بداية، حدثنا عن غاليري68 ، وزمن البدايات…
غاليري 68 ظهرت في وقت كانت فيه بدايات جيل الستينات تتبلور، ونشروا العديد من القصص، وصار هناك استقبال جيد لأعمالهم، وجاءت الفكرة مثل بيان، وأصدرناها بجمع المال والتبرعات، وأذكر أن نجيب محفوظ أخذنا منه عشرين جنيها (يضحك) بعدما طوّقناه، وأخبرناه بأنه صدر أمر بأن يصرف عشرين جنيها. رحمه الله كان رجلا كريما.
لم يكن للمجلة مقر، مقر حزبهـــا كان مقـــهى ريش، وكانت قائمة بجهـود ذاتية، واستمرت ستة أو سبعة أعداد، ثم توقفت عن الصدور، بعدما شعرنا بأنها قالت ما كانت تريد قوله.
هل ترى أن نجيب محفوظ طغى على جيلكم بشهرته؟
لا. نجيب محفوظ كان صديقنا، وهو من أتى إلينا في مقهى ريش التي كانت مقرنا، وكان مقره في كازينو صفية حلمي بالعتبة، لمّا تم إغلاقه من طرف المباحث انضم إلينا، وكان يجالسنا كل يوم جمعة، وكانت جلسات سمر وأحاديث متناثرة، ولا أعتقد أن نجيب محفوظ أثر بكتابته على أي كاتب من جيل الستينات، فكتاباتهم كانت تغلب عليها الميول السياسية، مع غياب الديموقراطية في فترة الحكم الناصرية. كان في كتاباتنا هجوم على الثورة بشكل ما، وكانت ميولات نجيب محفوظ السياسية ‘وفدية’ حتى آخر يوم في حياته، وحتى كتاباته لا تـُـقـلـّد ، فلها طابعها الخاص.
وماذا عن أمل دنقل؟
أمل دنقل كان واحدا منا، وكان صديقا للجميع، وبدأ الكتابة معنا، وكنا نقرأ قصائده قبل أن تنشر في جلسات مقهى ريش، والسهر والتسكع، لقد فقدناه كصديق، إضافة الى أنه شاعر كبير.
قرأت في حوارٍ أنك طلبت منه قصيدة خاصة.
(يضحك) نوع من الغزل يعني. تلك جلسات محبة و ثرثرة، وأطلب منه أن يكتب قصيدة لبنت متمنعة. إنه كلام محبة مع أمل (يضحك).
ومن هو الكاتب الأقرب إليك من أبناء جيلك؟
كلهم عموما، لقد بدأنا خمسة أو ستة، وما زالت مجموعتنا قوية جدا، كان هناك صنع الله، بهاء طاهر، إبراهيم أصلان، ويحيى الطاهر كان الأقرب إلي جدا حتى موته، وعبد الحكيم قاسم…
ألا ترى أن هذه الأسماء لا تمثل جيلا بأكمله، فحين يبدأ أي جيل يكون هناك العشرات؟
زمننا كان شحيحا في الكُـتاب، من قبلنا كانوا أربعة أو خمسة كتاب، أذكر منهم يوسف إدريس ، أبو النجا، سليمان فياض. جيّد أن جيلنا أفرز ستة كتاب.
وهل نسيت أن هناك من اتجه إلى السينما أو التلفزيون، مثل وحيد حامد؟
مثلا.
هل تتعمدون إقصاءهم؟
هو لم يبدأ بكتابة القصة وإنما للتلفزيون مباشرة.
(قاطعته)لا. وحيد بدأ بمجموعة قصصية.
لقد بدأ بكتابة مجموعة قصصية لكنها لم تلفت النظر، وإنما أعماله السينمائية.
ما رأيك في التجريب في الرواية؟
شيء جميل، أي محاولة للتفرد وللتجديد في الكتابة.. فهذا شيء جميل.
لكن هناك من يعتبره فقرا في الخيال.
هناك كتابات رديئة وأخرى جيدة، يجب أن نعطي الشباب الفرصة حتى تنضج تجاربهم.
هل انتبهت في روايتك ‘فردوس’ إلى أنك تتناص مع رواية ‘امتداح الخالة’؟
أنا قرأت االامتداح…’ بعد كتابة الرواية، ولا أعتقد أن هناك تناصا أبدا.
ولكن هناك من اتهمك بسرقة فكرتها.
علق جابر عصفور بشيء من هذا القبيل، لكنه نفى ذلك، وقال بأنه يستحيل أن يكون هناك تناص، لأن الروايتين إحداهما هنا والأخرى هناك، ولا تلتقيان أبدا.
تطغى القرية في أعمالك، لماذا هذا الحضور القوي لها؟
لأنها المكان الذي عشت فيه مرحلة الصبا، وهي أهم مرحلة في تكوين الكاتب، يكون هناك فضول شديد ليرى كل شيء ويعرف كل شيء، وتبقى الذكريات مخزنة. مثلا نجيب محفوظ بقي يكتب كل أعماله عن فضاءات خان الخليلي.
