حاوره – عزمى عبد الوهاب
ما بين الشعر والنقد يقيم الشاعر شريف رزق، وهو فى المجالين يمتلك مشروعا خاصا، لفت الأنظار إليه مبكرا من ديوانه الأول “عزلة الأنقاض” فكتبت إحدى الصحف السعودية آنذاك إن “أبرز ما يميز قصائد شريف رزق أنه يحاول أن يكون هو، ولا يريد أن يتشابه مع أحد” وترجمت قصائده إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية وتم تناولها فى أطروحات جامعية.
أنجز شريف رزق فى إطار هذا المشروع ستة دواوين منها “لا تطفئ العتمة – مجرة النهايات – الجثة الأولى – حيوات مفقودة” وفى الدراسات النقدية أصدر عدة كتب منها “قصيدة النثر فى المشهد العربى – آفاق الشعرية العربية الجديدة” وهو معنا فى هذا الحوار.
> من “عزلة الأنقاض” ديوانك الأول الصادر فى العام 1994 إلى ديوانك الأحدث “حيوات مفقودة” يبدو أنك كنت مشغولا بالتجريب على مستوى البناء.. ما الذى اختلف على مستوى الوعى الشعرى طوال هذه الرحلة؟
بالفعل أنا مشغولٌ طوال مسيرتى الشِّعريَّة بالتَّجريب؛ سواء بالتَّجريب اللغويِّ فى تأسيس بنية خطابٍ شعريٍّ خاصَّةٍ؛ يتمُّ فيها اكتشافُ رؤى جماليَّة جديدة واكتشافُ أصوات اللاوعى واللانهايات، أم بالتَّجريب فى البناء الشِّعريِّ، وكلُّ عملٍ شعريٍّ لديَّ له رؤية جماليَّة خاصَّة، يستقلُّ بها عن غيره؛ على سبيل المثالِ: شدَّدَ البناءُ الشِّعريُّ فى (عُزلة الأنقاض) على جماليَّات التَّشظيِّ والتَّفكيك وجماليَّات البناء بالهدم، وهيَ الجماليَّات الَّتى رأى فيها مَنْ دَرَسُوا الدِّيوان انعكاسًا جماليًّا للانهيارات الأيديولوجيَّة والقوميَّة والفكريَّة منذُ أواخر الثَّمانينيَّات، وتأكَّد بقوَّةٍ فى بدايات التِّسعينيَّات، وجاء ديوان (لا تُطفِئ العَتْمَة) قصيدًا شعريًّا واحدًا؛ بأداءَاتٍ شعريَّةٍ متعدِّدةٍ، عكستْهَا أبناطُ الطِّباعةِ وتوزيع الكتابة فى فَضَاءِ الصَّفحةِ، فى تشكيلٍ بَصَريٍّ متنوٍّعٍ، وجاء ديوان (مَجَرَّة النِّهايَات) قصيدًا تتنامَى وَحَدَاتُهُ الشِّعرُ سَرديَّةُ، فى بناءٍ ملحميٍّ، وفى شكلِ مُتواليةٍ شعريَّةٍ؛ جمعتْ فى أدائِهَا بين التَّشكيلِ المَجَازيِّ والسَّرد الشِّعريِّ المُتنوِّعِ، ثمَّ أصْدرتُ ديوان (الجُثَّة الأولى)؛ وهو قصيدٌ تفعيليٌّ؛ يتشكَّلُ منْ عدَّةِ نصوصٍ مُتناميةٍ، ويتأسَّسُ على جماليَّاتِ التَّشكيلاتِ اللغويَّةِ والإيقاعيَّةِ؛ للتَّعبيرِ عنْ حرائقِ الذَّاتِ الإنسانيَّةِ فى الجحيمِ الأرضِيِّ، وَهَذا القصيدُ هو الأسبقُ فى أعْمَالِى الشِّعريَّةِ تاريخيًّا؛ إذا استثنينا القصائدَ الَّتى نشرتُهَا فى أواخرِ الثَّمانينيَّاتِ، ولمْ أنشرْها حتَّى الآنَ؛ لأنَّنى لمْ أنشُرْ إلاَّ مَا تضمَّنَ تجربةً واحدةً مُتكاملةً، فى بناءٍ واحدٍ، مُتعدِّدِ الطَّوابقِ وَالوَحَداتِ، وقد تعرَّضَ الدِّيوانُ لقراءاتٍ ضالةٍ، وَوِشَاياتٍ، قامتْ بها جماعةٌ منْ المسئولينَ عنْ (الثَّقافة) فى صُحفٍ (إسلاميَّة)، وَاستكتبوا بعضَ نقَّادِهم – منهم د. جابر قُميحة – وتمَّ إيقافُ توزيع الدِّيوان، فى صمتٍ، عقب مُصادرَةِ الرِّوايات الشَّهيرَةِ، ثمْ أفرجتْ عنه الهيئةُ العامَّة لقصور الثَّقافة، بعدَ حَجْبٍ دامَ عامًا، ويأتى نصُّ : (حَيَوَات مَفقُودَة)، وهو نصٌّ يندرجُ ضِمْنَ نوعِ : النَّصِّ الشِّعريِّ الجامع؛ حيثُ يتضمَّنُ مجموعةَ أساليب شعريَّة وسرديَّة وتشكيلاتٍ بَصَريَّةٍ على مَدَار التَّجربة؛ فلكلِّ صفحةٍ شكلُها البَصَريُّ، المجسِّد لتشكيلها اللغويّ والدَّلاليّ .
