د.جابر عصفور: الأسواني لا يمثل قيمة أدبية وتشبيهه بالغيطاني تدليس نقدي

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورته : سهير جودة

هل تحولت ظاهرة تبادل الاتهامات والسب والقذف من الإعلام الرياضي لتنطلق في ملاعب المثقفين؟ وإذا كانت لغة الحوار في هذا الإعلام وصلت إلي درجة من التدني والعبث فهل من الطبيعي أن تصبح هذه اللغة نفسها هي لغة المثقفين؟  الترفع عن كل ما هو أقل وأسوأ وأدني المفترض أن يكون قناعة المثقف ومبدأه، لكن هل ما ينبغي أن يكون شيء والواقع أصبح شيئا آخر؟ ، ما حدث بين د. علاء الأسواني ود. جابر عصفور يطرح كل هذه الاستفهامات وغيرها، ومن نقطة بداية انطلاق هذه المعركة الثنائية بدأنا الحوار مع د. جابر عصفور الذي قال

- حدث أثناء تواجدي في معرض كتاب بإيطاليا أن سألني صحفي في إحدي وكالات الأنباء العالمية: هل صحيح أن كتب «علاء الأسواني» ممنوعة في مصر وأن هناك تضييقا عليه من دور النشر؟ أجبت بالنفي القاطع قائلا:  هذه أكاذيب..

و«عمارة يعقوبيان» انتجت فيلما ومسلسلاً قام بإنتاجه تليفزيون الدولة والأسواني يكتب مقالا أسبوعيا في إحدي الجرائد اليومية، وهذا يؤكد أنه لا يوجد أي منع له، بعدها قرأت لـ «علاء الأسواني» مقالا يؤكد فيه أنه تم تكريمه من وزير الثقافة الفرنسي ضمن «13 أديبا عالميا»، وهذا شيء مفرح وجميل، وفي هذا المقال أخذ يسفه من الحكومة وهذا حقه، لكنه تحدث عن جوائز الدولة بأنها جوائز «فاروق حسني» وأنها لاتتسم بأي صفة وأن الذي يمنحها هو فاروق لمن يرضي عنه.. هذا المقال استفزني فكتبت مقالا في الأهرام بعنوان «افتراء كاتب مصري بمناسبة تكريم فرنسي»، ويبدو أن هذا الكلام لم يعجب «د. الأسواني» فأجري حوارا علي صفحة كاملة في جريدة الشروق يؤكد فيه أنني أصبحت حامل خاتم أعمال الوزير، وأنني كنت ناقدا واعدا!! وعندما نشر هذا الكلام لم أكن موجودا في القاهرة، حيث كنت في ليبيا للحصول علي جائزة وصفها «الأسواني» بأنها «جائزة القذافي لحقوق الإنسان»، ولما رأيت في هذا الحوار ما لا يليق بآداب الحوار كتبت في الأهرام سلسلة مقالات.. أخذت مما كتبه الأسواني «عينة» وقمت بتحليل الخطاب الثقافي الآني وخرجت بقناعات منها انحدار الخطاب الثقافي وانعدام آداب الحوار الديمقراطي والذي يعتمد علي الصدق والموضوعية وعدم الإسفاف وعدم الانتقال من موضوع إلي آخر، ثم إن هناك شيئا مهما آخر هو تسييس الثقافة، وهذا عيب وخطر حقيقي.

– هـل يوجـد موقــف مســـبق بينـك وبــين د. الأسواني؟

– علي النقيض تماما، فعندما صدرت «عمارة يعقوبيان» اقترحت علي المخرج الراحل رضوان الكاشف تحويلها لفيلم سينمائي وقام علاء الأسواني بشكري تليفونيا لأنني نشرت هذا الكلام، وقد كتبت عن «عمارة يعقوبيان» أنها جيدة.. هي ليست جيدة جدا أو ممتازة، لكنني أري أن الأسواني لا يمثل قيمة أدبية، فقد كان رأيي ولايزال أنه كاتب متوسط القيمة، فهو ليس من مستوي «الغيطاني» أو «بهاء طاهر» مثلا، ومن يصفه بذلك يقوم بالتدليس النقدي ويخون أمانة النقد ونزاهته بدليل أن «شيكاغو» الرواية الثانية للأسواني ليست علي المستوي، وقد كتبها وعينه علي الترجمة، وهذه ظاهرة بدأت في الانتشار، حيث إننا أصبحنا نعيش عصر الرواية الرائجة وليس الرواية الحقيقية.

