سنان أنطون في ضيافة القاهرة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إيهاب الملاح

"أحب القاهرة وناسها، وأعشق التجوال في شوارعها والجلوس على مقاهيها.. زرتها في 2002 وأتطلع دائما لزيارتها ولقيا أصدقائي من الكتاب والمثقفين هنا في مصر المحروسة".. هكذا بمودة وحميمية ومحبة عميقة للبلد وأهله، بادرني الروائي العراقي الشهير سنان أنطون، خلال زيارته القصيرة إلى القاهرة، حيث استضافته الجامعة الأمريكية، الأسبوع الماضي، لإلقاء محاضرات على طلابها في مقرها بالتجمع الخامس، والمشاركة في افتتاح معرض فني بعنوان (من هنا يبدأ شارع المتنبي).

صاحب روايتي «يا مريم» و«وحدها شجرة الرمان»، اللتين حفرت اسمه ضمن أهم كتاب الرواية العربية المعاصرة، وأحد طيور الكتابة العربية المهاجرة، روائي وشاعر ومترجم وأكاديمي عراقي مغترب، وصلت روايته «يا مريم» إلى القائمة القصيرة للبوكر 2013، وحققت نجاحا غير مسبوق، وطبع منها أكثر من 4 طبعات. 

سنان “روائي من عيار ثقيل”، كما وصفه أحد المفتونين بأعماله الروائية، عبارة بسيطة لكنها على بساطتها وعفويتها تجسد وضعية وقيمة روائي وكاتب “كبير” بكل المقاييس. “سنان” يكتب الشعر ويترجمه، ويخرج الأفلام الوثائقية، ويُدرِّس الأدب العربي بجامعة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، أصدر قبل «يا مريم»، روايتين؛ الأولى «إعجام» التي أرهصت بميلاد روائي كبير وقوبلت بحفاوة حقيقية، أما روايته الثانية «وحدها شجرة الرمان» فدشنت اسمه كأحد كبار الروائيين في العالم العربي، بموضوعها ولغتها وإنسانيتها الجارفة.

كما حازت ترجمته لكتاب محمود درويش «في حضرة الغياب» إلى الإنجليزية على جائزة أفضل ترجمة أدبية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا العام 2012، وقبل مغادرته القاهرة بساعات تلقى نبأ وصول الترجمة الإنجليزية لروايته ذائعة الصيت «وحدها شجرة الرمان» إلى القائمة الطويلة لجائزة الإندبندنت للأدب الأجنبي في بريطانيا، كإحدى الروايات المرشحة للفوز بأفضل رواية مترجمة إلى الإنجليزية للعام 2014.

أسبوع كامل قضاه سنان في القاهرة “من غير حس ولا خبر ولا إعلان”، قضى أكثر من نصفه مشغولا في إلقاء ثلاث محاضرات على طلاب الجامعة الأمريكية عن “الترجمة الأدبية”، وعن مشروع (من هنا يبدأ شارع المتنبي) لتخليد ذكرى تفجيره السابعة التي تواكبت مع زيارته للمحروسة.

التقيتُ سنان على مقهى ريش مساء الخميس الماضي، كان مستغرقا في قراءة رواية «منافي الرب» لأشرف الخمايسي، إحدى الروايات التي كانت ضمن اللائحة الطويلة للبوكر 2014. كان في جعبته العديد من الأعمال والروايات الأخرى لكتاب مصريين، سمع عنهم ولم يقرأ لهم، ولكنه كان حريصا على اقتناء أكبر عدد ممكن من هذه الأعمال قبل المغادرة.

سنان، ورغم ضيق الوقت المتاح، تبدت سعادته الكبيرة بوجوده في القاهرة وتجسدت في اشتياقه إلى التجول في شوارعها، مستعيدا أياما قضاها قبل 12 عاما، خلال زيارة سابقة في العام 2002، يحتفظ سنان بذكريات جميلة عن أيامه تلك التي قضاها في “زمن جميل مضى” وعلاقات إنسانية موصولة وصداقات ممتدة، مع العديد من الكتاب والمثقفين المصريين، ذكر لي منهم على سبيل المثال سوسن بشير، وحكى لي عن صداقته بطارق النعمان، أستاذ الأدب والنقد بجامعة القاهرة، ورئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة حاليا، أخبرني أن طارق قد استقبله هو وزوجته في منزلهما بالسادس من أكتوبر، وحدثني عن الحفاوة التي لقيها في بيتهما (تأثر بشدة وحزن جارف عندما علم برحيل زوجة طارق النعمان).

كان شغوفا ومتشوقا إلى زيارة مكتبة تنمية، التي نصحه كثير من الأصدقاء بزيارتها عند مجيئه للقاهرة، صحبته خلال الزيارة وتوطدت أواصر صداقة حميمة بينه وبين “خالد” صاحب المكتبة، اقتنى منها عددا وافرا من الكتب والأعمال الروائية والقصصية لكتاب مصريين، أغلبهم من الشباب.

في لقاء امتد لست ساعات متواصلة، قبل مغادرته مباشرة، تجولنا أنا وسنان في شوارع وسط البلد، من هدى شعراوي إلى صبري أبو علم، ومن طلعت حرب وقصر النيل إلى البستان ومحمود بسيوني، زرنا دار التنوير والتقى هناك بمحمد ربيع وبسمة عبد العزيز، وانهمك الجميع في حوار حر حول الأوضاع السياسية في مصر والعراق والعالم العربي، عن ربيع الثورات العربية (أصبحت كلمة ربيع مثار دهشة واستغراب.. سخرية ربما!)

عن البوكر واللغط الدائر حول عناوين القائمة القصيرة، ومن قبلها القائمة الطويلة، قال لي سنان إن عناوين اللائحة الطويلة والقصيرة دائما ما تعبر عن خيار “لجنة تحكيم” لها ذائقتها وهي مسئولة عن خياراتها، معربا عن اندهاشه واستغرابه الشديدين ممن يبدون أحكاما قاطعة برفض بعض الأعمال أو انتقادها وشن حملات للهجوم على كتّابها دون “أن يكلف المرء نفسه عناء قراءتها أولا”، متسائلا “كيف يمكن أن يهاجم أحد عملا سمع عنه دون أن يقرأه؟!”

سألته: بمناسبة أن هناك عراقيين ضمن اللائحة القصيرة لهذا العام.. ترى أيا منهما أقرب إلى الجائزة في ظنك؟

أجابني صاحب «وحدها شجرة الرمان» بأنه يتمنى للجميع حظا طيبا، وإن بدا أكثر حماسا لرواية «فرانكشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي، قال إنها رواية “حلوة” وفكرتها جديدة وتدل على خيال روائي خصب، متمنيا لها وصاحبها النجاح والتوفيق (بابتسامة خفيفة ومتوارية أخبرني أنها ربما تكون الأوفر حظا بالفوز بالجائزة).

“لو لم يكن للبوكر من فضل إلا اتساع رقعة قراءة الرواية، وانفتاحها على غيرها من القطاعات الجغرافية في العالم العربي لكان ذلك جديرا بالاحترام والتقدير”.. هكذا أجابني سنان عما يراه من “فوائد” للجائزة الأشهر الآن في العالم العربي.

في اليوم الرابع له في القاهرة، شارك سنان أنطون في افتتاح معرض (من هنا يبدأ شارع المتنبي)، وهو المعرض الذي استضافته مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة الأمريكية، كجزء من جولة عالمية ينظمها مشروع مقره ولاية سان فرانسيسكو، يضم 54 كتابا فنيا وتقليديا إهداءً لذكرى تفجير شارع المتنبي ببغداد، الذي تزامن مع الذكرى السابعة له.

أخبرني سنان أن المعرض يعد جزءا من مشروع تبنى فكرته هو ومجموعة من المثقفين والفنانين والكتّاب لتخليد ذكرى تفجير شارع المتنبي الشهير في قلب بغداد، وهو الانفجار الذي دمر الشارع الأشهر في العاصمة العراقية، وكان يضم منطقة بيع الكتب بها (تماثل منطقة الأزبكية أو سور الأزبكية في مصر). المشروع تم تدشينه في العام 2007 عقب الحادث، وهو أول مشروع من نوعه لإحياء ذكراه لجذب الشعراء والفنانين وبائعي الكتب والكتاب ومحبي المعرفة من كل المجالات في حدث واحد، ينظمه الشاعر وبائع الكتب في سان فرانسيسكو ومؤسس المشروع “بوسوليل”. وكان من أبرز فعاليات المشروع إقامة معارض متجولة في عديد من البلدان، ومنها القاهرة، تحت عنوان (شارع المتنبي يبدأ من هنا)، بالإضافة إلى كتاب يحمل العنوان ذاته.

صاحب «يا مريم» يمتلك حسا فكاهيا عاليا بنكهة مصرية خالصة، يحب المصريين ويعشق “خفة دمهم” وقدرتهم المذهلة على مواجهة الواقع ومرارته بهذه السخرية اللاذعة والنكتة القاسية التي تقتل دون هدر نقطة دم واحدة، ويتعامل كأنه واحد منهم لا زائر مغادر. وعن مشروعه الروائي الجديد، الذي يعكف حاليا على كتابته، أخبرني سنان أنها تدور حول شخصية بائع كتب مولع بالقراءة، ومهووس بها، قائلا إنه لم يستقر على عنوانها بعد وإن كان يراوح بين «فهرس الموت» أو «فهرس الخراب».

قبل ساعات قليلة من توجهه إلى المطار عائدا إلى نيويورك، في اليوم الأخير له ضمن الزيارة المقررة، جلسنا على مقهى “زهرة البستان” والتقينا الكاتب والروائي مكاوي سعيد، وشريف جوزيف رزق المدير المسئول عن دار التنوير بالقاهرة، ودار حديث ممتع عن الكتابة والنشر في مصر وخارجها (تصدر موضوع النشر النقاش في صحبة ناشرين مصريين بالأساس). وعدنا سنان بأنه سيأتي إلى القاهرة قريبا في إجازة خاصة، بعيدا عن أي ارتباطات أو أعباء أكاديمية.

ــــــــــــــــــــ

 الصورة: سنان أنطون ومكاوى سعيد وإيهاب الملاح 

مقالات من نفس القسم