أحاول أن أتخلص من جسدي المسجى هناك، وأعيد الثقة لجسدي الذي أحمله، أو يحملني، ما عدت أدري..
يغفل الجسد عني، وأغافل الأجساد المتلهية بجسد الساحة. أترك غرفتي خلسة، في غفلة من جسدي المسجى وبقية الأجساد المحيطة به، بل المسيجة إياه. أتسلق الجدار المحيط بالبيت، أجهد نفسي كي لا أثير انتباه الأجساد المنشغلة بجسدي القابع هناك.. وأغادر البيت..
أبتعد عن القرية، مسرعاً أعدو.. تسرقني المسافات.. ألتفت خلفي، لا أرى إلا وهاداً وأودية وقرص الشمس يتوسط كبد السماء.. المكان يتلفَّحُ بهواء حارق.. وأنا أسعى للبحث عن ظل شجرة تقيني من سياط الشمس.. لا لم تكن الشمس التي تلقي بسياطها على جسدي. الليل جهم، ووجه بدر بئيس ينير، بصعوبة، مسالكي.. جسدي يحلم بطمأنينة كاذبة.. أحس بنظرات الجسد تتابع خطواتي، تعيقها قصد الإيقاع بجسدي. يقترب الجسد من جسدي، يضع ذراعه على كتفي، بحركة عدائية أحاول صدَّهُ.. أنزوي جانباً.. أتسمَّر واقفاً.. تسري في جسدي رعشة.. يتمكَّن الخوف منِّي، يعلق الكلام في حلقي عندما أهم بالصراخ في وجهه. تتلاشى قوتي وتَخِرُّ. يتفتت جسد الجسد، خيوط نور تنبثق منه تتشتت في الفضاء الشاسع.
ضباب كثيف يبسط رداءه على القرية هذا الصباح الندي. أقترب من بيتنا، صمتٌ يخيم على المكان. صباح هذا اليوم على غير ما كان عليه في الأيام السابقة. خيوط حزينة تصارع في دفع بقايا سواد الليل للتراجع، أكلته الأشجار المتناثرة هنا وهناك، والأزقة التي تعطلت مصابيحها..
أصل إلى عتبة باب بيتنا. فيض من الحزن الجماعي يخيم على المكان. ألقي التحية،. لم أنتظر أن يرد الجمع تحيتي، مَسَحتهُمْ بنظرة عابرة. دلفت إلى ساحة المنزل، أمي وأبي وإخوتي جالسون. شققت طريقي بينهم، أرنو إلى وجه أمي.. تضع مرفقيها على ركبتيها، جعلتهما سندين حاملين لرأس أثقلتها الهموم وبَدأتْ تَنْشُجُ..
تجاوزت الجمع، اقتربت من أمي، نظرت إليها.. خاطبني صمت جريح..
صعدت إلى غرفتي.. اقتربتُ من النافذة.. أطللتُ.. رأيتُ الجسدَ مُسْجى بباحة المنزل.. نظر إلي وابتسم.
أويت إلى فراشي، أغمضتُ عيني.. رأيتُ الجسد يحدق في.. سأكتم سر الجسد..سأحتفظ بذكراه في دهاليز جسدي …