عن نفسي لا أفهم هذه الدولة ولا جوائزها أبداً، ليس لأنها مُعقَّدة أو غير قابلة للفهم، بل لأنها مُفرطة في التوائها وهشاشتها، إلى حد أن المرء يحتاج إلى ذهنية ” حاوي” لكي يستطيع أن يتعاطى معها، وإلا فليفسر لنا الدكتور عماد أبوغازي سر اندلاع أزمة جائزة الدولة التشجيعية، فإِذْ فجأة تذكَّر طاعنٌ من الأدباء المتقدمين للجائزة ـ أظنّه لا يجيد سوى الطعون ـ أن من حقه أن يسحب الجائزة من طارق، لأن “هدوء القتلة” سبق أن حصلت على المركز الثاني في جائزة ساويرس الأدبية، وإِذْ فجأة يكتب الدكتور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة مذكرةً بيده الكريمة ضد عمل أدبي قرر أن يتآمر عليه، وهو الرجل الذي اختارته هذه الدولة “أميناً” على الثقافة والمثقفين، فإذا به يمنع ـ أولاً ـ صرف الشيك الخاص بجائزة الرواية التشجيعية بقرار شخصي لا يستند إلى قانون أو ضمير، ولا يكتفي بذلك، لا بل يستدعي ـ ثانياً ـ المبدع الحاصل على الجائزة ويوهمه بأن هناك خطأ قانونياً، طالباً منه ـ ثالثاً ـ أن لا يتحدث إلى الصحافة، دون أن ينسى ـ رابعاً ـ أنه بذلك يصبح الخصم والحكم، في قضية قد لا تأخذ العدالة فيها حقاً ولا باطلاً مع الأوغاد، مع القاضي الذي هو المذنب، والعدو الذي هو ذات الجلاد، والفضيلة التي أصبحت هي ذاتها الرذيلة، والرذيلة التي أمست هي القاضي الذي يتوقَّع منه العدل، إنها حقاً أفضل دولة للشعب الذي اخترع للعالم فكرة النكتة.
كشاعر من المغضوبين عليهم كنت دائماً أرى أن الجوائز التي تأتي من الدولة الهشَّة هشّةٌ مثلها، وأن قيمة الجائزة بقيمة من يحصلون عليها فقط، كنتُ أقول إن الجوائز ليست هدفاً في ذاتها وإن دولتنا السعيدة سوف تمنح الجوائز لرجالها مهما تضاءلت مواهبهم، لكنها لأول مرة تفعل غير ذلك في جائزة “هدوء القتلة” فتمنحها لكاتب أجمع الكثير من النقاد والمتابعين على تميز كتابته بين أبناء جيله في الوطن العربي، وحين تردد أنها سوف تُسحب من طارق عرفت أنها لا تزال الدولة المضحكة ذاتها، التي يتردد أنها تنزف داخلياً ولا تجد الطبيب المعالج.
امنحوا طارق الجائزة فلن تخسروا سوى القيود، طارق يمثل جيلاً لم يحصل على شيء من هذه الدولة، لم يعيَّن في مؤسسات الصحافة القومية بعد ـ طارق ينتظر قرارَ تعيينه في مجلة الإذاعة والتليفزيون للعام السادس على التوالي، رغم أنه واحد من أكفأ كاتبيها ـ ولم يطبع كتاباً في هيئات الدولة منذ عشرة أعوام على الأقل، رغم أن رواياته ومجموعاته القصصية الصادرة في كبريات دور النشر الخاصة تُطبع عدة مرات، كأنَّ سحبَ الجائزة من طارق ينطوي على المعنى الذي تقوله أمهاتنا، إن كانت لاتزال أمهاتكم أحياء في ضمائركم، في المثل الشعبي الدارج الذي صار بدوره نكتة سوداء: ” مالقيوش في الورد عيب قالوا له يا أحمر الخدّين”.
امنحوه الجائزة لمن يستحقها ـ بحسب تقرير لجنة التحكيم، وإلا ذكرتمونا بقصيدة بيرم التونسي التي كتبها في “المجلس البلدي” الذي كان يخطف اللقمة من فم المواطن الذي يستحقها ليحجبها بحجة القوانين واللوائح البالية، تماماً مثل المجلس الأعلى للثقافة الآن، والتي اختتمها ببيته الذي لا يُنسى:
“يا بائع الفجلِ بالمليم واحدة/ كم للعيالِ؟ وكم للمجلس البلدي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*شاعر مصري