الكاريكاتير ورمضان.. فوانيس وذكريات أخرى

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبير عبد العزيز


فن الكاريكاتير يعتمد على المبالغة والسخرية اللاذعة، فرسامو الكاريكاتير يُظهرون عيوب مجتمعاتهم أملا في إصلاحها. ارتبط هذا الفن بالصحافة، الأمر الذي جعله منه أكثر الفنون قربا للناس خاصة أنه لا يبتعد عن مشكلاتهم الحياتية. لقد ظهر هذا الفن عند قدماء المصريين عندما استخدموه في السخرية من حكامهم المستبدين، وظهر ذلك في بعض البرديات القديمة.

لكن الكاريكاتير كفن مستقل تبلور بشكل تقريبي في أواخر القرن الثامن عشر وبشكل أساسي في بلدان أوربا. ولخصوصية هذا الفن الذي يعتمد على الموقف والفكرة وتأثيره على الناس سنحاول الاقتراب من عالمه من خلال تعبيره عن شهر رمضان الكريم وسلوكيات هذا الشهر المرتبطة بعصرنا هذا كمجتمع. كما سنتذكر مع الفنانين الشبان ذكرياتهم وعلاقتهم بالفانوس الرمضاني، ومصر هي أكثر الدول استخدماً للفانوس كتقليد رمضاني. غالبا يعود هذا التقليد إلى العصر الفاطمي حيث كان الفانوس يصنع من النحاس ويوضع بداخله شمعة، بعد ذلك أصبح الفانوس يُصنع من الصفيح الملون، أما الآن فأغلب الفوانيس من البلاستيك وتعمل بالبطارية . حول علاقة هذا الفن بعالم الطقوس الشعبية الرمضانية وهذا الفانوس المعلق بالذاكرة، كان لنا هذا الاقتراب من عالم بعض رسامي الكاريكاتير.

 

 

نحن حراس دون أن ندري في رمضان


فنان الكاريكاتير: “أحمد عبد النعيم” رسام كاريكاتير نشرت أعماله في: “الأهرام، المساء، مجلة كاريكاتير، الريشة، العربي، مجلة السينما والناس، مجلة الصحة والجمال، الكرامة، القاهرة، وغيرها.. “، وقدم رسوم أكثر من 120 كتابا  في : ” دار المعارف، دار الحرية، دار بردى، الدار المصرية اللبنانية، دار الهلال، بيت اللغات والنشر وغيرها “، واشترك في مسابقات عالمية كثيرة، ورسم وقدم برامج تليفزيونية. نال شهادة تقدير من الاتحاد الأوربي لرسامي الكاريكاتير موقعة من الفنان العالمي (بلانتو) رسام فرنسا الأول..

بدأ “عبد النعيم” كلامه بجملة: “الفانوس أبو شمعة يختصر كل الفوانيس” فهو من سكان حي شبرا، كان لهذا المكان طقوسه الرمضانية من تعليق زينات في الشوارع وفوانيس كبيرة من الخشب والورق الملون. وكان أصدقاءه يكلفونه برسم الأوراق على شكل فوانيس وعرائس وشبابيك لصنع شرائط الزينة الورقية لقدرته ومهارته في الرسم. ويتذكر الفنان “أحمد عبد النعيم” الفانوس أبو شمعة وهو أجمل فانوس عنده، وكيف كان يسخن ذلك الفانوس من حديدته العلوية، فيقطعون بعض الحبال من البلكونات ليمسكوا بها طرف الفانوس.

ويدورون بالفوانيس في الشوارع بعد الإفطار، ثم يجتمعون في الحوش الكبير ويضعوا الفوانيس على الأرض ويلفون حولها ويغنون، والفانوس الذي يظل مضاء للنهاية صاحبه هو الفائز، لقد كنا حراس دون أن ندري.

بالنسبة لآخر فانوس قُدم لي كان عمري 12 عاما، وأنا حاليا أحضر الفوانيس لأولادي (محمد وسلمى وملك) وهناك حادثة ظريفة تخص ابني “محمد” فعندما ولد كان أول حفيد للعائلة، فقُدم له ثمانية فوانيس من جده وجدته وماته وخالاته، وصممت زوجتي أن أحضر له فانوس يخصني فهو عامه الأول معي. وبذلك صار لدينا محل فوانيس.

أما بالنسبة للكاريكاتير ورمضان، ففن الكاريكاتير هو صورة + مبالغة + تأثير وهذا آجز تعريف له. فأحاول أن أكون مرآة لواقعي، وأصنع تأثير ساخر عن سلوكيات هذا الشهر الكريم، فالسلوكيات المرتبطة بمجتمعنا هي المادة الخام لأعمالي. أحاول تطويعها لإحداث التأثير المطلوب للهدف الذي أحاول طرحه من السلوك المختار في ذلك الشهر.


