ـ بدأت كتابة الرواية بفكرة بسيطة ومتواضعة، وهي أن أقدم قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون من وجهة نظر مصرية، وقد فتنني هذا الحدث منذ أن كنت صغيرا، ولكن هذا الاكتشاف الذي هز العالم منذ 86 عاما لم يظهر في الأدبيات المصرية، رغم انه قد لفت الأنظار بشدة إلى مصر في هذا الوقت، بل ولفت أنظار المصريين إلى أنفسهم أيضا، بدأت عملية الكتابة والقراءة معا، أصبح عندي رف كامل من الكتب عن أحوال مصر والعالم في هذه الفترة من التاريخ، وببطء بدأت تتفتح أمامي مسارب جديدة لم أكن أتوقعها، وأخذت أسئلة الهوية تطرح نفسها علي بشدة، فقبل هذه الفترة كان المصريون كما مهملا، بشر بلا أسماء، ولا وجوه أو ملامح، يموت الآلاف منهم في حفر قناة السويس وفي حروب السودان وكوهية والبلقان والمكسيك وحتى في جزيرة العرب، وتحصد الأوبئة والمجاعات آلافا أخرى، مجرد أرقام تسقط من ذاكرة التاريخ دون أثر، ولكن في هذه الفترة بالذات، وكرد فعل للاحتلال البريطاني، استيقظ المصريون من سبات القرون الطويلة، بدأوا يفطنون إلى أهمية البحث عن “ال” التعريف التي تخصهم، عن أسماء وسمات وملامح تخصهم كأفراد، وكان من الطبيعي أن يخرج مصطفى كامل هاتفا: “لو لم أكن مصريا” قول عاطفي وفيه الكثير من المبالغة، ولكنه كان ضروريا، وكذلك الأمر مع مختار الذي حاول أن يلملم أطراف التاريخ في تمثال لفلاحة مصرية معاصرة تضع يدها على رأس أبو الهول، من المؤسف أن هذه الفترة الخصبة من تاريخنا كانت قصيرة العمر، وعاد المصريون كما كانوا، مجرد أرقام تموت بالآلاف في حوادث العبارات وحرائق القطارات وانهيارات الصخور، وحتى عندما كنت أكتب فصول الرواية كانت الحرائق تتوالى، قصور وأثار ومصانع ومؤسسات، كأننا ننسحب مهزومين من هويتنا المؤقتة ولا نترك خلفنا إلا رماد الأرض المحروقة.أسئلة أخرى كثيرة كانت تطرح نفسها علي كلما تقدمت في مراحل الكتابة، خاصة الفترة التي كنت أتأمل فيها الكم المهوش الذي كتبته دون أدري كيف أنظم سياقه، فالنسخة الأولى عندي تكون أشبه بالكابوس، يهمني أن استيقظ منه أولا قبل أن أطرح على نفسي أي أسئلة، والأصعب عندي هو تقسيم الرواية إلى فصول محددة، أكتب عادة دون الاعتراف بحواجز، ثم تأتي مرحلة البتر والشظف وطرح الأسئلة، وخلال ذلك لا يكف ما يحدث في الخارج عن التأثير فيك، حتى لو كانت الكتابة عن فترة تاريخية عمرها قرن كما هو الحال في روايتي، بل وتجعلها تحول مسارها رغما عنك، وأعتقد أن هذا ما حدث مع شخصيتي الرئيسية “عائشة”، فقد تسربت كل الإحباطات المعاصرة التي تعيشها مصر هذه الأيام إليها، وحددت مصيرها الفاجع، بينما استطاعت الشخصية الأخرى، هوارد كارتر، أن تحقق انتصارها الخاص، وفي الحقيقة فهما أبناء حضارتين مختلفين، فلا شيء يكتمل عندنا بينما يصرون هم على الوصول إلى نقطة النهاية.
