حكاية الرجل الذى حاول امتلاك اليقين

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

هانى عبد المريد

 

تخرجت من الجامعة بتقدير جيد جدا، أحببت، فرحت، ضحكت..

جلست على كل المقاهى، أدمنت أعمدة الوظائف الخالية، نمت على عشب الحدائق ناظرا للسماء فى صفاء، مدندنا  ( اعطني الناي وغنى )، مستشعرا حريتي وهى في أحسن حالاتها، حتى وصلت للفراغ، حياتي فراغ...

شىء بداخلى يقول أن الفرصة قد أتت، الفرصة الحقيقية لأفعل شيئا لم أستطع فعله من قبل..

دائما كنت بعيدا عن التعقيدات، أتجنب الصعاب، أمقت الحروب، ومشعلى الفتن..

 

أختار أبسط الطرق وأيسرها، حتى لو كلفني ذلك التضحية بأمور كثيرة، ولكن ظلت بداخلى أمنية أن أتفلسف، هؤلاء الذين يصيغون الجُمل البراقة، أولئك الذين يضعون تعريفات للأشياء فى عدة كلمات، كأنهم يملكون اليقين الكامل، فيقولون مثلا المرأة هى كذا، الحب، القناعة…….

هذا اليقين الذى كنت بعيدا عنه طوال حياتى، أود الاقتراب منه الآن، أود إقناع نفسى بأن لدى القدرة والثقة فى فعل ذلك، سأقول أن القلم هو ما يكتب فى الكشكول و الورق بجميع أنواعه، أو فوق الـ Board ، وقد يكتب فوق جذع شجرة، أو حديد كوبري..

القلم قد يطفح حبره فى جيب قميص جديد، وبذلك فهو قلم مؤذى، وقد لا يطفح برغم قدرته على ذلك، وبذا فهو طيب، وقد لا يطفح مع عدم قدرته على ذلك – كأن يكون بلا حبر – وبذلك لم نتبين حقيقة موقفه، طيب/ مؤذى.

الرجل الذى فجأة أراد أن يتفلسف خط ما خط، وملأه شعور بالرضا والاختلاف، وفى الأيام التالية لذلك بدأ يفعل نفس الشيء مع الكرسي، أعمدة الإنارة، معجون الحلاقة…..

لكنه عندما أعاد قراءة ما كتب، وجد أنه أيضا لم يضع تعريفا واضحا محددا للأشياء، وأنه لم يبدُ وقد امتلك اليقين..

الرجل تأزم جدا، وأزداد انبهاره بأولئك الذين يملكون اليقين، شعر نحوهم بضاءلة شديدة، وظل يحدث نفسه..

يبدو أن هناك أناس سيعيشون ويموتون بلا يقين

هكذا فكر، وهكذا ترددت الجملة بداخله، باللغة الفصحى، مما زاد من إعجابه بها..

كررها بداخله.. كررها لنفسه بصوت عالٍ مضفيا على صوته فخامة وامتلاء..

أصبحت متعة الرجل في أوقات فراغه، أن يردد بداخله نفس الجملة، بنفس حروفها، لكنها طريقة النطق، والإيقاع الذى يختلف فى كل مرة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هانى عبد المريد

قاص وروائى – مصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللوحة للفنان: عمر جهان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب