حاوره : سيد محمود وعلا الساكت
في حالة من الحالات النادرة في مصر تم تصعيد الدكتور عماد أبو غازي من المنصب الذي شغله طوال عشر سنوات في الإشراف علي الشعب واللجان الثقافية بالمجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة إلي موقع الرجل الأول حيث شغل قبل أيام منصب الامين العام للمجلس وهو منصب خلا بوصول الأمين العام السابق الناقد علي أبو شادي لسن التقاعد وقد أ وجد اختيار أبو غازي للمنصب ارتياحا في قطاعات كبيرة من المثقفين, فبالإضافة لكون أبو غازي أحد الشخصيات المعروفة بنزاهتها داخل المؤسسة الثقافية الرسمية, فهو باحث معروف في مجال التاريخ والوثائق وتولي الإشراف علي عدة مشروعات بحثية مع مكتبة الإسكندرية وغيرها من المؤسسات أثبتت جدارته العلمية وكفاءة ادارية نادرة. وهنا حوار معه حول استراتيجيات العمل داخل المجلس الاعلي للثقافة في المرحلة القادمة إضافة الي مراجعة السياسات التي كان أبو غازي مشرفا علي تنفيذها.
ــ حين بدأ الدكتور جابر عصفور عمله في المجلس كان الهدف الرئيسي له ـ بحسب تصريحاته آنذاك ـ اضفاء طابع مدني علي المؤسسة الثقافية يخدم فكرة الدولة المدنية, لأن عمله جاء في ذروة المواجهة التي كانت بين الدولة وبين القوي الأصولية, وفي اعتقادنا أن علي أبو شادي استكمل نفس المهمة, فهل تري أنك تتولي المسئولية في لحظة لها أولويات مختلفة؟
ـ في رأيي ان فكرة دعم الدولة المدنية مازالت قائمة وبإلحاح بسبب الظروف الحالية, فهناك مخاطر مازالت تهدد مصر المدنية بسبب نمو تيارات فكرية داخل المجتمع معادية لهذه الفكرة من الاصل.
ــ وهل لديك تصور يغير طبيعة عمل المجلس وأهدافه خصوصا في ظل ظهور مؤسسات مستقلة تعمل في مجال الثقافة؟
ـ أري أن ظهور هذه المؤسسات المستقلة ليس جديدا, فبناء المؤسسات الثقافية في مصر من القرن التاسع عشر قام دائما علي التضافر بين ثلاثة عناصر هي: المؤسسات الثقافية الرسمية للدولة, المؤسسات الأهلية( أو ما نسميه مؤسسات المجتمع المدني) ثم المؤسسات التي تنتج الثقافة كصناعة ثقافية ربحية, ومن الممكن أن يسود شكل في فترة من الفترات علي حساب الأشكال الأخرى , لكن طوال الوقت كانت الأشكال الثلاثة موجودة. ومنذ إنشائه يتفاعل المجلس مع مؤسسات العمل الأهلي, وعلي سبيل المثال دائما تعقد الجمعية المصرية للدراسات التاريخية( وهي منظمة أهلية) ندوتها السنوية علي مدار سنوات طويلة بالتعاون مع المجلس.
ــ وماذا عن المراكز الجديدة التي ارتبطت بالتمويل الاجنبي أو تلك التي تعتمد علي رعاية رجال الأعمال, وهي مراكز فاعلة بشكل قوي ولديها الكثير من العناصر لجذب الشباب, وهي عناصر يفتقدها كثير من قطاعات وزارة الثقافة ومن بينها المجلس؟
ـ لا أري أن المجلس في حالة صراع مع هذه المؤسسات أو أي مؤسسات ثقافية أخري طالما أن هذه المؤسسات ترسخ مفهوم الدولة المدنية وقيم المواطنة والاستنارة, فالمجلس أقام علي سبيل المثال أنشطة مشتركة مع ساقية الصاوي وهي من المؤسسات الجديدة ذات الحضور القوي بالمعني الجماهيري.وعلي العكس تماما أري أن هذه المؤسسات ينبغي أن تتضافر جهودها مع بعض, بما في ذلك المؤسسات المدعومة من بعض المراكز الأجنبية في بعض أنشطتها, مع العلم أن كثيرا منها يتلقي دعم من وزارة الثقافة عن طريق صندوق التنمية الثقافية منذ انشائه خلال عشرين عاما.