الألم يوحد الجميع
ـ يحضر الحب في هذه الرواية كفعل محرّك للأحداث والشخصيات من خلال الفتاة التي تغادر ريف الصعيد، وإن بدا في تشكل قلق، فيما بدا الحب في رواية “انكسار الرّوح” وكأنّه في غربة اجتماعية لا حد لها. هل ما من الممكن أن يبقى للحب حضوره اللافت كموضوع للسرد الروائي في ظل تحوّلاته الصاخبة، كما أن الحكاية في كتاباتك السردية تبدو مرتكزاً للسرد وبنائه. ألا تشكّل بنية الحكاية عائقاً لظهور إمكانات سردية مختلفة، خصوصاً في شكلها الوصفي والمجازي المتكئ على إرث بلاغي عربي يحدد تركيب الجملة وشكل كتابتها وقولها؟
ـ “انكسار الروح” كانت روايتي الأولى بعد العديد من الكتابات في مجال القصة القصيرة، والقصة القصيرة الطويلة، وهي أشكال بطبيعتها تجريبية، تطمح لاقتناص اللحظة، والبحث عن لغة مستحدثة، ولكن الرواية عمل تطبيقي، والرواية الأولى بالذات تقتنص الكثير من سيرة الكاتب الذاتية، خاصة عندما يكتبها في لحظة متوترة من حياته كالتي كنت أمر بها في ذلك الوقت، كنت أحاول أن أمسك في يدي قصة حب تتسرب كحبات الرمال، نثار من ذكرى ومن أسى وشجن، وكل الذين قرأوها شعروا بذلك، وبكوا في الكثير من صفحاتها، الألم يوحد الجميع كما تعرف يا صديق، الرواية كما تعلم تعتمد على حركة الشخصية عبر الزمن، والكاتب يحرص على أن يتوحد القارئ مع الشخصية التي اختارها ويتفاعل معها، المجال ضيق هنا لاستخدام ألاعيب اللغة أو الإغراق في التجريب والغموض، هناك الكثير من النصوص التي يمكن أن تطلق عليها “نصوصا مغلقة”، عليك أن تكون لصيقا حميما بالكاتب حتى تفهمها، أنا أؤمن أن للنص وجوده المحايد، ينفتح وحده على القارئ دون حاجة لمعلومات إضافية، هو جسر للتلاقي بينهما، دون حواجز أو عوائق بين القارئ والكاتب، ولا ينفي هذا أن علينا ألا نهمل منجزات التجريب لأنها هي التي تدفع بالكتابة إلى الأمام، وأنا أؤمن بقوة الحب والعاطفة في العمل الروائي، وإذا كان الكاتب الروائي ميلان كونديرا قال إن كل الروايات العظيمة ترتكز على روح السخرية، فإنني أعتقد أنها أيضا يجب أن ترتكز على قوة العاطفة.