– تقصد بالرائجة الرواية الجماهيرية أو التي تملك مفاتيح الانتشار وأن هذه النوعية ليست رواية عميقة؟

– هناك نوع من الكتابة يتجه الآن إلي المترجم الأجنبي، فهناك رواية اسمها «موت أميرة» تتحدث عن إعدام أميرة سعودية وتمت ترجمتها وتجد رواجا هائلا في الغرب أيضا كتاب «بنات الرياض» لكاتبة سعودية اسمها «رجاء الصلح» هذا الكتاب طبعته كبري دور النشر في العالم وهي «البونجوون»، وقد عرضت ترجمتها علي المستعرب الشهير «روجر آلان» الذي ترجم لنجيب محفوظ، لكنه استنكر ترجمة هذه الرواية، حيث لم يرها رواية أصلا، فقاموا باللجوء إلي مترجمة أخري، هناك رواية اسمها «برهان العسل» للكاتبة السورية «سلوي النعيمي»، وهي رواية تعتمد علي الجنس بالدرجة الأولي، وبالتالي تثير فضول القارئ الأجنبي، كما تسيل لعاب القارئ العربي، مثل هذا «عمارة يعقوبيان»، حيث وزعت عربيا 118 ألف نسخة قبل الترجمة، وقد أقبل عليها المترجمون لنفس أسباب الروايات التي ذكرت، فالرواية خلطة توابل من الجنس والشذوذ والفساد والتعريض بكبار السياسيين والإشارة إلي شخصيات نستطيع إعادتها إلي أصحابها الحقيقيين، فهي رواية فضائحية، لكنها جيدة، إنما ليست في حجم ثلاثية نجيب محفوظ ولا ترتفع إلي قامة «أولاد حارتنا» أو تصل إلي الامتياز الروائي لـ «الزيني بركات» للغيطاني، أو «الحب في المنفي» لبهاء طاهر، لكن الرواية بها قدر هائل من الجسارة وجاءت في لحظة تاريخية حين كانت الصحف لا تتمتع بهذه الحرية، الآن لو نشرت «يعقوبيان» لن تجد هذا الصدي الضخم، وهذا يؤكد أن جزءا من أهميتها يرتبط بالظرف الزمني، وهذا علي عكس الأعمال العظيمة التي تتجاوز ظرفها الزمني وتحتفظ بقيمتها في كل عصر، وأعتقد أن الأسواني عندما وجد أن «يعقوبيان» حققت هذا الكم الهائل من التوزيع وأثارت انتباه القارئ الغربي فقد كتب «شيكاغو» بمواصفات تشبع فضول هذا القارئ، فهي مكتوبة سلفا لقارئ جاهز، ولم تحقق نفس رواج ونجاح «يعقوبيان» لأنها أقل صدقا وعفوية وتلقائية ومكتوبة لغرض مباشر تجاري.

– تحدثت عن خطر «تسييس» الثقافة والبعض يري أن هناك بعض المثقفين لا يأخذ الإبداع هدفا وإنما جسر للظهور السياسي ليصبح رقما في المعادلة السياسية الموجودة بالشارع!

– اتساع هامش الديمقراطية جعل من ادعاء البطولة والمزايدة علي الناس هدفا لدي البعض، فيمكن لهؤلاء أن يقولوا ما يريدون ابتداء من القذف والسب إلي الإدانة والاغتيال المعنوي، وهؤلاء لا يتمتعون بالصدق ولا بالأمانة وأقوالهم لا تتسق مع أفعالهم، وهناك استثناءات فأنا كقارئ أحترم «سلامة أحمد سلامة» لأنه شجاع ولا يدعي بطولة زائفة وقوله يتسق مع فعله، وهو ليس من هواة الشهرة، ولكن صدقه جعله «مشهورا»، وعندما يوجد كاتب بمواصفات «سلامة» أحترمه ولكن الأغلبية الآن تعيش في «هيصة» يختلط فيها الحابل بالنابل، إنهم ليسوا كتابا بل «سبابين» يتصورون أن «سب» الحكومة فرصة لنيل الشهرة، وهامش الحرية الذي سمح لهؤلاء «السبابين» بالظهور هو نفسه الذي أوجد نوعية الروايات الرائجة التي لا تحمل إبداعا حقيقيا!

