أفتقد الطفل الذي كنته، وهل كنت يوما من الحزن خال، فلدي هنا في الروح ركن لا يعرف أن الصيف مر وتبعه ثلاثون صيفا، واليوم أفتح باب الروح لألتقيه، كصديق قديم ألتقيه، تجاعيد الروح تصنع بابا وخيوطا من مشيب باكر، تغزل الأقفال وأنا الصافي هناك أرتكن علي حائط من ضحكات وردية ودمي محشوة وبعض القبلات.
أنا النقي يدعوني لمجلس شعر وبعض القهوة.
عبير القهوة المصنوعة علي مهل ينسج خيوط الشعر من حولي ستار ويغريني كحديقة أندلسية علي سهل فتسيل الأبيات كرقيق الأمطار، هنا كان أبي يعلمني أول دروس الواقعية وفي الركن تهمس لي أمي انني أملك أجنحة صغار.
علي هذه الأرض ما يستحق الحياة
سأطعم القط الجائع أبدا، وربما سمحت له بالدخول، وسادات الأرائك تفتقد الدفء، ولازلت أملك منه البعض، ترحب بخمشاته الرقيقة وتحتفي بناعم الفراء، أتكور علي ذاتي مثله مقلدا هذا الهرير متظاهرا بالرضا فيقاطعني متململا ان الوقت للحرية قد حان، أفتح بابي مضطرا، وأراقبه يرحل في كبرياء تاركا فراء رماديا وبعضا من دفء وبعض البريق
(هنيئا لمن علموا الأبجدية
كيف تضيف إلي الحاء باء)
سأمر تحت شرفتك كل مساء، أراقب الصغير يلهو بطائرة ورقية لابد أنك من صنعتها، فمن غيرك يمزج الأصفر بالأزرق، ويزين حواف الأوراق بقرنفلات وردية، سينتبه الطفل إلي وربما يلوح بأصابع طويلة أكسبه النحول رقه كسنبلة قمح متمايلة وربما لمحت هالتك في الخلفية، كخيوط شمس تصنع مدارا من ذهب تدور فيه السنبلات.
أنقر بالخطوة لحنا علمته لي يوما، فأقلد همهمات القط وخمشاته علي وتر وهمي، هل علمته اللحن من قبلي أم أنها ترنيمة يعرفها كل الأبرياء، خفقات قلبي تضطرب تعلو فأرفع يدي ألمس حدود الغماز لتخفت الهمهمات، وأدور منتشيا عشرات المرات.
ربما ستنبت اليوم أجنحتي.. هكذا أخبرتني أمي ذات مساء في منتصف عام.
ــــــــــــــــــــــــــ
*قاصة وكاتبة مصرية
خاص الكتابة