يوم بعد يوم،بدأت أدرك عمق موهبة خير وطرقعته.
فهو يكتب الشعر والقصة والرواية والمقال والأغنية والنقد، أي نصف دستة كاملة من فنون الكتابة التي يضيع عمر المرء وهو يحاول أن يفك الخط في واحدة منها، بينما يفعل محمد خير كل ذلك، ببساطة كده،والأهم أنه بمستوى جودة يستحق علامة “الأيزو” والتصدير للخارج، ودون أن يشعرك بأنه يفعل معجزة.. رغم أنه كذلك فعلا.
هكذا تحول اسم محمد خير بالنسبة لي إلى علامة جودة حقيقية،تعني انني لن استمتع بقراءة متدفقة وعميقة ممتعة فحسب،بل لابد هناك من شيئ مختلف. قراءة مغايرة لحدث تاريخي. تفسير أكثر فلسفة لحقيقة علمية راسخة. رؤية ناضجة لما يحدث حولنا وفينا من “هري” منذ سنوات والأهم أن هناك في كل مايكتب “نصف دستة من فنون الكتابة خليك فاكر” حس إنساني حقيقي صادق وغير مفتعل أو مبتذل. حس إنساني تستشعر أنه قادم من تجربة شخص عاش ألف عام ولايزال شابا.
أحب عفاريت الراديو كثيرا. وأراها علامة مميزة في قصة هذا الجيل. فزت بتوقيع له على “سماءأقرب” ولعن الله الكسل وبلاء العمل اليومي الذي جعلني أضعها على رف المكتبة للتذكير دون فائدة. “بس هتتقرى”. سكن بداخلي “هداياالوحدة” ذلك الديوان المكتوب بروح قاص فصنع منه عوالم صاخبة تضج بالحياة. استمتع بـ”بتسألني” وهي تغنيها فيروز كراوية من أشعاره.كنت انتظر بشوق حقيقي مقاله الأسبوعي في التحرير، وأعرف جيدا كيف أن الجريدة خسرت مايكتبه بعدما توقف لأسباب تتعلق بفقر الإدارة قبل فقر الفلوس.
على المستوى الشخصي- وهذا اعتراف خطير-،محمد خير ربمايكون الوحيد في جيلنا الذي أحب أن أقرأ له بغرض التعلم والاستمتاع.وأفعل ذلك متجردا من أي نفنسة أو أحقاد بشرية طبيعية عادة ما تتجلي في الذين أصابتهم الكتابة في أرواحهم. ربما لأن خير يفعل مايفعله ويتميز بمايتميزه دون أن يصاب بمس من غرور أو تضخم في الأنا وقاه الله وإيانا وهذا الجيل من آثارهما المروعة التي تنسف الموهبة والطرقعة ولاتبقى ولاتذر.
هذا رجل محب للناس وللكتابة، فسكن في قلوب الناس، واسكن فيه الله سر الكتابة.