تكتب بلغة سردية شديدة الخصوصية، تجمع ما بين المحكي والفصحى. ما سر سحرها؟
لا أعرف، ولكن أعتقد أن اللغة جزء من شخصية الكاتب. هكذا جاءت ولم أحاول أن أكون هكذا.
ولكنك تشترك في بعض ملامحها مع مجايليك.
هذا شيء وارد، وقد تأثرت بكتاب القصة القصيرة الذين أعشقهم مثل تشيكوف وهيمنغواي، وهما من أساتذة الاختزال وأساتذة في الجملة.
هل يوجد نقاد حقيقيون في الوطن العربي؟
يوجد نقاد طبعا، لكن المشكل أن الإبداع غزير، وعدد كتاب الرواية يفوق عـــدد الشعراء وكتاب القصة القصيرة، أو كما يقولون الرواية صارت لغة العصر، نظرا لسهولة الترجمة والنشر، والإقبال عليها، وبالنسبة للنقاد لم يكن من قبل سوى ناقدين أو ثلاثة، والآن يوجد صبري حافظ، فاروق عبد القادر، صلاح فضل، جابر عصفور، ويوجد نقاد شباب مثل يسري عبدالله، وأسماء أخرى غابت عن ذهني، لكنهم لا يستطيعون مواكبة هذا الزخم الإبداعي.
هل يتم استبعادك من الجوائز بسبب مواقفك السياسية؟
لم يسبق لي أن نلت أية جائزة من المؤسسة الثقافية أو النظام، والحمد لله.
وماذا عن ‘بوكر’ العربية؟
أنا كنت في القائمة القصيرة.
أعني إحساسك بعدما لم تنلها.
هذا حظها، واللجنة رأت أن الرواية الفائزة هي الأفضل.
وما تقييمك لرواية ‘عزازيل’؟ هل تستحق الجائزة؟
أنا لم أقرأها ولم أقرأ أية رواية من روايات القائمة القصيرة حتى الآن.
لكن هناك من يشكك في فنية الرواية.
أنا قرأت ما كتب عنها، وأن كل الضجة المثارة حولها بسبب المسائل الدينية.
وماذا لو أن الرواية الفائزة كانت هي ‘المترجم الخائن’ لفواز حداد؟
لم أقرأها، وفواز حداد أول مرة التقيه كان في أبو ظبي وسعدت بمعرفته حقيقة، لكنني لم أقرأ روايات القائمة القصيرة، أنتظر حتى تهدأ الضجة، وأقرأها بهدوء.
ما جديدك؟
آخر رواية كتبتها هي ‘أسوار’، وأعد لمشروع…
ما رأيك في كتابات الجيل الجديد؟
كتابته جيدة، كنت أحكم في جائزة ساويرس للشبان العام الماضي، وقرأت حوالي ثلاثين رواية مختلفة تقريبا، واكتشفت حوالي عشرة كتاب ممتازين.
لماذا تراجعت القصة؟
لا أحد يكتب القصة القصيرة اليوم إلا القليلين.
هناك مجاميع قصصية تصدر، لكن الرواية احتكرت الأضواء. أهو إقصاء متعمد للقصة القصيرة أم هي بداية النهاية؟
أنا أحب كتابة ‘القصة القصيرة’ جدا، وقد صدر لي حوالي عشر مجاميع قصصية يا رجل، يا جميل(يضحك).
لا أقصدك ـ أنت بالذات ـ ولكن هناك ما يمكن أن نسميه بنعي للقصة القصيرة.
أحيانا نقرأ قصصا قصيرة، ولكنها لا تستقبل مثل الروايات.. في النشر والترجمة.
وماذا عن محمد البساطي والترجمة؟
جيد. أغلب رواياتي مترجمة إلى الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، لا أشكو من قلة الترجمة.
أي أنك لست ممن يتلهفون على الترجمة ويلهثون وراءها؟
لا… (يضحك).
ما رأيك في هذه الأسماء؟
كتاب؟ لا.لا.لا. سأقول لك عنهم كلهم جيدون. بالمناسبة الكتاب الجدد في مصر لا يتحملون أية كلمة نقد واحدة. ‘لا توقعني’ مع أحد رجاء. (يضحك(.
القاهرة : صارت مدينة مزدحمة ومن الصعب العيش فيها.
مصر : أجمل ما فيها شعبها. شعب ودود، مصر تحتاج إلى رعاية وعناية لم تحظ بها حتى الآن.
الوطن: شيء جميل لكل شخص (يضحك) نموت ويحيا الوطن. الوطن أهم شيء طبعا.
الحب: هل تسألني عن الحب في هذا السن؟ ‘ده كان زمان'(يضحك)، الحب أجمل شيء يمكن أن يصادف الإنسان، وأنا أذكر أني لمّا عشت قصة حب كنت أبدع بنشاط وحماس أكثر .
الجنون: بشع، لكن أن تقف على حافة الجنون فهذا شيء جميل.
الطفولة: (بنبرات طفولية عذبة) الطفولة جميلة، الطفولة جميلة.. شديدة الجمال، معظم الوقت ألعب مع أحفادي.
ـــــــــــــــــــــــــ
كاتب وقاص من المغرب