> وما دور الوعى فى ذلك؟
حينَ أتأمَّلُ هذه الأعمال، معًا، هكذا، أصِلُ إلى أنَّنى لا أكتبُ قصائِدَ، بَلْ أعمالا شعريَّةً، تجاربَ لا قصائدَ، وأدائى الشِّعريُّ فى هذه الأعمالِ يستفيدُ منْ شتَّى آليَّات الأنواع الأدبيَّة والفنيَّة؛ للتَّعبير عن التَّجربة، كَمَا أعيشُهَا تمامًا، وَلَدَى شُعَرَاءِ التَّجاربِ تجدُ – دائمًا – مُشترَكًا رُوحيًّا، وَمُشترَكًا فى الرُّؤى، لا تجدُ هذا فى شعرِ أدونيس أو عفيفى مطر أو وديع سعادة، على سبيلِ المِثالِ، فقطْ، بلْ فى المُنجَزِ الإبداعيِّ للمتصوِّفةِ، وفى مٌنجَزِ شعراء كريستوس، ووالت وايتمان، وكفافيس، وغيرهم . غيرَ أنَّ الوعيَ لابدَّ أنَّ يتغيَّرُ منْ تجربَةٍ إلى تجربَةٍ، على الرَّغمِ منْ هيمنَةِ الوعى العام، وتغيُّراتُ الوعى التى ترجعُ إلى عوامل ثقافيَّة وحضاريَّة وذاتيَّة، وأُلاحِظُ أنَّ الوعى لديَّ تحوَّل من الهيمنَةِ المُطلقََةِ للرُّؤى الكُليَّة، والصُّوفيَّة، والميتافيزيقيَّة، إلى رؤى تحوُّلاتِ الذَّاتِ فى محيطِها المَعِيش، والانتقال من البنيةِ الغنائيَّة إلى البنيةِ السَّرديَّة، ومن اللغويِّ إلى السِّيَريِّ .
> يرى البعض أن ديوانك “حيوات مفقودة” يمثل “ردة إلى الشكل الأقدم فى البلاغة الشعرية” لديك.. كيف ترى ذلك؟
منْ السَّذاجةِ اختزالُ مستوياتِ بناء نصِّ (حَيَوَات مَفقودَة) إلى بُعدِهِ البلاغيِّ – ومرَّةً حدَّثنى صديقٌ أكاديميٌّ شهيرٌ بأنَّه لا يقرأ سِوَى الكلام، متجاهِلا الأبعادَ البَصَريَّة والأصْوَاتَ المتعدِّدة – إنَّ هذا النصَّ ينتمى إلى شكلِ النَّصِّ الشِّعريِّ الجامعِ، وهو يجمعُ فى بنيتِهِ الشِّعريَّة أشكالا شعريَّة وسرديَّة وبصريَّة عديدةً، ويجمعُ آليَّاتٍ شتَّى من ضِمْنِهَا، بالتَّأكيد، اعتماد بنية المجاز البلاغيِّ – الجُزئيِّ والكُليِّ – فى بعضِ المواضِعِ -، حَسْبَمَا تقتضِى التَّجربةُ المتحوِّلةُ باسْتمرار، وهو ينفتحُ، على نحو أكبر، على آليَّات السَّرد الشِّعريِّ، والسَّرد البَصَريِّ، والتَّشكيل البَصَريّ لفَضَاءِ الصَّفحَةِ؛ حيثُ لكلِّ صفحَةٍ تشكيلُهَا الخاصُّ، وَالنَّصُّ – بشكلٍ عامٍ – يتجاوزُ حدودَ القصيدةِ إلى بنيةِ النَّصِّ الشِّعريِّ الجامعِ، وهو أحدُ تجلياتِ مَا بعدَ قصيدةِ النَّثرِ، والنَّصُّ الشِّعريُّ الجامعُ لا يزالُ نوعًا نادرًا، فى