مع اشتداد رغبتي أجدهم يوغلون في الصمت، يقولون لي بهدوء أنهم مشغولون بأداء بعض الروتين اليومي، وليس لديهم الوقت لإلهام أي عابر سبيل.
أعود للبيت كما خرجت، وأعد نفسي بأن المرة القادمة، سأعثر على الشخص الذي يناديني منذ فترة ولم أصل إليه حتى الآن، حتى أن نداءاته باتت متعبة.
رغم أنني نشرت رواية جديدة مؤخرًا، لكن جوعًا شديدًا يجتاحني. تدفعك الكتابة أحيانًا لأن تقتحم نفسك كغريب، والقيام بخطف بعض الشخصيات وإخفائها معك، ثم الخروج والعودة بالمزيد، حبسهم معك.. متعة لا تصل لأي عنف، لأنك تحبسهم وتوزع الورد، وتفتح لهم الصفحات ليخرجوا الأشياء المرهقة الثقيلة البعيدة. أحتاج أنا أيضًا للخروج من نفسي التي أعرفها، وارتكاب حياة أخرى.
لا تنتصر رغبتي غالبًا، ربما لأنني عاقدة العزم على ضرورة إيجاد مادة للكتابة، والكتابة لا تأتي مرغمة.
أكتشف بعد عدد من الرحلات الكبرى التي أقوم بها في الحدائق والشوارع والمحلات، أن النداءات قد تنبعث بكل هذه الحرارة من أماكن خفية بداخلي، وليس عليَّ سوى عكس المرآة والإنصات للأحداث البعيدة، والأصدقاء وأفراد العائلة الذين ينبتون بداخلي فجأة، ليس لمجرد كونهم جزء من ذاكرتي، ولكن لأنهم في تلك اللحظة بالذات مفعمون بالرغبة في الحكي، يحركون مشاعري لأقتنص زمنهم وعالمهم.
على الصياد التمتع بالصبر.. ربما بعض الشخصيات في أفق ما يتغامزون الآن على امرأة لا تطيق الصبر. ويزيدون في مرحهم معي بأن يداعبونني قبيل النوم بإشاراتهم اللطيفة، يحركون خيوط من قصصهم، وأقول لنفسي ها قد حضروا.. في الصباح سأبدأ. لكنهم عند استيقاظي سيكونون قد بردوا تمامًا. يعرفون أنني في الليل لن أشد ورقة وقلم، يلهون معي.
خاص الكتابة