إيقاع بطىء

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إسلام يوسف

(1)

نقتفى أثر الأحرف فوق الشفاه، نجد تسليتنا فى إعادة ما سبق قوله على إيقاع الأكورديون لعازفٍ سىء لم تطاوعه أطرافه المتخشبة على عزف لحنٍ جيد، هل ما فعلناه ليلة أمس فى السرير يُعَدُّ تعبيراً جديداً عن علاقةٍِ وضيعة مستهلكة نسميها أحياناً بالحب و أحياناً أخرى بممارسة فعل طبيعى لا إرادى نطلق عليه الجنس،صدقينى لم تعد تستطيع جميع شرائط البورنو أو التكنيكات المستحدثة فى التقبيل على أن تعيدنا كما كنا فى البداية، صمت ...صمتّ ، كرهت هذه الكلمة لبشاعة ما تحوطنا إيقاعاتها الرتيبة و ترسم وعينا بأنفسنا فى ثِقَلٍ كئيب، إنظرى لنفسك..هاه..أنظرى جيداً، هالاتك السوداء لم تعد تستطيع إخفاءها أى كمية غير معقولة من البودرة، و شفاهك أيضاً تقشفت و تدحرجت نعومتها فى الماضى، أنا...أنا أيضاً أنوار المقهى المشعة يبهر القادم من بعيد ضوءها على سطح رأسى الأملس الخالى من الشعيرات، ليس غريباً أن يكون رواد المقهى جميعاً يرتدون القبعات طيلة الوقت و ينفثون دخانهم فى تأفف، ذقنى نبتت شعيراتها الضئيلة فى إهمال يتناسب مع ما وصلت إليه علاقتنا من إيمان يشوبه شك قاتل بجدوى الاستمرار، مع ذلك ها نحن معاً، أمس فى السرير و الآن فى مقهى وضيع يمهلنا ضجيجه الزعيق قليلاً فى وجه أحدنا عسى أن نتخلص من شحنة غضب ترسبت من الليلة الفائتة لخطأ حدث في الخطوات المتبعة فى الممارسة الصحيحة.

 (2)

_ أكثر شىء أحبه هو المطر، انحدار قطراته ببطء ببطء على زجاج النافذة، صوت إرتطام القطرات بأرضية الشارع، مشكلة لحنا موسيقياً رتيباً لكنه ليس ممل على الإطلاق، أحياناً زخات متسارعة، أحياناً أخرى بطيئة، تسقط بالتناوب مع إيقاع جريان الأفكار فى رأسى، ربما الأمطار هى ما تربطنى هنا، و تعطينى فرصة لأن أقول أن”الحياة جميلة” وتستحق أن تُعاش و لو للحظة.

نعم، أعلم أنكِ تحبين المطر

للحظة يعطينى الفرصة للعزلة عن بشاعة المدينة، الوجبات الخفيفة سيئة الطعم، الشوارع المزدحمة بالعربات المنكوبة بضجيج أغنياتها سريعة الإيقاع، الأزقة الملأى بالقمامة و القاذورات، السعى المحموم لوضع قدمٍ فوق أول رأسٍ تقابلك، صدقنى أنا لن أعرف اليأس، لن أكون مثلك، بالليل سأكون أخرى، أجمع شتات نفسى فيما أحبه و أشتاق إليه حتى لو فى حلم، أو كابوسٍ رديء، تلبس معطفك الشتوى الممزق و تطوف على أماكن كثيرة ليست لدى القدرة على إحصاءها، و من أجل ماذا؟…لقيمات تسد بها جوعنا و تبقينا ليومٍ آخر على قيد الحياة.

 (3)

عارية إلا من جسدى، هالات، ضمور قليل فى الثدى، لم يعد كما كان..لا نستطيع أن نفلت من أحكام الزمن أو نعدّل من مساره على أجسادنا، أمام المرآة…أحس بالسعادة أنه لم تزل لدى القدرة على إحصاء الشعرات البيضاء، لم يتعدوا الثلاث شعرات، ربما لو إستئصلتهم من جذورهم لن يؤثروا فى كثافة شعرى، أوووه و شعر العانة أصبح غزيراً، ربما يتوجب علىّ حلاقته، لا أنكر أنى فى أحيان كثيرة أجد متعة فى إطلاقه لفترة كبيرة، أحياناً ما أشعر بالتقزز، لكنه تقزز يبعث قشعريرة لذيذة فى أنفى وقت الممارسة، ويمنحنى بللاً يفعمنى بروائح لا أستطيع فى أوقات كثيرة إختلاقها لمجرد أنها تمنحنى اللذة

طرقات…طرقات..طرقات، لا أتوقع أحداً غيره، أعترف أنى وحيدة، لا تسأل عنى غير كلاب الشوارع التى تنبح بالخارج، حتى أنى أفتقدها حينما يجرح الصمت وحدتى

إفتحى الباب

ربما فى وقتٍ آخر

العالم سيكون آخر فى الأيام القادمة …صدقينى، سأحاول..سنحاول معاً

كلمات..كلمات…بضاعتك لم تعد كما كانت، ربما كنت غِرّة

صدقينى، إنى أحبك

و أنا أيضاً

و أغلقت الشُّرّاعة….ربما يعود فى وقتٍ آخر.

 (4)

الآن…نحن على نفس المقهى، نحتسى كأسين من البيرة و ندخن بشراهة، نستمع لعازف الأكورديون،و نتلصص على وجوه الآخرين نتلمس منها تعبيرات ربما تمنحنا بعض السكينة و لكنها لا تزرع فينا غير القلق، أوجه متناسخة لأناس فقدوا كثيرا و ينتظرون أن يفقدوا الكثير، لا نفرق كثيراً عنهم، غير أننا كنا نصغرهم قليلاً، و ما زالت لدينا القدرة على فعل أشياء جميلة

المطر تكسو قطراته مساحات غائرة بالخارج مشكلة مستنقعات طينية، و الكلاب تمرح وتتناكح غير عابئة للمارين فى الطرقات بآخر الليل، نصعد إلى الشقة، نتعرّى، وعلى إيقاع المطر تنتظم تحركات أجسادنا…لا شىء غير وشيش مذياعٍ قادم من الشقة المجاورة.

 

 

 

مقالات من نفس القسم