الشِّعريَّةِ العربيَّةِ الجديدةِ، منه : (حَيَوَات مَفْقودَة) : 2010، 2003،(مُهْمَلٌ تستدلُّونَ عليْه بظلٍّ)، لعلاء عبد الهادى :2007 و:(حَجَرٌ يطفو على المَاء)، لرفعت سلاَّم : 2008، وأحبُّ أنْ أوضِّحُ أنَّ عداءَ أكثرِ شعراءِ جيلى، وجيلِ التّسعينيَّات للعملِ اللغويِّ والمَجَازِ الاستعاريِّ، على الإطلاقِ، وَمُعادَة المنظورِ الكُليِّ؛ لصَالحِ المنظورِ الجُزئيِّ والتَّفاصِيليِّ، والاستسلام، فى المقابلِ، للمَجَازِ البَصَريِّ، والمَشْهَديِّ، وآليَّات السَّرد، قد وَصَلَ بالبعضِ إلى طرقٍ مسدودةٍ؛ فَرَاجَعَ البعضُ مواقفَهُمْ الشِّعريَّة؛ خُذْ مثلا عودة على منصور إلى الرُّؤى الكُليَّة، والمَجَاز البَلاغيّ، فى أعمالِهِ الأخيرَةِ فى القصيدِ النَّثريِّ، ولاحِظْ صَمْتَ الكثيرينَ، منذُ أعوامٍ، ولاحِظْ كذلكَ تحوُّل كثيرينَ إلى الرِّوايةِ وَالقِصَّةِ ..
> تتصدر كتابك “قصيدة النثر” عبارة لـ”أندريه بريتون” تقول:” ما من شيء أصعب هذه الأيام من أن تكون شاعر قصيدة نثر” رحل بريتون فى العام 1966 .. هل لا تزال معطيات هذه الجملة قائمة إلى الآن؟ ما مكمن الصعوبة فى أن تكون شاعر قصيدة نثر؟
بالطَّبع، عبارة أندريه بريتون؛ الَّتى صدَّرتُ بها كتابى : (قصيدة النَّثر)، شديدةُ الدَّلالة؛ فعلى الرَّغم منْ هيمنةِ كتابةِ القصيدِ النَّثريِّ على المشهدِ النَّثريِّ حاليًا، إلا أنَّكَ لا تستطيعُ أنْ تطمئنَ إلى أنْ بعضَ المُنْجَزِ شِعرٌ فى الأسَاسِ، أوْ شعرٌ تتحقَّقُ فيه درجاتُ الشِّعريَّةِ حقًّا، ولا تستطيعُ أنْ تحدِّدَ لى مجموعةَ أسْمَاء مبدعة، باطمئنانٍ، وليسَ معنى هذا أنَّ القصيدَ النَّثريَّ الرَّاهنَ لا توجَدُ به أصْوَاتٌ مُبدعَةٌ، على الإطلاق، فأنَا أتابعُ باهتمامٍ جديدَ أصْدقائِى المبدعينَ الكبار : صلاح فائق، ووديع سعادة، وأحببتُ كثيرًا تجربةَ الرَّاحل العزيز بَسَّام حَجَّار، والصُّعوبة الَّتى يُشِيرُ إليها بريتون هِيَ : كيفَ تكونُ شاعرًا بمعزلٍ عنْ شَتَّى المُحدِّداتِ الشِّعريَّة المُتداولة؟ كيفَ تُرْسِى تقاليدَ تجربتكَ الخاصَّة ؟، كيفَ تُقدِّمُ مفهومًا جديدًا للشِّعر؟ كيفَ تكونُ حقيقيًّا ومختلفًا بامتيازٍ؛ مُتحرِّرًا منْ آليَّات النَّموذجِ الَّذى يَمْسِخُ التَّجاربَ ويُشيِّئُهَا .. هذَا هو أعظمُ رِهاناتِ القصيدِ النَّثريِّ .