ــ لكن بعض هذه المؤسسات يطرح نفسه بديلا لوزارة الثقافة, ويتعامل مع قطاعاتها باعتبارها كيانات بيروقراطية معطلة ومتهالكة, فما هو تعليقك علي هذه الرؤية؟
ـ كل مؤسسة من حقها أن تري في نفسها ما تراه وتضع طموحاتها, لكن ما أقوله أن المجلس ليس لديه عداءات مع أحد, وليس لديه منافسة أو صراع علي الجمهور مع أحد, فالجمهور كبير جدا( نحن80 مليون مصري) ومن يريد فليتحمل. وأي نشاط هو اضافة لصالح المواطن.
ــ وما تفسيرك لهذه المواقف المتحفظة التي بنتها تلك المؤسسات في شأن تعاملها السابق مع المجلس فهل كانت هذه المواقف رد فعل لسياسات سابقة؟
ـ لست منفصلا عن السياسات السابقة, لأننا في منصب تنفيذي منذ عشر سنوات بالمجلس, وأي شيء حدث هنا أنا شريك في المسئولية عنه( إيجابيا كان أم سلبيا) وبالتالي فأنا في موقعي الجديد استكمل سياسات سابقة وأسعي إلي ايجاد مبادرات جديدة. وفي هذا السياق لا أعتقد أن المجلس تبني مواقف عدائية تجاه أي مؤسسة من المؤسسات التي تعمل في الحقل الثقافي ولا من أي تيار ثقافي يسعي إلي ترسيخ ثقافة الاستنارة ويحترم الحوار.
ـ ولماذا اذن يشعر ممثلو التيارات الاسلامية انهم مستبعدون من عمل المجلس سواء عضوية اللجان أو أنشطته وجوائزه؟
ــ المجلس ليس مؤسسة سياسية, وبالتالي فأنا لست مضطرا إلي التعامل مع هذا التصنيف الذي يضع الاسلاميين( أو الممثلين للاسلام السياسي) في بوتقة واحدة كما انه ليس مطلوبا مني أن يكون لدي تمثيل للاحزاب أو القوي السياسية داخل المجلس لان من يشارك في عضوية لجان المجلس يشارك بصفته وقيمته ووزنه الفكري وليس بسبب انتمائه السياسي.
ــ لكن خلال المواجهات بين وزارة الثقافة وأصحاب فكر المصادرة, تظهر أصوات تحسب علي التيارات الاسلامية, وتلقي باللوم علي المجلس بسبب استبعادها من المشاركة وصنع القرار داخله. فهل ستسعي لترميم هذه المسافة أو لديك تصور جديد للتعامل مع هذه الأصوات؟
ـ مثل أي مثقف حقيقي أنا ضد ثقافة المصادرة, وضد أي فكرة تريد أن تجعل أي تيار أو أي فرد من نفسه وصيا علي عقول الناس أو الابداع الثقافي والانتاج الفكري. وإجمالا لا أعتقد أنه كانت هناك خصومة بين المجلس وبين من تتحدث عنهم لكن البعض يرتاح لاشاعة هذه الفكرة.
ــ هناك تصور موجود حول المجلس باعتباره نقطة جذب المثقفين الرئيسية كأنه( مغناطيس) يدفع بالمثقف للتعاون مع الدولة, فمن المسئول عن هذا التصور؟
ـ لا أعتبر أن التعامل بين المثقف والدولة جريمة أو اتهام, خصوصا وأن المجلس لا يطلب من مثقف أن يتنازل عن أفكاره أو رأيه وكما قلت سابقا لا يمكن لاي نهضة أن تقوم من غير تفاعل حر وخلاق بين جميع الآراء الفكرية لان التنوع والتعدد من سمات الدولة المدنية التي نسعي لترسيخها.
