كن تافهًا تر الوجود جميلاً

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

أحمد شافعى

ولدت الشاعرة البولندية «آنا سوير» فى وارسو ببولندا فى عام 1909، لأسرة فنية وإن كانت فقيرة. عملت منذ سن مبكرة لتعول نفسها فى أثناء دراستها الجامعية، حيث درست الأدب البولندى فى القرون الوسطى. عملت فى ثلاثينيات القرن الماضى فى نقابة المعلمين، وعملت محررة، وبدأت تكتب الشعر. انضمت إلى المقاومة فى أثناء الحرب العالمية الثانية وعملت ممرضة فى الجيش فى أثناء انتفاضة وارسو، وفى لحظة من اللحظات لم يكن بينها وبين الإعدام إلا عفو صدر عنها.

 

كتبت سوير الشعر والمسرحية وقصص الأطفال وأخرجت مسرحيات للأطفال. عاشت فى كراكو من عام 1945 وحتى وفاتها بالسرطان سنة 1984.

يرد فى موقع مؤسسة الشعر الأمريكية عن «آنا سوير» أن قصائدها المكتوبة فى الحرب والموت تستخدم لغة مباشرة وبسيطة. غير أن الموقع يشير إلى اهتمامات أخرى لقصائد سوير، حيث يقول إن فى أحد كتبها المترجمة إلى الإنجليزية وهو «إقامة المتاريس» قسما عنوانه «قصائد عن أبى وأمى» ويضم وصفا لمشاهد من حياة أبويها. علاوة على تعاملها الحسى مع الجسد الأنثوى للدرجة التى جعلت مواطنها وأحد مترجميها وحامل نوبل فى الأدب «تشيسلاف ميلوش» يقول إن الثيمة المركزية عند سوير هى «الجسم: فى حالات الحب والنشوة والألم والرعب، الجسم الخائف من الوحدة، الجسم إذ يلد جسما آخر، الجسم إذ يرتاح، إذ يشعر بسريان الزمن أو باختزاله كله فى لحظة».

القصيدة التى نقدمها لها فى ما يلى مأخوذة من كتاب صدر لها بالإنجليزية سنة 1996 بعنوان «الحديث إلى جسدى» وقد ترجمه إلى الإنجليزية الشاعران «تشيسلاف ميلوش» و«ليونارد ناثان».

 

■ ■ ■

سعيدة كذيل كلب

سعيدة كشىء لا أهمية له،

وحرةٌ

كشىء لا أهمية له.

كشىء لا يثمِّنه أحد

ولا هو نفسه يثمِّن نفسه.

كشىء يسخر الجميع منه

ويسخر هو

من سخرية الجميع.

كضحكة لا يسبقها سبب

أو صيحة

هى نفسها

تطغى على نفسها.

سعيدة مهما يكن،

مهما يكن

سعيدة

سعيدة

كذيل كلب.

■ ■ ■

سعيدة إذن السيدة آنا سوير. والسعادة هى أن تكون تافها، منعدم القيمة تقريبا، واعيا أنت نفسك بتفاهتك وانعدام قيمتك، أن تكون موضع سخرية، وأن لا تأبه لذلك، أن تكون أنت نفسك غير مسبوق بسبب، نتيجة للا شىء، وأن تكون طول الوقت قادرا على أن تلغى نفسك أو تتجاوزها. هذه هى السعادة إذن، وهذه ترجمة ثانية للقصيدة.

هذا إذن ما تعلمه لنا القصيدة، وهذا ما يحق لكثير من معلمينا أن يعترضوا عليه، وهذا ما يجعل أغلب معلمينا ينظرون إلى الشعر فى ارتياب.

 

■ ■ ■

ولكن ليس ذلك بالضبط ما تعلمه لنا هذه القصيدة عن السعادة. هناك جزء لا يزال باقيا. هناك ذلك التشبيه الأخير: «سعيدة كذيل كلب». ولا ينبغى أيضا أن نغفل عن أن ذلك التشبيه بالذات هو عنوان القصيدة. فهو إذن ما ترينا الشاعرة إياه فى قصيدتها أول ما ترينا، وآخر ما تريده أن يبقى فى أذهاننا من قصيدتها. السعادة، إذن، ربما تكون كالتالى: أن تعرف ذلك الجسد الضخم الذى يعتبرك جزءا منه، وأن توهمه طول الوقت أنك معلق به، أن حياتك مرتبطة به ارتباطا لا ينفصم، وأن تعيش حياتك كلها تتأرجح، متأهبا فى كل لحظة للانفصال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد شافعى

شاهر ومترجم – مصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلا عن صحيفة التحرير القاهرية

مقالات من نفس القسم