> وصفت بعض النقاد مثل جابر عصفور وصلاح فضل وتليمة وعبد الملك مرتاض والغذامى بأنهم “باحثون وعارضو نظريات، على نحو أدق عارضو أزياء نقدية” .. هل يمكن أن توضح ذلك بتفصيل أكبر؟
هذه الأسماءُ – على أهميَّتها الإعلاميَّة – لا تنتمِى للمشهدِ الإبداعيِّ الرَّاهن؛ بلْ لقدْ ارتدَّتْ إلى ما قبلَ ما كانتْ عليه، لقدْ سبقَ لى بالفعلِ أنْ نفيتُ عنهم صفةَ النَّقد الحقيقيَّة، واعتبرتُهم، بتحديدٍ أكثر : عارضِى أزياء نقديَّة، وأُزيدُ على هذا، أنَّ ما يقومُ بِهِ صلاح فضل وعبد الملك مرتاض، فى مسابقاتِ : أمير الشُّعراء، الخليجيَّة، إجرامٌ فى حقِّ الشِّعر، وتكريسٌ للتَّخلفِ، ودعارَةٌ شعريَّة، أمَّا جابر عصفور، فلا تتجاوزُ ذائقتُهُ أمل دنقل، وحديثُهُ عنْ قصيدةِ النَّثر، من بابِ الوَجَاهَة العِلميَّة لا أكثرَ، والرَّجلُ يَحْلُمُ أنْ يكونَ طه حسين عصره .. والثَّلاثة مجرَّد أساتذة أدبٍ، وعلاقتُهُم بالنَّظريَّات الحَداثيَّة لا تعدو أنْ تكونَ عَرْضَ أزياءٍ نقديَّةٍ، كمَا سبقَ أنْ ذكرتُ، أنَا لا أتقبَّلُ هذه الأسماءَ باعْتبارهَا نُقَّادًا، وأُضِيفُ إلى هذه الحَلْقَةِ : عبد الله الغذَّامى، ومحمد برادة، هِيَ شخصياتٌ وهميَّةٌ فى رأيى، وأُلحِقُ بهم نقَّادَ المؤسَّسة، وفى طليعتِهم : محمد بدوى، وأحمد مجاهد.
> لديك مشروع نقدى كبير يتتبع قصيدة النثر منذ بزوغها إلى اللحظة الراهنة ما الذى توصلت إليه بشأنها؟
تعدُّ دراساتى للقصيدِ النَّثرى العربيِّ مشروعى الأساسيُّ، المُوازى لإنجازِى الشِّعريِّ، وقدْ عكفتُ عليه – ولا أزالُ – أكثرَ منْ عشرينَ عامًا مُتَّصلةً، درسْتُ فى كتابى الأوَّل : (شِعر النَّثر العربى، فى القرن العشرين)، مشروعَ إنجازِ الشِّعر بالنَّثر، منذُ بداياتِهِ التَّأسيسيَّة، حَتَّى ترسيخِ الشَّكل، فى مشهدِ الشِّعر العربيِّ، ويظلُّ هذا الكتابُ، المرجع الأساسيّ لدراسة شعر النَّثر العربيِّ منذُ بداياتِهِ الأولى، ثمَّ أتبعتُهُ بكتاب : (قصيدة النَّثر، فى مشهدِ الشِّعر العربي)، درستُ فيه قصيدةَ النَّثر منذُ الخمسينيَّات حتَّى مطالع الألفيَّة الجديدة، مقسِّمًا الكتاب إلى ثلاثةِ فصولٍ : إشكاليَّات النَّوع الشِّعريِّ فى قصيدة النثر، شعريَّة قصيدة النَّثر، مشكلات قصيدة النَّثر، وتناولتُ شعريَّتَها فى الحَدَاثةِ وَمَا بعدَ الحَدَاثةِ، وأتبعتُ هذا الكتابَ بكتابِى : (آفاق الشِّعريَّة العربيَّة الجديدة فى قصيدة النَّثر)، تناولتُ فيه قصيدةَ النَّثر الرَّاهنة، عبْرَ محورينِ أساسيَّينِ : مرجعيَّات الأداء الشِّعريِّ، وتداخُلات الأنواع الأدبيَّة والفنيَّة فى قصيدة النَّثر العربيَّة، ثمَّ أنجزتُ كتابى : (قصيدة النَّثر المصريَّة : شعريَّات المشهد الشِّعريِّ الجديد)؛ مُشدِّدًا فى هذا الكتاب، على تمصيرِ الخِطابِ الشِّعريِّ، بعدَ مرحلةِ تعريبِ الشَّكل، فى المراحلِ السَّابقة، وتواشُجِ الشِّعريَّاتِ العربيَّة، فى القصيدِ النَّثريِّ العربيِّ، بمثيلاتِها الغربيَّة، ثمَّ أنجزتُ كتابِى : (الأشكال النَّثرشعريَّة فى الأدب العربي)، دارسًا فيه مجموعَ الأشكالِ النَّثرِ شعريَّة فى الأدب العربيِّ، منذُ العصرِ الجاهليِّ، حتَّى الرُّبع الأوَّل من القرنِ العِشرينَ، وَتُعَدُّ هذه الكتبُ المَصْدَر الرَّئيس، لدراسةِ قصيدةِ النَّثر، فى أطروحاتٍ عديدةٍ فى مصرَ والمغربِ والجزائر.