فانوسان لكل واحد


الكاتب ورسام الكاريكاتير: “عمرو سليم” هو خريج أكاديمية الفنون- المعهد العالي للسينما – قسم الرسوم المتحركة. وحاصل على الجائزة الأولى في الإخراج عن فيلمه “الدار” من مهرجان القاهرة الدولي التسجيلي الثاني 1986. وحاصل على جائزة نقابة الصحفيين الأولى في فرع الكاريكاتير 2005. وصدر له ثلاثة كتب هي: “الدستور بالكاريكاتير”، و”كتاب كاريكاتير عمرو سليم”، و”كتاب اتفاقيات مناهضة التعذيب وقضايا المرأة بالكاريكاتير”.

يعتبر “عمرو سليم” الفانوس من أجمل الطقوس التي تميز شهر رمضان في مصر. وكان يستمتع بالفانوس القديم قبل انتشار الكهرباء، فكل فانوس كان له أضاءته الخاصة. لكن الآن انتشرت الفوانيس الصينية المبهرة بأصوات أغانيها القديمة أو الجديدة، ومنها المتحرك والراقص أيضا، فصارت هناك مباريات بين الأطفال على اقتناء أحدث الفوانيس يغض النظر عن عمرها القصير ورداءة صناعتها، وعدم تميزها الفني . لذلك أحضر لأولادي لكل واحد منهما فانوسان، واحد من الفانوس القديم وواحد حديث، حتى يظل مفهوم الجمال الحقيقي عندهما. وبالنسبة لزينة الشوارع والفانوس الكبير لم أشارك في هذا الطقس الرمضاني، فقد كنت أقيم في المهندسين وهو حي كان مكونا وقتها من فيلات صغيرة تتكون من طابقين. لكن هناك طقس آخر كان يسعدني في رمضان وهو بائع الفول المتجول الذي يحضر ليلا كل يوم في رمضان، وكنت دائما في انتظاره. وما اشتاق إليه فعلا هي فوازير رمضان وبعدها المسلسل الذي ننتظره من العام للعام.

وبالنسبة لرمضان والكاريكاتير معي، فأنا أفكر فيما تنتقده عيني الساخرة من أفكار ابتدعت في رمضان وصارت من مظاهره الخارجية. لعل السخرية تسكن الأذهان وتجبرها على الانتقاد المعلن وليس على الموقف السلبي في القبول.

 

 

 

 

الشطارة في اختيار طول الشمعة


فنان الكاريكاتير والصحفي: “سمير عبد الغني”، وهو رسام وكاتب في كل من: (العربي، الكرامة، القاهرة، مجلة كاريكاتير وغيرها)، صدر له مائة كتاب للأطفال مابين الكتابة والرسم، وينشر بمجلات: “قطر الندى، وعلاء الدين، والعربي الصغير”. وكتب مسرحيتين للأطفال بعنوان: “جحا يتزوج بنت السلطان”، و”ياللعفاريت”، تم إنتاجهما من قبل منظمة اليونيسيف وتم عرضهما في قرى محافظات مصر. وله فيلم من إنتاج المركز القومي للسينما بعنوان: ( دوتو).. وشارك في برنامجين للتليفزيون هما “ضحكة انهاردة” بقناة دريم وبرنامج “بسمة قبل الإفطار” في قناة المحور.

تكلم الفنان “سمير” عن علاقته بالفانوس، بأنه كان مصدر سعادة وبهجة، جعله مرتبطا برمضان وينتظره كل عام. وكان يحب أن يدور بفانوسه مع الأطفال ليأخذ النقود المعدنية ويشتري الحلوى. وهو يحب الفانوس الذي يُضاء بالشمعة، وكان يأخذ وقتا طويلا في اختيار شمعة مناسبة لفانوسه، فطول الشمعة المناسب ينفع لسببين الأول: أنها لا تكون طويلة جدا فتسخن الحلقة العلوية للفانوس سريعا ويلسع في يده، ولا قصيرة جدا فيطفئ الفانوس سريعا. ولابد أن يكون طولها مناسبا لفانوسه. ويتذكر أن آخر فانوس قُدم له كان فانوسا صغيرا وكان من صديق في العام الماضي.

ويضيف “سمير” أن الكاريكاتير فن لا يخجل فهو يعبر عن مضمونه الساخر واللاذع أيضا، وهو يكره أن يرسم رسم المناسبات، لكن مواضيع رمضان تخص صميم المجتمع وعادته وذلك يجعلها أقرب لمواضيع هذا الفن، عن إدراجها تحت فن المناسبات. فهناك المسحراتي وموائد الرحمن وياميش رمضان والكعك والبسكويت وغيرها من المواضيع الهامة والثرية لفنان الكاريكاتير.

 

 

بطارية أبي فانوسي الصغير


رسام الكاريكاتير “محمد عبد الله” وهو رسام كوميكس أيضا يرسم في: (المصري اليوم)، كما رسم فى مجال حقوق الإنسان، ورسم للأطفال بعالم سمسم أعمال متفرقة.وبمجلة باسم وقطر الندى ومجلة بذرة.