ـ حولت روايتك “الوداعة والرعب” إلى فيلم سينمائي بعنوان “فتاة من إسرائيل”، وكتبت سيناريو “آيس كريم في جليم” أحد أفلام الموجة السينمائية الجديدة؛ مع هذا لا يبدو بشكل بارز وجود تداخل في الأشكال الفنّية في كتاباتك السردية والتي كما تبدو لي، يشغلها بناء فني يتطوّر وينمو في إطار الشكل ذاته. إذا ما استثنينا بعض القصص التي تطلّعت فيها إلى فضاءات تجريبية مختلفة، هل يمكن وصف الملمح التجريبي لديك بالصرامة البنائية؟
ـ أنا حريص على تمايز كل شكل على الآخر، وعندما أكتب في أي شكل أكون مخلصاً على أن يكون له تطوره الخاص، ولكن دعني أعترف أن تجربتي مع السينما غاية في الفشل، عندما قابلت النجم عمر الشريف للمرة الوحيدة في حياتي قال لي في أسف: “إن سبب تأخر السينما المصرية أن الذين جاؤوا إلينا كانوا كتابا من الدرجة الثانية، لم يأت إلينا كاتب من الدرجة الأولى إلا نجيب محفوظ”. ولا أدري لماذا دفعني هذا القول رغم قسوته للكتابة مباشرة للسينما، كتبت أكثر من سيناريو.. وقد أثر هذا على عملي في الرواية.. وفي كل مرة كنت أكتب فيلما كان المنتجون يهتفون “هايل.. عظيم” ويوقعون معي عقودا، بل ويعطونني نقودا، ثم يكتشفون في وقت التنفيذ أن الفيلم “مثقف” أكثر مما ينبغي، رغم أنني ـ والله العظيم ـ أكون حريصا وأنا أكتب على أن أكون على البعد عن التفلسف والتحذلق، وأحاول أن أراعي متطلبات السينما التجارية قدر طاقتي، ولكني اكتشفت في النهاية أنها سينما مريضة، أفلام قليلة منها أصيلة، أما البقية فهي تعيش على السرقة والاقتباس، خلافا لما يقوله عمر الشريف هي التي تطرد المبدعين وتبقيهم بعيدا.دعنا نتحدث إذن عن الرواية، ودعني أختلف معك في تعبير الصرامة البنائية، فالعمل الروائي في نظري أشبه بالغابة، فيه قدر كبير من الأحراش العشوائية والمسارب المظلمة وطرقات التوهان، والمفاجآت التي تغير مسار تفكيرك، ولكن هناك إيقاع يحكمها من بدايتها لنهايتها، في السينما الحكاية لها المقام الأول، أما في الرواية فإن الشخصيات هي التي تقودك، تفرض وجودها عليك، وأحيانا تؤلف نفسها، لا أحد يستطيع أن يكون صارما مع كيان حي لا يكف عن النمو.
فقد “جواز سفر”
ـ عملك في الريف المصري كطبيب بعد تخرّجك من كلية طب المنصورة عام 1975 لوحظ أثره على خبرتك المكانية المبثوثة في عدد من مجموعاتك القصصية، كما أن رواية “قمر على سمرقند” جاءت بعد رحلات صحفية كثيرة تطلّبها عملك في مجلة “العربي” الكويتية. كيف تنظر إلى المكان كمؤثر على الكاتب، وإلى أي حد يمكن أن يكون محفزاً ومحرّضاً على الدخول إلى عوالم جديدة في الكتابة، كما هو الحال في تداخلك مع أدب الرحلات في “قمر على سمرقند”؟
ـ دعني أعترف بفضل مجلة “العربي” علي في تأليف “قمر على سمرقند”، فهذه المجلة الثقافية العريقة التي توالى على رئاسة تحريرها نخبة من المثقفين العرب المتفتحي العقول بدءا من أحمد زكي بك حتى الدكتور سليمان العسكري، وهو الذي عملت معه لسنوات طويلة، هي التي أتاحت لي ولزملائي تجربة الخوض في كل بلاد العالم، وكتابة ما يحلو لنا دون ضغط أو توجيه، لقد تعلمت من خلال عملي في المجلة، الذي تركته منذ عدة أشهر، كيفية الإحساس بروح المكان، وكان الدكتور العسكري يقول لنا دوما، لا يوجد مكان محايد، ولكن لكل مكان قضية علينا أن نبحث عنها، وقد جسدت هذا الأمر ليس فقط في رواية “قمر على سمرقند”، ولكن في رواية أخرى اسمها “جواز سفر”، كنت أحكي فيها عن قصة كل ختم على جواز سفري، كانت رواية جريئة، مليئة بألوان متعددة من الثقافات، أقول كانت لأن مخطوط الرواية فقد مني ـ أي والله ـ وقد جننت بسبب ذلك وبحثت لاهثا في كل مكان، وأصابني الاكتئاب، ولم أستطع أن أعيد كتابة المخطوط مرة أخرى، رغم محاولتي ذلك، ولا زلت حزينا على هذه الرواية حتى الآن، وأنا أتوسل من خلال هذا المنبر إلى من يجدها أن يعيدها إلي، فأنا متأكد من أنه لن يستفيد منها شيئا لأنه لن يستطيع قراءة خطي المنمنم الشبيه بنبش الفراخ ولا يستطيع أحد قراءته سواي.
