هذه اللحظات دائما ما كنت أعتبرها أثمن لحظات حياتي على نحو غير مفهوم , حينما تطفو على ذاكرتي فجأة أو أستعيدها , فأشعر بالامتنان الغامر لحدوثها في حياتي . حصلت فعلا على لحظات أسعد منها بمراحل بمقياس البهجة المطلق , مع منى و أصدقائي و الأهل, لحظات كبيرة و برّاقة , لكنها على ما يبدو لا تصلح للاستعادة و التلذذ بها ببطء مثل هذه التي حكيت عنها , ربما لأنها لحظات استثنائية و عابرة و مقدّر لها أن تكون استثنائية بذلك , على عكس الأولى : لحظات واسعة و عادية في الحدوث, تبدو فيها الحياة هادئة و سعيدة و أبدية , هل لذلك علاقة بهلعي الدائم من النهايات ؟ , كنت دائما مهشما من النهايات و أعتبرها أقسى ما يمكن أن يحدث على الإطلاق, حتى النهايات البسيطة لأبسط الأشياء, كنزهة في النادي أو زيارة للعائلة , كنت لا أتحمل كل هذه النهايات اليومية لكل الأشياء و الأحداث و اللحظات, أكبت دموعي بشكل عنيف و أنا أرى الأهل يلملمون حاجاتنا لنعود من إلى البيت, كنت أنقبض من طريق العودة إلى البيت , وهو ما يبدو معكوسا هذه المرة , لكنه كان يذكرني بنهايات الأشياء السعيدة, أنا عدو النهايات , طوال عمري ولا زلت , وإن قلّت حدة مشاعري العنيفة تجاهها مع الزمن, فلم أعد أشعر بالفزع المفاجئ أو الرغبة في البكاء أو الوجوم, لماذا إذا لا أشعر بانتهاء هذه اللحظات أو مفارقتها لحياتي رغم أنني لن أعود مرة أخرى إلى نفس الموضع لأذاكر و أسمع صخب الأفراح و السرادقات البعيدة ؟, شيء آخر يجمع كل هذه اللحظات معا, كونها لحظات غير فعّالة في ذاتها, لحظات لا تتحرك نحو شيء, لحظات في انتظار الآتي دون توقعه أو الاستعداد له, لحظات مطمئنة و مشحونة , ممدودة كخاتمة موسيقية هادئة ممتعة تماما , أعرف أنها ستتلاشى , و لكنها قابلة للاستمرار إلى الأبد دون أن يبدو ذلك مملا أو غير فنيّ, منذ حوالي شهر أحاول كتابة قصيدة بهذا المعنى, إلى أن قررت أن أكتب ذلك لأنني أبدا لن أستطيع ضمّ هذه اللحظات و احتواء أبعادها في علبة عمل فني , قد يوحي بذلك , بانتهائها أو تجاوزها, أنا بعد لم أتجاوزها لأكتب عنها فعليا أو كما يرضيني تجاهها, أنا فقط فعلت ذلك لأنني أفكر فيها و أريد استعادتها ببشاعة هذه الأيام…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من مدونة ” كوبري إمبابة ” للشاعر محمود عزت
http://nournour.blogspot.com/