ـ إذن ما سر حالة التشنج في حديث بعض المثقفين عن المجلس ؟
ـ أتصور أن طبيعة عمله ونشاطاته المتعددة جعلته مستهدفا, ومن لا يرغب في التعامل مع المجلس فهذا حقه, وبالنسبة لي لست في حالة عداء مع الدولة ولا أري أنه من المفترض في المثقف أن يكون في حالة عداء معها.
ـ ازدهرت المؤتمرات الدولية والاقليمية ضمن محاولات ترميم العلاقات المصرية/ العربية بعد قطيعة تلت معاهدة كامب ديفيد, ثم تراجعت هذه النشاطات لتستعيد قوتها في السنوات الأخيرة, فهل تنوي استكمال هذا الجهد؟
ـ لدينا ملتقيات ثابتة, مثل ملتقي الرواية الذي عقد منه أربع دورات, والمأثورات الشعبية عقدت منه أربع دورات وملتقي الشعر عقد منه دورتان, والقصة القصيرة الأحدث بينهما, بالاضافة لملتقي النقد الأدبي الذي عقد لمرة واحدة ولدينا تصور طرحه وزير الثقافة لتطوير هذا الملتقي, ليصير ملتقي للنقد بوجه عام وليس أدبيا فقط. وهذه الملتقيات الخمسة ننوي الحفاظ علي استمرارها, وكل الأنشطة الدولية والاقليمية لا تراجع عنها, بل إن هناك أفقا لمزيد من التوسع في مناطق كنا بعيدا عنها علي سبيل المثال البعد الافريقي, فطوال السنوات الماضية لم نعقد سوي مؤتمر واحد عن أدب الطفل الافريق, ونحن نعد في بداية2010 لندوة الثقافة الافريقية في عصر مجتمع المعرفة وندوة أخري بالتعاون مع نادي القلم المصري الكاتب الافريقي وتحديات العصر.
ـ رغم ما تبذلونه من جهد في هذه الملتقيات إلا أنها في النهاية تختذل في كونها جائزة تحل مشكلات المبدع الفائز, فكيف تري التنسيق بين هذا الجهد المبذول في الملتقيات وبين استمرارية الاهتمام بالفنون التي تقام من أجلها هذه الملتقيات؟
ـ هذه الملتقيات دورية, بالتالي يستمر الاهتمام بما يطرح فيها من آراء ويعاد القاء الضوء عليها مع كل ملتقي, بالاضافة إلي ذلك نقوم علي هامش الملتقي بعدة جهود علي سبيل المثال أصدرنا خلال ملتقي القصة القصيرة عيون القصة المصرية في3 مجلدات, واقترح اثناء الملتقي أن تصدر في الملتقي القادم عيون القصة العربية القصيرة, وكذلك تقرر البدء في اصدار سنوي يضم هذه المختارات من القصة المصرية ، ومن جهة أخري يستكمل عمل المؤتمرات اللجان والشعب داخل المجلس, فالمؤتمرات تقع ضمن اختصاص الأمانة العامة للمجلس, أما لجان المجلس تعمل علي المستوي المحلي في نفس الاتجاه.
ـ بالحديث عن التشكيل الداخلي للجان المجلس عادة ما يثور لبس حول معايير تشكيل لجان المجلس, فما هي المعايير التي تشكل علي أساسها ؟
المعيار الواضح أن اللجنة يفترض أن تمثل أطياف مجالها سواء من اتجاهات أو أجيال مختلفة, وطبعا إلي الآن مازال يتم اختيار المقرر بعرض من الأمين العام علي الوزير, والمقرر هو من يقترح تشكيل اللجنة.في ضوء المعطيات المتاحة تبدو هذه الآلية مناسبة, وقد تم تطويرها بعد أن تولي علي أبوشادي أمانة المجلس من خلال تعديلين لائحيين, من وجهة نظري هما من أهم التعديلات في تطوير عمل اللجان التعديل الأول: هو التغير الثلثي لأعضاء اللجان في كل مرة, والثاني أن مقرر اللجنة لا يستمر أكثر من ثلاث دورات بدأ حسابها من دورة2007, وهذا سيضمن التجديد في دماء اللجان داخل المجلس.وقد طرحت أفكار حول انتخاب المقرر, لكن كل ذلك يفترض تغييرا في آلية التشكيل نفسها.