ـ في ذكر رواية “قمر على سمرقند” كيف تقرأ جرأة الرقيب على “سلسة رواية الهلال” في قيامه بحذف ثلثها، ونشرها دون الرجوع إليك؟
ـ إنها جريمة لا تحتمل جعلتني أقاطع دار الهلال التي كنت أعشق النشر فيها، ففي بعض مؤسسات النشر الحكومية تكون سطوة الموظف متسلطة على رقبة المبدع، اعتقد أن هذا الموظف قد أساء إلى سمعة دار الهلال، تلك المؤسسة الثقافية العريقة التي تربينا على سلاسلها الشهرية، وقد نشرت فيها خمسة أو ستة من كتبي، وكنت سعيدا بالسعر المعقول الذي تطرح به كتبها وتجعله يصل للقارئ العادي، ولكني حرّمت ولن أذهب إليهم بعد ذلك.
ـ ما يلحظه القارئ أن قيامك بإعادة تقديم شخصيات ووقائع من التاريخ من خلال كتبك: “شخصيات حيّة من الأغاني”، “وقائع عربية” و”تفاصيل الشجن في وقائع الزمن” جاء من هاجس التطلّع إلى المستقبل عبر الماضي، وليس هاجس الحنين إلى الزمن أو إلى الحال نفسه. إلى أي حد ما زلنا بحاجة إلى الماضي؛ ألا نستطيع المضي بدون إرثه، خصوصاً أن المستقبل صار يحمل لنا إرثاً لم نبلغه؟
ـ بدأ اهتمامي بالعودة إلى التاريخ بعد هزيمة يونيو المروعة، فعلى إثر هذه الهزيمة فقدت ثقتي في الشخصية العربية بشكل عام، والمصرية بشكل خاص، وتخيلت أننا أمّة تعيش على تاريخ من الأكاذيب، لا توجد فيه أي انتصارات أو إنجازات حقيقة، الشيء المؤكد هو تاريخ القمع المتواصل الذي أدى بنا إلى هذا الوضع المزري، لقد حاولت أن افهم لماذا حدث ما حدث، ولماذا كانت الهزيمة بهذه القسوة، فهي لم تلن تقتل فينا كل الأحلام الجميلة وحسب، ولكنها أيضا عن واقع شديد القسوة لا يمكن احتماله، كان التاريخ مهربا، ووسيلة للبحث عن أجوبة، ودرعا نحمي خلفه ذواتنا العارية، ولم يتغير الأمر كثيرا منذ ذلك الحين، فالواقع المصري ما زال بالغ القسوة، وإن كان لي الحق في أن أحور قول ديستوفسكي الشهير عن روسيا فإنني أقول “من المستحيل الحياة داخل مصر، ومن المستحيل الحياة خارج مصر” وأعتقد أن هذا القول ينطبق على معظم بلادنا العربية.
