، وَأعْلَمُ أنَّنِي سَأسْتَغْرِقُ في جُمُودِي هَكَذَا ، مُسْتَجِيْزًا ،وَلَكنَّني لَنْ أسْتَمِعَ إلى شَهِيْقِي في مَدَاهَا ، وَلا إلى عَشْوَائيَّةِ التَّفاصِيْلِ ، مُؤكَّدٌ أنَّهَا لَمْ تَعُدْ تَحْتَوِيني ، وَأنَّهُمْ غَادَرُوهَا جَمِيْعًا ، سَأُغْمِضُ عَيْنَيَّ بِقُوَّةٍ ؛ لِكَيلا تَزولَ، عَلى زَوَالِي ، وَتَتَْركُنِي لافْتِرَاسِي، هَاهُنَا, مَرَّةً أُخْرَى ، وَحِيْدًا ، سَأُغْمِضُ عَيْنَيَّ بِقُوَّةٍ عَلى جِسْمِهَا وَأعْصُرُهُ ، سَأُغْمِضُ عَيْنَيَّ بِقُوَّةٍ عَلى المَشْهَدِ الأَخِيْرْ ..” (4)
يعكسُ الدِّيوَانُ- إذنْ – صُورَةً مِنْ صورِ” الجَحِيمِ الكَوْنيِّ “؛ الَّذي يُصْبِحُ فيْهِ الفِعْلُ الفنتازيُّ فِعْلاً اعتياديًّا ، لايُثيرُ دَهْشَةَ الذَّاتِ ، مِنْ بَعْثَرَتِهَا ، وَتَفْكِيكِ أعْضَائِهَا :
” هَكَذَا جَاءَتْ المَرْأةُ الأخْرَى
وَفَكَّتْ لِيْ ضُلوعِي
فَجَمَعْتُهَا في جِيوبِي
وَنَثَرْتُهَا في جَحِيمٍ
وَهَكَذَا جِئْتُ
لِلْفَرَاغِ الذي لايَنْتَهِي
أُوَزِّعُ رَائِحَتي عَلى الضَّوَاحِي “(5)
الهَوَامِش
شريف رزق – مجرَّة النِّهايَات – 1996 – ص: 5 .
السَّابق – ص : 31 .
السَّابق – ص : 52 .
السَّابق – ص : 45 .
السَّابق – ص : 48 .