ـ هل لديك أفكار حول تعديل قوانين ولوائح تنظم العمل داخل المجلس, وخصوصا من ناحية انشاء جوائز جديدة ؟
ـ أي تعديل يحتاج لموافقة من مجلس الشعب, لكن لدينا تصور حول زيادة عدد الجوائز في مجال التفوق علي وجه الخصوص, فهذه الجائزة وضعها غريب جدا, فيفترض بها أن تكون بين الجائزة التشجيعية والتقديرية من ناحية العدد كما يتم تقديمها دائما باعتبارها بينهم في القيمة وطريقة التقديم, لكنها تضم سبع جوائز فقط, ولابد أن ترتفع لـ12 أو14 جائزة, وهذه الجائزة تشهد عادة أكبر عدد من المتقدمين وأحيانا يصل عدد التصويت فيها إلي75 اسما.في اطار القانون الحالي هناك عوائق, لكن هناك لجنة مشكلة من أعضاء المجلس الأعلي للثقافة تضم قانونيين مع بعض الاعضاء الآخرين لدراسة القانون والقواعد وتدرس الموقف, ومن المفترض أن تنهي اعمالها قبل يونيو2010 لاقرار تصوراتها فاما أن يتم التطوير في اطار التشريع أو نسعي لتعديل تشريعي.
ـ من الأهداف الرئيسية لانشاء المجلس رسم السياسات الثقافية, فهل لدي المجلس آلية لتطوير هذا الدور في الفترة القادمة؟
ـ المجلس بالأساس وظيفته هي رسم السياسات الثقافية, وأري أن هذا الدور لابد أن يكون في أولويات عمل اللجان وهو دور غاب في حالات كثيرة وسنعمل علي اصدار أول تقرير عن الحالة الثقافية في مصر العام المقبل وبجهد باحثين معروفين بنزاهتهم وكفاءتهم العلمية ولن تكون للمجلس أي وصاية علي هذا التقرير.
ـ عادة ما يقال أن المجلس خلال أمانة الدكتور جابر عصفور ركز علي الأنشطة الأدبية متأثرا بكون عصفور ناقدا أدبيا, فما تعليقك ؟
ـ أنا أري أن هذا كلام مغلوط, العكس تماما هو الصحيح, فالصحافة والإعلام هي من تركز علي الأنشطة ذات الطابع الأدبي, لأنها جذابة أكثر بالنسبة لمحرري الصفحات الثقافية والأدبية, لأنها عادة تضم أسماء معروفة وتهمهم أكثر من الأسماء الأخري.فقد أقام المجلس علي سبيل المثال مؤتمرين عن الثقافة العلمية( خلال فترة رئاسة الدكتور جابر), ولم يهتم أحد بتغطيتهما أو حتي يتذكرهما ليس لأننا لم نعقد المؤتمر لكن لأن أحدا لم يهتم.
ـ يلاحظ في أنشطة المجلس أن الشباب ضيف شرف, لكنهم ليسوا جزءا من عمل اللجان وتشكيل المجلس؟
ـ هذه فكرة تستحق الدراسة, لكن بشكل ما هناك أجيال كثير ممثلة في عضوية اللجان, مع ملاحظة أن تشكيل اللجان متروك للمقررين, وأن أكثر من نصف لجان المجلس ذات طابع أكاديمي مسيطر عليه فكرة الهيراركية الجامعية. لكن لجان الفنون والآداب بها نسبة أكثر من تمثيل الشباب. والعبرة ليست بحضور الاجتماع في النهاية لكن بممارسة نشاط فعلي. كذلك هناك كثير من أنشطة المجلس موجهة للشباب