– معني ذلك أن الديكتاتورية تحرض علي الإبداع الحقيقي والديمقراطية «تسطح» الإبداع؟

– الديكتاتورية تحرض علي الإبداع دائما، وهذه مفارقة تاريخية في عز الديكتاتورية الناصرية ظهر إبداع هائل استطاع أن يصل إلي قمة الرقي ومن خلال الرمز استطاع «تعرية» الأشياء وكشفها وخلق شخصيات روائية بديعة، فمثلا شخصية مثل «سعيد مهران» في «اللص والكلاب» شخصية تصلح في كل زمان وأيضا «ميرامار»، وأنا أري أن «ميرامار» هي الأصل في رواية «يعقوبيان»، فقد كانت تتحدث عن «بنسيون» كل غرفة تسكنها شريحة اجتماعية مجسدة في نموذج بشري، و«الأسواني» أخذ البناء الأفقي وجعله بناء رأسيا في «عمارة يعقوبيان». – وتبقي «ميرامار» رواية حقيقية فيها درجة عالية من الصدق والتعمق في الشخصيات بما يجعلها ترتفع فوق المناسبة والظرف الزمني لتبقي شخصياتها حية تحرض القارئ علي قراءتها مرات ومرات، الشيء نفسه في «ثرثرة فوق النيل»، الديكتاتورية تخلق نوعا من التمرد الإبداعي عليها، ففي العالم الثالث لا تمنع الديكتاتورية وجود أدب عظيم، ولم توجد ديكتاتورية تملك منع الأدب الحقيقي، لأنه قادر علي المقاومة والمراوغة، الديكتاتورية تكون أحيانا حافزا رئيسيا لروائع الأدب ليس في العالم الثالث فقط، لكن في العالم كله.

– «مثقف السلطة» «العميل» هي أوصاف واتهامات تتداول في الأوساط الثقافية تؤكد أن هناك لعبة ما بين المثقف والسلطة.. وربما تكون هذه الظاهرة بدأت مع ثورة يوليو فهل هي ظاهرة مصرية وعربية أم عالمية؟

– هذه حالة الشعوب في العالم الثالث لأنها لا توجد في مجتمعات تتحقق فيها الديمقراطية بشكل كامل، فمثلا لو وصفنا وزيرا إنجليزيا : أنت «عميل للسلطة» سيكون ذلك عجيبا لأنه موظف في الدولة، الاتهامات بالخيانة والعمالة، وما شابه ذلك تنتشر عندما تكون الدول في حالة التردي، وتكون الحكومات متسلطة، هنا يكون الحوار الديمقراطي في خطر ويكتسب صفات السلبية خصوصا عندما يشيع «العنف» في المجتمع نتيجة الأزمات المختلفة، فكل ضغط يؤدي إلي انفجار ويأخذ هذا الانفجار مستويات مختلفة منها «اللغوي» و«السلوكي»، وتكون هناك ظواهر ثقافية وفنية غريبة مثل «أبوالليف» و«محمد سعد» والروايات الرائجة لأن ثقافة الناس سطحية.

– أنا ضد الحكومة عندما لا تنجح في حل مشاكل الناس، أنا ضد المشاكل الجديدة علينا مثل «المياه والخبز والغاز» وهذا القدر من البطالة والأزمات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه أنا ضد أي شيء زائف، ولهذا أٌحارب أحيانا من «المعارضة المراهقة» وأحيانا ينظر إلي نظرة فيها غضب من السلطة، وكما أري أن هناك بعضا من أعضاء الحكومة مجرمون في حق الشعب.. أري أن هناك فسادا موازيا في المعارضة، وأن هناك بطولات زائفة في سب الحكومة.

– الجائزة التي حصلت عليها من ليبيا مؤخرا جائزة أثارت الجدل ليس في مصر وإنما بين المثقفين الليبيين أنفسهم.. لماذا قبلتها؟

– هذه الجائزة وصفها «الأسواني» بأنها جائزة القذافي لحقوق الإنسان، وهذا غير صحيح، ويدخل ضمن الأكاذيب الكبري، فهذه الجائزة تمنح للمرة الأولي واسمها جائزة القذافي للآداب العالمية، ولم أقبلها إلا بعد أن عرفت المبادئ التي تحكمها وهي أنها تمنح للإبداع الإنساني في مجالات الآداب التي تسهم في الانتصار لقضايا الحرية وتهدف الجائزة إلي تحقيق الإسهام في دعم الحركة الأدبية العالمية الملتزمة بقضايا حرية الإنسان والشعوب وتعزيز روح التسامح فيما بينها، ومن المعايير أيضا اعتبار القيم الفنية والجمالية معيار التفاضل بين الآداب الإنسانية دون تعصب لعرق أو دين أو نزوع عقائدي محدد، وأيضا منح رموز الأدب فرصة عبور لغاتهم بالترجمة إلي اللغات الأخري، وقد نلت الجائزة عن كتاب «نجيب محفوظ الرمز والقيمة»، وقد تم طبع هذا الكتاب وترجمته من خلال هذه الجائزة.