تكلم الفنان “عبد الله” عن فانوسه مع ابتسامة، حيث تذكر عندما لم تحضر والدته فانوسا جديدا له في أحد الأعوام، وكان يبكي فأعطته بطارية والده رحمة الله عليه. فصار يدور بها ويغني في دوائر الأطفال. ولم يدرك أنها بطارية إلا بعدها بوقت طويل. لكنه اعتبرها فانوسا جميلا من والده.

وهنا يذكر لنا عبد الله بأنه يحب الحكاية التي تحكي عن أصل الفانوس المصري، تقول أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بها. فتلك الحكاية تؤكد جمال القاهرة ليلا في رمضان وهو ما يحبه في صخب شوارع القاهرة. وبالنسبة للكاريكاتير ورمضان أجاب بجملة واحدة” أنا أرسم كل ما يدور هنا. وأشار إلى أرض مصر.


مسحراتي بأواني المطبخ


رسام الكاريكاتير: “محمد الصباغ” عضو الجمعية المصرية للكاريكاتير، وعمل بملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام وبجريدة الوعد، المسائية، الريشة الساخرة، أنباء اليوم وجريدة العاصمة. كما عمل كمشرف فني لكل من جريدتى صوت الناس وجريدة المحرر الأسبوعية، ورسم بجريدة الغد ومجلة قطر الندى. حصل على جائزة الأمم المتحدة لأفضل ثالث عمل صحفي عن حقوق الإنسان عام 2007. قال عن الفانوس:  لاشك أن الفانوس له تأثير كبير في طفولتي واستمتاعي بشهر رمضان الجميل. فأنا انتظره من الحين للحين بكل شغف حتى الآن. وقتها كان لي طقوسا في رمضان، فكنت أمارس هواية جمع الفوانيس وأحرص على شراء الفوانيس المختلفة الأشكال والألوان، وأقوم بتصليح الفوانيس، وأحيانا اجتهد واصنع ففانوسا مختلفا بخامات بسيطة  بجانب الذي اشتريته .كنت اذهب للحسين وخان الخليلي والسيدة زينب لأشاهد محلات الفوانيس. وكان يجذبني صانعي الفانوس.

وعن أول فانوس قُدم لي من والدتي التي اعتبرها هي أهم أسباب نجاحي، وهذا الفانوس رسمته، ثم صنعت فانوسا للشارع الذي أعيش فيه. وعلقته أمام البلكونة، وكتبت عليه اسمي وأسماء أصحابي والجيران. و كان لا يستمر أكثر من أسبوع، ويتحطم المصباح بداخله بسبب الكرة التي نلعب بها بعد الإفطار. ودائما الهدف يأتي بداخل الفانوس. وأتذكر من المواقف الطريفة  التي لن أنساها في شهر رمضان وكان عمري 8 سنوات.. أنى عملت مسحراتي في مرة وكنت انتظر المسحراتي الحقيقي، وعندما ظهر في أول شارعنا، فتحت الباب ولم أخبر أحدا وأخذت معي الفانوس وغطائي أواني مطبخ، ومشيت بجانبه، وفجأة  وجدت الأطفال  يمشون خلفي، فاندمجت بقوة.  حتى وجدت أحد الجيران يبحث عنى وأعادني مرة أخرى للبيت.


أغنية الفانوس


فنانة الكاريكاتير: “دعاء العدل”، وهي خريجة فنون جميلة – قسم ديكور- ترسم حاليا في “المصرى اليوم” كما رسمت للأطفال في علاء الدين وقطر الندى. وبالرغم من أن هناك رأى أن فن الكاريكاتير بات حكرا على الرجل. وهو فن يعاني من ندرة تواجد نسائي على مستوى العالم وليس فقط على المستوى المحلي. إلا أن وجود موهبة مثل “دعاء” تؤكد أنه فن يناسب المرأة.

وتبدأ دعاء كلامها بأنها كانت تحب أغاني الفوانيس مثل أغنية “وحوي يا وحوي”، وكانت ترددها طول اليوم وليس فقط بعد الإفطار مع فانوسها. وهي يرى أن الفنان المصري أبدع في صناعة شكل الفانوس فهناك فوانيس كبيرة الحجم، كان الفنان يحرص على تسجيل اسمه عليها.

وأصغر فوانيس رمضان حجما يُسمى “فانوس عادة” وهو فانوس رباعي الشكل وقد يكون له باب ذو مفصلة واحدة، يُفتح ويُغلق لوضع الشمعة بداخله. أما أكبرها فيسمى كبير بأولاد، وهو مربع وفي أركانه الأربعة فوانيس أخرى أصغر حجما. وهناك المقرنس وهو بشكل نجمة كبيرة.

وبالنسبة لفن الكاريكاتير تقول “دعاء”: أنا أعشقه وأعشق شهر رمضان بكل عادته واجتماع كل من نحب على مائدة واحدة، فهو يجمعنا . لذلك اجتمع حب الاثنين معي، فأتمنى أن أحسن التعبير عن هذا الحب على طريقة فن الكاريكاتير.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبير عبد العزيز

شاعرة وكاتبة أطفال – مصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم