هذه الأعضاء السارية في دروب الديوان ليست تذكارات ميتة، ولا رموزا جامعة. ليست اقتباسات جامدة من الأجساد، ولا تلخيصا لها. الأقرب أن فيض الأعضاء هذا ينطلق ليصبح المادة الأولية التي تدور في دورات سحرية تجوب الديوان. مثل الدم واللعاب والمني التي تدور جميعها في دورات الجسد، تدور هنا أعضاء كثيرة في دورات عابرة للأجساد. فمثلما هناك دورة دموية أو تنفسية، هناك أيضا دورة للقبلات، تكون فيها عريضة في الشارع، ودقيقة في البيت. وهناك دورة للحنان، يزداد الحب خلالها فتنسى الأقدام المشي وتتحور الأعضاء، ويقل فتختفي الطوالات التي تغير طول المحبين. هناك دورة للفقد، ودورة للهذيان.
لماذا لا تستقر الأجساد في القصيدة وتبقى كينوناتها كاملة؟ لماذا تسيل أعضاؤها وتدور في دورات لا تنتهي؟ ربما لإنها تجد نفسها في مجال لا يعرف سوى التيارات والتجاذبات. مجال تتدافع فيه العواطف والهواجس، ويذوب فيه كل ما هو صلب. هذا المجال هو على الأغلب عمل الحب. الحب هو هذه تلك القوة التي تحيل الأجساد الفردية إلى أنهار وأمطار. الحب هو ذلك البحر الواسع الذي تجوبه التيارات وتدور فيه الدورات، من يخوض فيه يغامر بنفسه وسط هذا الموج العالي، ومن يبقى بساحله يهنأ بكمال كينونته.