– هناك آراء تؤكد أن المثقف لابد أن يكون علي يسار السلطة لأنه طامح وطامع للتغيير دائما؟

– أؤيد هذا الرأي تماما لأن المثقف لابد أن يكون علي يسار السلطة حتي لو كان يعمل في الدولة، وهذا شرفه.

– ولكنك تعمل في الدولة ولهذا تنالك الاتهامات!

– لا أهتم بها، لأنني علي يسار السلطة بالمعني الإيجابي، وأنا لا أعمل في الحكومة فأنا أستاذ في الجامعة ومدير المركز القومي للترجمة فأنا أعمل في دولة، وهذه المؤسسات ملك الشعب مثل قناة السويس والأهرامات، وأنا كمثقف أضع الدولة وسياستها موضع المساءلة.

– جوائز الدولة وأنت أحد المسئولين عنها يحيط بها الكثير من الاتهامات التي تنال من مصداقيتها!

– أي إهانة لجوائز الدولة التقديرية ظلم بيّن، وهي اتهامات غير حقيقية، وأنا أتحدي أي شخص يأتي باسم حصل علي «جائزة مبارك» لا يستحق هذه الجائزة، فبنسبة أكثر من 90% تذهب الجوائز لمن يستحقها.

– إذن هناك نسبة تذهب لمن لا يستحق؟

– قليلة جدا وتدخل فيها مجموعة من الجوانب السلبية التي لا تخلو منها أي جائزة في العالم، حتي جائزة نوبل ذهبت إلي أشخاص بلا قيمة كبيرة مثل «جدوعان» الأديب الإسرائيلي!

– وما الجوانب السلبية التي تجعلها تذهب في مصر إلي من لا يستحق؟

– قد يري بعض أعضاء لجنة التحكيم أن جماهيرية أو شهرة البعض جزء من قيمته أو أكثر من القيمة، وهذا خطأ، أنا أري مثلا أن «سيد القمني» لم يكن يستحق جائزة الدولة التقديرية ولم أعطه صوتي، لكنه حصل علي أغلبية الأصوات التي رأت فيه شخصا مشهورا يضيق علي الجماعات المتطرفة، ورأت في هذا موقفا يستحق الجائزة وهذا خطأ ينبغي ألا يتكرر.

– المشهد الثقافي لا يرتقي بالمجتمع لكنه أصبح مرآة للأمراض والأخطاء.. فهل الثقافة أصبحت تابعة ومنقادة للسلبيات بدلا من قيادة المجتمع إلي الأمام؟!

– إننا نعيش حالة كاملة من الفوضي غير المنظمة، وأصبح الكبير صغيرا والصغير كبيرا، وأحيانا كبيرا جدا، إننا نعيش مشهدا عبثيا ليس هناك اتجاه واضح، والخطاب الثقافي في أسوأ حالاته انحدارا وفوضي وتشددا، وبالفعل لابد من وجود مجموعة من العقلاء لإعادة التوازن، لابد أن تعود الثقافة إلي قيادة المجتمع إلي الرقي.

– وكيف تستطيع الثقافة أن تلعب الدور الغائب الآن؟

– لابد أن يكون هناك تثقيف جذري يتحرك بجناحين بينهما جسر: الجناح الأول هو الدولة ممثلة في وزارات التعليم والإعلام والثقافة والأوقاف والعمل، والجناح الثاني المجتمع المدني بمؤسساته النقابات والجمعيات الأهلية، لو عملت هذه الأطراف معا من خلال جسور المجلس الأعلي للثقافة والمجلس الأعلي للشباب والرياضة ستنتقل مصر وتتغير في عشر سنوات، المهم أن تكون هناك استراتيجية، نحن بلا استراتيجية ثقافية، لابد أن يكون في الحكومة مجموعة للتثقيف تمثل الوزارات الخمس «التعليم والإعلام والثقافة والأوقاف والعمل»، مثلما توجد مجموعة اقتصادية، نحن نمتلك الإمكانات والأدوات، مصر ليست دولة فقيرة في الثروات وإنما هي فقيرة في التخطيط.

 

مقالات من نفس القسم