قرر أن يتوقف فجأة و قرر ان يحبس الثور فى منفى بعيد ، لم يكن ذلك سهلاً كما ظن فى البداية ، تحولت لياليه الى كوابيس ، جافاه مرقده و عز عليه النوم حتى وصف له صديق عنوان عيادتها.
وقعت عليه الكشف بعد أن استمعت إليه جيداً ، دونت كل شيء مختبئةً خلف المعطف الأبيض والعطر الخلاب والنظارة الشفافة ، أعادت الكشف مرة أخرى بعد أن نزعت القفازات البلاستيكية من يديها ، تحسست صدره بأناملها …أنامل الأنثى … ارتبكت عندما تقاطرت نظراته لها ، احتمت بمكتبها و تظاهرت بتدوين ما لا تعرف ، حاولت إخفاء الداخل خلف رداء الجد وعدسات الاكتراث.
داهمت ليلها نملة مزعجة جداً ، لم تكتف بلدغ أناملها تلك التي تحسست صدره نهاراً ، اخترقت جلدها ، و اغترفت غرفة من بحرها الميت ، واصلت فتوحاتها النافذة بنجاح ، اقتربت أكثر فأكثر حتى لامست جدر البراكين الخامدة فيها والتي كانت تحوم فوقها فراشات مسكينة تبحث عن ضوء أو حريق.
قالت لي أنها طلبت الطلاق من زوجها السابق ، الأمريكي الذى أسلم من أجلها والذي حمد الله أن الإسلام يبيح الطلاق….مشكلته أنه أصبح هادئا وعاديا قبل أن تهدأ الفراشة الأسبانية كما تعود أن يناديها .
مر عليها ربيع قاس ، وصيف مهيج ، لكنها عادت أخيراً عندما عاد الشتاء ، توقفت ثم استدارت برأسها المختبئ خلف شعر منسدل متكسر خاشع ، ظهر بياض وجهها ممتقعاً و مضطرباً ، كانت تجوس بعينيها باحثةً في النوافذ الواطئة و تسابق الشمس المطرودة بظلمة الليل الذي بدأ في تثبيت أوتاد خيمته فوق ذلك الشارع النحيل المرصوف بحجارة سوداء ، المحاصر ببنايات قديمة متهالكة تآكلت على جدرانها كل الحضارات واختبأ ماضيها خلف سدى الزمن المحترق، خطت مستعْبَدةٍ ، تتذكر كيف انتقلت من” أورانج كاونتى” إلى ” درب الشنف” و من أستاذ في جامعة “هارفارد ” إلى فنى تكييف ، نجحت الفراشة الإسبانية في السيطرة على بركانها بعد ليلة واحدة- مضى عليها شهور – قضتها في أحضانه في بيت قديم هنا أو هناك في منتصف الشارع أو في آخره في منزل يحمل رقم سبعين…نعم رقم سبعين لم يكن رقم سبعة ، قتلها الندم شهورا لأنها سمحت لجسدها السماوي أن يسحق تحت أقدام هذا الثور ، عاشت بعيدة عنه بقوة المنع التي تفرزها طاقة الندم ولزوجة التقزز ، حتى ورقة الزواج العرفي لم تتمكن بها أن تحصل على أية صكوك تغفر بها لنفسها إثماً اقترفته في حق المدنية والثراء أمام الفقر والجهل ، ولأن البراكين تثور فجأة ، عادت اليوم مندفعة إليه مرة أخرى ربما أقوى من المرة الأولى …عادت إلى الثور الحبيس مدفوعة بقوة أجنحتها المهتاجة وحرارة الجسد الذي لم يعرف أن في العالم رجالا إلا ليلة واحدة.
واصلت صديقتي توغلها فى الشارع غير عابئة لصوت مشمئز خفتَ بداخلها ولا لعيون النسوة المتربعة فوق عتبات المنازل ، تأكدت مرة أخرى من رقم المنزل المدون في قصاصة الورق التي استخرجتها من جيب معطفها ، نظرت لأرقام تماهت في الحوائط على ضوء أعمدة مصابيحها كابية ، اقتربت من إمرأة تحمل وجها ورأساً يشتعل بياضاً لكنه كان مألوفاً لديها ، تكاد تذكره ، سألتْها عن المنزل رقم سبعين وعن ساكنه …. بكت هذه المرأة المتشحة بالسواد لدى سماع اسمه ، قالت : هو بخير … ولابد أنه مستريحُ الآن…
ــــــــــــــ
قاص مصري