> لك تجربة فى ممارسة العمل الثقافى العام من خلال اختيارك لعضوية لجنة الشعر ماذا عن حصاد هذه التجربة؟
قبلتُ عضويَّةَ لجنة الشِّعر بالمجلس الأعلى للثَّقافة، حينَ علمتُ بانسحابِ مجموعةِ حجازى : فاروق شوشة، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وحسن طِلب، وحماسة عبد اللطيف، وسيد حِجاب، ومحمد سليمان، ومحمد عبد المطَّلب، وعلمتُ بوجودِ زملاءٍ ينتمونَ إلى التَّجربةِ الجديدةِ، وعلى اتِّصالٍ حقيقيٍّ بالمشهدِ الشِّعريِّ، ومنهم : أحمد طه، وعبد العزيز موافى، وعاطف عبد العزيز، وماجد يوسف، وجمال القصَّاص، وماجد يوسف، فى البدايةِ لمْ أشعرْ بالغربة، أقمنا مهرجانًا شعريًّا كبيرًا؛ يُمثِّلُ حاضرَ الشِّعرِ المِصْريِّ بتياراتِهِ المتجاورةِ، دَرَسْنَا مُختلفَ الأشكالِ الشِّعريَّة؛ بما فيها: قصيدة النَّثر، والشِّعر البدويّ، بجانب : شعر التَّفعيلة، وشعر العاميَّة، والقصيدة الكلاسيكيَّة، ونجحَ المؤتمرُ على الرَّغم منْ تضييقِ المسئولينَ بالمجلسِ – تحديدًا : د. طارق النُّعمان – كانتْ أمانة المؤتمر مُشكَّلةً منْ: أحمد طه، وعبد العزيز موافى، وأنا، ورئاسة د. عبد المنعم تلِّيمة، وأشركْنَا معظمَ الأجيالِ، وبدأ نشاطُ اللجنةِ يُقيمُ الثِّقةَ معَ المشهدَ الشِّعريِّ المصريِّ، وسرعانَ ما تمَّتْ الإطاحةُ بمجموعةِ الحداثيِّينَ، وممثِّلى قصيدة النَّثر، وأُعيدَتْ اللجنةُ المنسحبةُ؛ تحتَ رئاسة د. محمد عبد المطلب؛ لتنفصِلَ اللجنةُ، منْ جديدٍ، تمامًا، عنْ حركةِ المشهدِ الشِّعريِّ الحقيقيَّةِ، فيما يُعَدُّ انتكاسَةً كبيرَةً، لصالحِ مجموعةٍ كلُّ هدفِهَا السَّيطرَةُ على السَّفر إلى الخارجِ، وتوزيع الجوائزِ، على أعضائِهَا . كنتُ، كذلكَ، عضوًا فى لجنةِ تحكيمِ جائزة الدَّولة فى الشِّعر.
كشفتْ لى تجربةُ عضويَّةِ لجنةِ الشِّعر بالمجلسِ الأعلى للثَّقافةِ، بشاعَةَ إدارة المشهدِ الثَّقافيِّ المصْريِّ، عنْ قُربٍ، بعصاباتٍ متآزرةٍ، ومُحْتَكِرَةٍ مُقدَّراتِ الوزارةِ لصالحِهَا، وصالحِ شِللِهَا؛ مِنْ معدومِى الصَّلاحِية وَالمَوَاهِب، كَمَا كشفتْ لى، كذلكَ، حجمَ الفَسَادِ، الَّذى يضربُ مراكزَ وزارةِ الثَّقافةِ، وانفصالِهَا الشَّديدِ عنْ الحِرَاكِ الشِّعريِّ.
