“الأستاذ الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة
يؤسفني إبلاغك بأنني لا أرغب في العمل تحت رئاستكم بصفتي نائباً لكم، أو بأية صفة أخري تربطني بوزارة الثقافة، ولذلك فإنني أعلمكم اليوم، كما أعلن على الملأ، استقالتي من أمانة المجلس الأعلى للثقافة، ومن مجلس أمناء بيت الشعر، ومن رئاسة تحرير سلسلة الفلسفة، ومن رئاسة تحرير مجلة الفكر المعاصر التي عملت على بعثها قوية من جديد بشهادتكم، وإن كان لا يراد لها الاستمرار مثلما لا يراد استمرارية بقعة مضيئة في هذه الوزارة. ولن أخوض هنا في المآخذ التي يأخذها على تاريخك المهني كثير من المثقفين الشرفاء المتجردين من الأهواء والمصالح، فمواقف كل امرئ هو تاريخه المسؤول عنه أمام الله والوطن، ولا تستند استقالتي إلى شيء من ذلك، وإنما إلى أسباب موضوعية منها ما يلى:
أولاً، بعد توليكم الوزارة قمتم في اليوم التالي بحملة تفتيش مسرحية على المجلس الأعلى الذي تعرفونه وتزورنه باستمرار بحكم علاقتكم به، وذلك في ساعة مبكرة قبل الموعد المفترض أن ألتقيكم فيه بالوزارة عند الحادية العاشرة صباحاً، لكي نناقش عبر أكثر من اجتماع مع باقي قيادات الوزارة خطط التطوير الثقافي، ولكنني فوجئت بأنكم قد اتجهتم مباشرة إلى دورات المياه بالمجلس التي أغضبكم غضباً شديداً عدم نظافتها، وقد يكون معكم الحق في عدم نظافة هذه الدورات، لضعف أداء شركة النظافة التي سبق أن قررت إنهاء التعاقد معها، فضلاً عن حضوركم قبل أن تستكمل الشركة القيام بأعمال النظافة الصباحية، وعلى الرغم من أنني كنت أتابع شخصياً مهمات النظافة التي تدخل ضمن مهام مسئولين وموظفين آخرين بالمجلس، فقد أدهشني أن تكون أول مهام وزير الثقافة هي متابعة شؤون الصرف الصحي بالمجلس، إذ اعتبر أن دورات المياه هي “واجهة المجلس الأعلى للثقافة” على حد تعبيره في اجتماع القيادات.
ثانياً، على إثر هذه الحملة المسرحية قمتم بنقل مدير مكتبي دون علمي أو استشارتي أو حتى إخطاري، رغم أن شؤون الصرف الصحي هذه لا تقع ضمن مسئولياته الوظيفية، وقد تبين لنا فيما بعد أن قرار نقله كان معداً سلفاً إرضاءً لبعض أعوانكم بالمجلس.
ثالثًا، علمت بمحض الصدفة من العاملين بالمجلس أنكم قمتم بندب ثلاثة من الموظفين إلى المركز القومي للترجمة، بعد أن وافقت على عودتهم إلى المجلس محل عملهم الأصلي بناءً على مذكرة الدكتورة الفاضلة رشا إسماعيل “المديرة السابقة للمركز القومي التي تآمر عليها الجميع”، وقد أتى هؤلاء الموظفون إلى المجلس وقاموا بإجراءات ندبهم من شؤون العاملين بالمجلس، دون أن أعلم عن ذلك شيئًا، وهو ما يمثل إهانة مقصودة موجهة لي شخصياً باعتباري السلطة المختصة المخول لها بمقتضي التفويض الوزاري إصدار القرارات المتعلقة بالشؤون المالية والإدارية للمجلس.
رابعاً، تبين لي من خلال حديثكم معي أنكم عاقدون العزم على إسقاط لائحة منح جوائز الدولة التي ينعقد المجلس بخصوصها غداً، وهي اللائحة الأولي لمنح جوائز الدولة التي أنفقت أكثر من سنة لإنجازها بمعونة كبار الأساتذة بهدف إيجاد آلية موضوعية دقيقة لمنح الجوائز التي تليق باسم الدولة المصرية، بحيث لا يتم تصعيد أسماء للتصويت عليها في المجلس إلا من خلال الخبراء المتخصصين في المجال النوعي للجائزة، وقد تأكد لي عزمكم هذا من خلال طلبكم مني قبل توليكم الوزارة أن أعرض قائمة الأسماء كاملة، وليس مجرد الأسماء التي رشحتها اللجان العلمية المتخصصة، وذلك بعد أن علمتم لأن اسمكم ليس من بين هذه الأسماء، ولكن ما كنتم تطلبونه وترجونه منى، أصبح يتخذ الآن صبغة آمرة بعد أن توليتم الوزارة باعتباركم السلطة النهائية في هذا الشأن.
خامساً، إنني بت أعلم علم اليقين أنكم مثل سلفكم لا تريدون لأي إنجاز حقيقي أن يظهر باسم غيركم أو ينسب إليه، ولذلك فقد عانيت طويلاً لتمرير هذه اللائحة التي تحاولون إسقاطها، وقد ظهر ذلك جلياً أيضاً من خلال إعاقة تفعيل مشروع تعديل قرار إنشاء المجلس الذي عكفت عليه مع أساتذة كبار منذ أن توليت أمانة المجلس، وهو المشروع الذي سيتيح إعادة هيكلة المجلس كليًا، والوزارة جزئيًا، باعتبار أن المجلس بحسب الغرض من إنشائه، هو عقل الوزارة، ومن ثم فهو المنوط به رسم سياسة عامة تلتزم بها قطاعات الوزارة كافة.
ولقد ظل هذا المشروع في درج مكتب الوزير السابق أكثر من نصف سنة، بحجة أن الحالة الأمنية التي تمر بها البلاد لا تسمح بالنظر في مثل هذه الأمور، ولعل ما لديك من ضمير يستحثك على أن ترفع هذا المشروع إلى السيد رئيس الجمهورية، وهو المشروع الذي وافقه عليه المجلس الأعلى للثقافة، والذي أنت عضو فيه، بعد سلسلة من الجلسات والمناقشات التي تصارع فيها المحافظون مع المجددين، ووافق عليها المثقفون بعد أن أبدوا بعضًا من الملاحظات الطفيفة، فإن لم تفعل، وأظن أنك لن تفعل، فسوف أترك ذلك كله مع المثقفين، وخاصة مع المثقفين الشباب ليكونوا شهداء عليكم جميعًا، وسوف أترك لديهم أيضًا مشروع صندوق رعاية المثقفين الذي يتم تعويقه منذ عهد الوزير الإخوانى، وهو ما كان من حيثيات استقالتي المسببة التي قدمتها آنذاك.
ومن عجائب الأمور أنني قد قدمت استقالتي من قبل في عهد الإخوان، ولكنني أقدم استقالتي مجددًا بعد ثورة قامت على نظام الإخوان في الثلاثين من يونيو من العام السالف، وقد يبدو في ظاهر الأمر أننا إزاء وزارة جديدة، ولكن المتأمل الفطن لحقائق الأمور سوف يكتشف أننا إزاء نظام شكلي جديد يستخدم أدوات نظام الإخوان ذاته، إقصاء الآخرين المختلفين، وتمكين الأتباع والموالين والحفاظ على المصالح دون اعتداد بمصلحة الوطن، بل محاولة تشويه الشرفاء بكل السبل الممكنة. ما أشبه الليلة بالبارحة”.