أفضل أشكال التعبير
ـ في سبعينات القرن الماضي، التي برزت فيها، وقبلها، كان للقصة القصيرة مكانة مميّزة في الحياة الثقافية، على مستوى النشر والتداول والاحتفاء بكتّابها. ما يلاحظ حالياً أن الرواية أزاحت الكثير من مكانة القصّة القصيرة، والشعر أيضاً. بما أنّك كتبت خمس مجموعات قصصية قصيرة، توصف بالمهمّة في تاريخ السرد العربي، وكتبت خمس روايات أيضاً؛ ما هو هاجسك الخاص حول محفّزات نمو الرواية وانتشارها وتراجع الأشكال الأخرى؟
ـ القصة القصيرة هي خطوة البداية دائما، إنها دفقة أشبه بولادة القصيدة، شهادة ميلاد للكاتب، وشهادة الميلاد في العادة لا تتعدى الصفحة الواحدة، ولكن المضي في رحلة الحياة يحتاج لمزيد من الصفحات، وهنا تأتي خبرة الرواية، لا يمكن لنا في البداية أن نكون كتابا للرواية ونحن في مقتبل العمر، الشاعر يولد شاعرا، ولكن الروائي يحتاج للتزود بالكثير من الأدوات ليدخل هذه التجربة، وإلى كم كبير من المعرفة، وقد أصبحت الرواية على استيعاب أحدث منجزات العلم، وآخر شطحات الفكر، وكل تعقيدات السياسة ومحرمات الجنس، كل الرغبات والأهواء، وفي عالم معقد كعالمنا، هي أفضل الأشكال للتعبير عنه، وعندما كنت في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب منذ عدة سنوات وجدت إحصائية عالمية تقول إن 82% من القراء يقرأون الرواية بينما 12% فقط يقرأون بقية صنوف المعرفة الأخرى، هل تتصور ذلك؟
ـ لك تجربة تمتد منذ 25 سنة في الكتابة للأطفال، في مجلتي “ماجد” و”العربي الصغير”، وصدرت لك في هذا المجال حوالي ستة كتب. ألم تزح وسائل الاتصال الحديثة، من انترنت وكتاب الكتروني وتلفزيون، كتب الأطفال وصحافته الورقية من مكانتهما العريقة كمصدر ثقافي للطفل؟
ـ لم يحدث أن أزاحت وسيلة للمعرفة وسيلة أخرى، الكتاب يعيش بجوار الراديو، والراديو بجانب السينما، والفيديو بجانب الكومبيوتر، ومهما تعددت وسائل الاتصال فهناك حاجة دائمة لوجود المؤلف، والكاتب الذي جرب الكتابة للطفل يظل في حاجة دائما لمواصلة هذا النوع من الكتابة، فهي تحدث في داخله نوعا من التوازن، أذكر أنني كنت وما زلت معجبا بكاتبة الأطفال الإنجليزية جوان أيكن، بقدرتها على الخيال، وغنائية اللغة التي تستخدمها، وذلك السمو والتعاطف الذي تصور بها شخصياتها، ثم وقع في يدي واحدا من مؤلفاتها لعالم الكبار، وقد أفزعني بحق كل ما فيه من عنف وقسوة، وأدهشتني فكرة أن تحتوي كاتبة واحدة هذين العالمين المتناقضين، قيل إنها محاولة للتطهر، لتفريغ كل ما في داخلها من قسوة وظلمة حتى تصل إلى فكرة التوازن الذي يحتاج إليه الكاتب ليواصل حياته.
ـ سبق وأن فزت بعدد من الجوائز، التشجيعية والتقديرية، والآن أنت مرشح لجائزة البوكر العربية، في ظل لغط واسع صاحب اختيار القائمتين الطويلة والقصيرة، وشمل الأعمال والمحكّمين والإدارة. هل الجوائز الأدبية صارت همّاً للكاتب العربي استدعته التحولات المعيشية والثقافية، بعد أن كان الكثيرون يعتبرون أنفسهم خلال عقود ماضية حاملي “رسالة” أو “قضيّة” لا تنتظر المكافأة من أحد؟
ـ الجوائز الأدبية في غاية الأهمية بالنسبة للكاتب، فهو يمارس عملية الكتابة وحيدا في غرفة مغلقة، لا يوجد لديه مقياس ليعرف إن كان ما يكتبه جيدا أو رديئا، أو إن كان الناس يشعرون بوجوده أم لا، ولكن عندما تأتي مناسبة نادرة كالفوز بالجوائز فجأة، يدرك الكاتب فجأة، أنه ما زال موجودا، وأن هناك من يراه رغم عزلته، إنها لا تخلق كاتبا ولكنها تلفت الأنظار إلى وجوده، فهي مقياس مهم لعمل لا قياس له، ما زلت أحتفظ في أوراقي الشخصية ببرقية تلقيتها في عام 1988 عندما فزت بجائزة الدولة التشجيعية للآداب، كان فيها كلمتين “أشكرك وأهنئك” كانت قادمة من أقاصي صعيد مصر، من شخص لا أعرفه، وجد أن عليه أن يتحمل مشاق الذهاب لمكتب التلغراف ويدفع ثمن برقية لشخص لم يره، ولن يقابله، ولم أكن قد فعلت ما يستحق هذه المشقة.
ـ ماذا عنك شخصياً، كيف ستستقبل البوكر العربية، إذا فزت بها، وماذا ستعمل؟
ـ أنا سعيد بوصولي إلى مرحلة متقدمة في هذه الجائزة المهمة والتي صنعت مكانة مميزة للرواية العربية وساهمت في ترويجها، وأتمنى أن تكون وسيلة للفت أنظار المهتمين بالأدب العربي في داخل الوطن العربي وخارجه إلى كتاباتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* علي المقري : ناقد وشاعر يمني
* محمد المنسي قنديل : قاص وروائي مصري ولد عام 1949 في مدينة المحلة الكبرى بغرب الدلتا في مصر.تخرج من كلية الطب في المنصورة عام 1975 إلاّ أنه بعد أن عمل في مجال الطب لمدة عام ونصف العام في الريف المصري (المنيا)، وفترة أخرى في التأمين الصحي في القاهرة قرّر اعتزال الطب والتفرّغ للكتابة. فكتب القصة القصيرة، والقصة المخصصة للأطفال، والسيناريو للسينما، إلى جانب الاستطلاعات المصورة العالمية التي كان ينشرها في مجلة “العربي” الكويتية الشهيرة، أثناء عمله فيها.
فاز وهو مازال طالبا في عام 1970 بالجائزة الأولى في نادي القصة عن قصة “أغنية المشرحة الخالية” التي ضمها كتابه الأول: “من قتل مريم الصافي” الحائز جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 1988. كما فاز بجائزة نجيب ساويرس للأعمال الأدبية عن رواية “قمر على سمرقند”، وقامت الجامعة الأميركية في القاهرة بترجمة الرواية إلى الانجليزية ونشرها.من كتبه الأخرى، مجموعات قصصية: “احتضار قط عجوز”، “بيع نفس بشرية”، “آدم من طين”، و”عشاء برفقة عائشة”، وروايات: “الوداعة والرعب”، و”انكسار الروح”. للمنسي أربعة كتب، سرد فيها جوانب قصصية من التاريخ العربي برؤية جديدة. وله، أيضاً، أكثر من سبعة كتب قصصية للأطفال.جاء في قرار لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية التي صعدت بموجبه روايته “يوم غائم في البر الغربي”، دار الشروق بالقاهرة 2009، إلى القائمتين الطويلة والقصيرة للجائزة:
“يحيي الروائي المصري محمد المنسي قنديل فترة الاكتشافات الأثرية والنضال الوطني في مصر، ويضمنها ملحمة فتاة تهرب بها والدتها من زوجها المغتصب، وتودعها ديرا في أسيوط بعد أن تغير اسمها وتدق على ذراعها الصغيرة صليبا. ثم يتداخل مصير الفتاة وقد أضحت مترجمة، مع مسيرة شخصيات تاريخية مثل هوارد كارتر واللورد كرومر وعبد الرحمن الرفاعي. ويتداخل القص الشيق مع التوثيق الدقيق في وصف الأمكنة والأزمنة”.