جلست أمامه ، فى مكتبه بعد عام كامل من العمل تحت إدارته ، استدعانى ليبلغنى بنتيجة التحقيق ، انشغل باحثا فى أوراق ، تلقى مكالمات وتركنى لبياض سخيف صنعته أضواء كاشفات الفلورسنت المختلط بالضوء الآت من النافذة ، زاد من توترى محاولة إخفائى لما أشعر به ، أما هو فكان يبحث عن أسوأ عضلة غضب فى وجهه ليبرزها … لم يعد – منذ فترة- ودودا معى ..
ضغط أزرار التحكم ، أدارالتكييف الذى دفع فى وجهى زفيراً مختزناً وعطانة كريهة كتلك التى تخرج من فوهة المجارير ، بحث أمامه عن قدح القهوة ، امتعض بعد أول رشفة عندما اكتشف أنها باردة ، عاد للوراء بكرسيه الذى أحدث صراً مزعجاً ثم تقدم للأمام ، أسند مرفقه الأيسر على المكتب وباشر حك مؤخرة عنقه وشحمة أذنه ،أخرج من درج مكتبه صورة فوتوغرافية ، وضعها أمامه ، تعمد أن تكون أمامى أيضا ، لم افهم و لم أتصور أن محتوى الصورة هو ما يغضبه ولماذا يغضبه ؟! أليس هو من لعن أمامى البلدة وافكارها البالية ! …لم أر من قبل متحررا مثله! لماذا يحاول الآن إتهامى بشىء عقاباً لى على شيء آخر فعلته وأنا أجهل انه خظأ ؟ أ من أجل صورة مثل التى امامه يحدث كل هذا؟
عندما أعلنت الشركة عن قيام رحلة لشرم الشيخ إتصل بى وديا ، ذهبت معه لشراء مايوه لخطيبته التى سترافقه ، لم يستحى من أستطلاع رأيى ، أخرجه من علبته ، بسطه امامى وأمام البائعة ، القطعة الأولى المخططة والثانية المنقوشة بنجوم ، طلب لنفسه عصابة رأس … لم يخترلرأسه سوى العلم الامريكى ، رشحت له عصابة مموهة لكنه لم يقتنع إلا بالعصابة الأمريكية.
فى المطار جاءت خطيبته وكانت غاضبة ، أخبرتنا أنه سيتخلف عن الرحلة ، كانت وحيدة مثلى بلا رفيق ، عرضت عليها مساعداتى ، أصبحت رفيقها حتى اليوم الأخير ، لم تكن تعرف أيا من الزملاء ، شاركتها كل شىء وأنا أظن أن الواجب يقتضى ذلك ، رقصت معى مرتدية المايوه البكينى ذي النجوم الزرقاء والخطوط ، الحمراء ، إلتقط لنا الزملاء مئات الصور .
و مع ذلك فهذه الصورة التى وضعها أمامى على المكتب لم تكن الأكثر سخونة.
فى ا لنهاية التقط ورقة من الطابعة وضعها أمامى وقال لى ببساطة وهدوء:
– قررت الشركة بعد التحقيق الإستغناء عن خدماتك ..أنت بددت الآمانة
– الشركة؟!!
طلب توقيعى على الإستقالة ، إنصرفت وأنا لا إعرف أية أمانة يقصد!! ..لم أصدق أن فقدان جهاز” لاب توب” يمكن أن يؤدى إلى هذا التحقيق ، رفضوا و قالوا أنهم يستندون للمبدأ عندما عرضت عليهم خصم ثمنه من راتبى ، لم تفلح توسلاتى التى لم تنقطع حتى انصرفت مطرودا ، خرجت من بوابات الشركة ، سرت فى ظلال الأسوارالخارجية وأنا أتحسر على الراتب الكبير الذى حرمت منه والسيارة ، والسائق الذى كان تحت تصرفى ، تسابقت فى رأسى حلول ساذجة ، شعرت أن قدماى لا تريدان أن تحملانى أبعد من ذلك ، وأن السور لا يريد أن ينتهى ، توقفت وإستندت عليه بظهرى و إليتى و باطن قدمى حتى صارت احدى ركبتاى تشير إلى الأرض التى كنت أنظر إليها وانا أنفثت حسرتى من سيجارتى ، التقطت تليفونى من غمده ، اتصلت بخطيبته التي طلبت منى أن انتظر حيث انا ، وعدتنى بأنها ستأتي لإنهاء الموقف برمته ، مرت أمامى مسرعة بسيارتها فى إتجاه بوابات الشركة ، أشارت لى من خلف زجاجها – مرة اخرى- أن أظل حيث أنا ، أحرقت كل سجائرى انتظاراً ، تأخرتْ أكثر من ساعة ، تركتُ ظلال السور عابراً الطريق لشراء سجائر، اصطدمت عينى بضوء الشمس الذى ذهب ببصرى للحظة ، عادت خطيبته مسرعة و آخر ماسمعته كان نداءً مختلطاً بصراخ إطاراتها الزاحفات كبحاً
– حاسب …..