شقته واسعة ومرتبة، ويعطيك الدرس في غرفة مكتب أنيقة، لم تفهم منه، ولكنه وعدك بأنه سيخبرك بعلامة تضعها في ورقة الامتحان؛ حتى ينجِّحك.
كل مرة ترى الشقة هادئة ونظيفة، فسألته:
ـ لكن أين أولاد حضرتك؟
أشعل سيجارة كليوباترا بوكس، ويقول:
ـ ربنـا لم يأذن.
يكمل لك الإجابات الناقصة في امتحانات الشهور، ويعطيك الدرجة النهائية؛ لأن كل الفصل يعرف أنك الوحيد الذي دخلت عنده.
وعندما علم أنك تدخن صار يعزم عليك بالسجائر، ويقول:
ـ أنا أحب أن أكون أنا وطلابي أصدقاء.
تتبادل أنت وزملاؤك الصور الجنسية، ويحكي أصحاب الخيال الواسع منكم عن تجارب مكتملة أو مبتورة، كلُّ حسب خياله.
لكنك لم تتصور أبدًا أن ترى امرأة حقيقية عارية تمامًا، على بعد عدة أمتار، تتحرك جيئة وذهابا.
منضدة مستطيلة تتوسط غرفة المكتب، يعطيك الدرس عليها، كانت في الأصل ترابيزة سفرة من طراز قديم.
يجلس هو بجوار الباب ووجهه لك، وتكون أنت مواجهًا لفتحة الباب الموارب، ترى جزءا من سجادة الصالة، وكرسي أنتريه، ولوحة معلقة على الحائط بها قارب وصياد وشجرة نابتة في وسط النهر.
يشرح لك درس ((الخلية النباتية))، وبينما هو مندمج في الرسم، تمر زوجته بالصالة، عارية تمامًا، ومبلولة، يلتصق شعرها الأسود القصير برقبتها وظهرها وهو يردد:
ـ البلاستيدات الخضراء.
سمينة وطويلة، تسير وظهرها لك، ثم تنحني وتلتقط الفوطة من على الأرض، تستدير، فتراها بالكامل من الأمام، وتأتي عيناها في عينيك، ثم تختفي.
أخبرت كل زملائك بما رأيت، وبأن الأستاذ ناصر ظريف عاجز جنسيًا، بدليل أنه لم ينجب حتى الآن، وقد تجاوز الأربعين، ومن واحدة مثل زوجته.
دخل كثير من فصلك درس الأحياء، وصرت تذهب إلى الدرس مع مجموعة، وصار هو يغلق باب المكتب؛ حتى لا تتسرب الضوضاء إلى المدام بالخارج، كان يناديها في أثناء وجودكم بـ ((يا ناصر)).
لكنك عرفت أن اسمها ميادة من أمها التي زارتهم مرة، وكل قليل تقول:
ـ يا ميادة.. يا بنت يا ميادة.
في حين أسميتها أنت وزملاؤك: ((البلاستيدات الخضراء))، وصارت كلمة السر بينكم للإشارة إليها، وكان الولد أحمد عاطف حتى يضحككم يقول للأستاذ ناصر ظريف:
ـ البلاستيدات الخضراء حلوة جدا يا أستاذ.
كل واحد منكم يتخيل نفسه معها وهي في الوضع الذي حكيته لهم، أنت الوحيد الذي رأيتها هكذا، ولمرة واحدة، أما هم فلم يروها إلا بجلباب البيت العادي، إلا أن سمنتها الخفيفة مناسبة لتحريك خيالهم.
تضايقت لأنك أخبرتهم، فباب المكتب لم يفتح من يومها، لكنك صرت تحلم بها ليل نهار، أحببتها وأحببت درس الأحياء، صرت تنتظره بفارغ الصبر.
في وسط الدرس قلت:
ـ لو سمحت يا أستاذ.. أريد أن أذهب إلى الحمام.
تخيلت أنه سيقول لك: اذهب. فتخرج لتجدها على الصورة التي لا تتخيلها إلا بها، وهي مبلولة، لكنه قال:
ـ حاضر.
خرج قليلا، وأغلق الباب خلفه، ثم رافقك حتى رجعت من الحمام، لمحت في الصالة بواقي تفاح، وقشر موز، وكان التليفزيون مفتوحًا على فيلم أجنبي في الدش. أثار تفرجها على الدش خيالك، وأقنعت نفسك أن المطلوب منك فقط أن تنفرد بها، وستقوم هي بالباقي.
في الفسحة قفزت من على سور المدرسة، ركبت متوجها إلى بيت الأستاذ ناصر وقلبك يدق بعنف، تفكر في ملمس شعرها الناعم المبلول.
لم تضغط على الجرس، طرقت طرقة واحدة، وانتظرت حتى فتحت لك، ترتدي معطف نوم أصفر محبوكا حول جسدها، ووجهها يحمل آثار النوم، خمنت أنها لا ترتدي شيئا تحته، قلت:
ـ الأستاذ موجود.
هزت رأسها بالنفي.
ـ الصراحة أنا تغيبت اليوم من المدرسة.. الصراحة حسبته لم يذهب.. الصراحة لم أفهم الدرس الماضي…
وهي صامتة تنظر إليك، وتدرك أنت أن كذبك مفضوح؛ لأنك مرتبك، وترتدي ملابس المدرسة، وتحمل الحقيبة. قلت:
ـ طيب ممكن أنتظره.. هو زمانه في الطريق.
تركت لك مسافة لتمر، ثم أغلقت خلفك، ودخلت حجرة النوم، أثارك تثنيها وهي منصرفة. وأنت مرتبك تخشى أن يكون دخولها إلى غرفة النوم دعوة لك، فتقول عليك ((عبيط)) إذا لم تدخل. لكنك تخاف أن تقوم.
عادت، وجلست على طرف الكنبة القريب منك، قالت:
ـ ممكن أطلب منك حاجة؟
حاولت أن تنظر على ركبتها أو فتحة صدرها وأنت تهز لها رأسك بالموافقة، قالت:
ـ أريد مجلة نص الدنيا.
ووصفت لك أكثر من بائع جرائد. شعرت برجولتك تتضاءل وهي تعطيك ثمن المجلة، لم يكن بجيبك سوى أجرة الرجوع، تمنيت لو تقول لها بفخر:
ـ لا والله أنا معي.
لكنك أخذت منها النقود في انكسار، وأنت نازل السلم قالت لك بصوت رفيع:
ـ ربنا يخليك لا تأت إلا وهي معك.
عرقان، وملابسك متربة، بيدك المجلة التي أحضرتها من البائع البعيد.. يقابلك الأستاذ ناصر ظريف نازلا من السيارة يغلق بابها، حذاؤه الأديداس أبيض، وغال، ووجهه أحمر، قال لك:
ـ تعال مع زملائك.. أنا مشغول اليوم.
ناولته نصف الدنيا، أعطاك ظهره، واختفى في مدخل البيت.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* روائي مصري