> أيضا شاركت فى تأسيس ملتقى قصيدة النثر وانتهى بتبادل الاتهامات بين المؤسسين، لماذا يفشل العمل الجماعى لأبناء جيلك إذا ما قورن بتجربة جيل السبعينيات فى مصر؟
شاركتُ فى تأسيسِ ملتقى قصيدةِ النَّثر، ورأستُ اللجنةَ العلميَّة به، كانتْ تجربةً مُهمَّةً، ذاتَ تأثيرٍ عميقٍ، كبديلٍ عنْ مؤسَّساتِ الوزارةِ المُتخلِّفَةِ، وكانْ المُلتقى أكبرَ خُطوةٍ لجيلى، بعدَ خطوةِ المَجَلاَّتِ المُوازيةِ لمَجَلاَّت الوزارةِ فى مطلع التِّسعينيَّات، وأبرز هذه المَجَلاَّت : الكتابة الأخرى، ثم الجَرَاد، توقَّفَ المُؤتمرُ بعدَ دورتِهِ الثَّانيةِ، بسببِ قيامِ ثورةِ 25يناير2011، فى موعدِهِ المحدَّدِ، ثمَّ تأجَّلَ من جديدٍ، ليتورَاى بالتَّدريجِ، شَهِدَ المُؤتمرُ فى دورتِهِ الثَّانيةِ صِراعًا داخليًّا، كانَ لدى البعضِ طموحَات لاسْتثمارِ وجودِهم فى اللجنَةِ التَّحضيريَّة للمُؤتمرِ، لأغراضٍ خاصَّةٍ، تبودِلتْ الاتِّهامَاتُ، والادِّعاءاتُ، والتَّجريح، وَبَقِىَ المُؤتمرُ ذكرى جميلة، وعادَ كلٌّ إلى مشروعِهِ الخَاصِّ ، أمَّا فكرةُ المُؤتمرِ النَّوعيَّة، فانطلقتْ، فى دولٍ أخرى؛ لإعادةِ إنتاج التَّجربةِ، والصِّراع.
* كيف تضع قصيدة النثر المصرية بإزاء قصيدة النثر العربية؟
– قصيدة النثر المصرية في مقدمة قصيدة النثر العربية، وهذا لا ينفي وجود قامات شعرية كبرى خارجها، بل خارج المشهد العربي؛ ففي المنافي الشعراء الأبرز: صلاح فائق، وديع سعادة، سليم بركات، زاهر الغافري، نصيف الناصري، أمجد ناصر، وقد تأسست ملامح القصيد النثري المصري منذ بدايات التسعينات، بجهود كثيرين من أبرزهم: أسامة الدناصوري، عماد أبو صالح، أحمد يماني، علاء خالد، محمد متولي، إيمان مرسال، على منصور، ميلاد زكريا، عاطف عبد العزيز، محمد صالح، كريم عبد السلام، عزمي عبد الوهاب .
* قلت إن “قصيدة التفعيلة ترملت بعد رحيل محمود درويش وعفيفي مطر، هوى طائرها بعد أن سقط جناحاه، ألا توجد تجارب تستحق الاحتفاء بها في إطار هذه القصيدة؟
– قصيدة التفعيلة الراهنة في مأزق حقيقي؛ وأبرز شعرائها الحاليين كمحمد علي شمس الدين، وشوقي بزيع، قدموا أبرز تجاربهم في الماضي، وفي مصر أيضا لا تجد أي فاعلية أو قيمة لشعر أحمد عبد المعطي حجازي وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبو سنة وحسن طلب ومحمد سليمان، إنها تجارب خارج العصر تماما، القصيدة الكلاسيكية حالها أشد بؤساً، فقد أصبحت شكلا أثرياً، بدليل أن أهم منجزاته الأقدم، ومعظم ما هو موجود لا يتعدى كونه تمارين عروضية .
* دائماً ما يقال إن هناك أزمة شعر وأزمة نقد ما ملامح هذه الأزمة في نظرك؟
– دائماً يقال: أزمة شعر وأزمة نقد، ودعني أسألك: أي شيء في مصر ليس فيه أزمة؟ أزمة في الأمن، في الاقتصاد، في الطاقة، في التعليم، في الصحة، أزمة بطالة، أزمة قيم، وعلى الرغم من هذا لا يزال الإبداع موجوداً، لكنه خارج المؤسسات الرسمية؛ كالهيئة العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة، كذلك يوجد وعي ثقافي يقاوم الفساد والرجعية، ويقف في مجابهة تخريب المؤسسات الثقافية .
ــــــــــــــــــــــــــ
نشر في “الأهرام العربي” و”الخليج”