تعتقدُ أنك ملكْتَ أمري وسبَرْتَ غَوْري، وأن أفكاري دانَتْ لك وسلَّمَت خيالاتي زمامها إليك، ثم تكتشف أنكَ مخطئ حين أتفوَّه أمامك بملاحظةٍ عابرة، لتتلقَّفَها كحقيقةٍ جديدة، تساعدك في تعديل ترسيمك لحدودي، فتتسع منك الخريطة، وتقفعند تلك الحدود، لتنال ثواب المرابطين.
ألا تدري -بخبرتِك العظيمة- أن الضربات الموجعة تكون في عمق البلاد، وأن ما يجري على الحدود مجرد مناوشات؟ عندما يُحتَلُّ العُمق سيذهب رِبَاطُكَ سُدى، وستُحاصَرُ بين سلكٍ شائكٍ وصحراء، ولن يمكنك العودة، ولا الهرب.
ورغم أنك لستَ كاتبًا ماهرًا، إلاَّ أن رواياتك الصوتية المحسوبة بدقة -حين تتكرمُ بسرْدِها- تبدو مبدعةً إذا سمِعَتْها أذنٌ عليمة، وإذا تفرَّستْ في وجهك حين ترويها عينٌ عليمة؛ أذنٌ تلتقط موجات صوتك حين تنتقل من قمة الرصانة إلى قاع التهدُّج ثم تُسرع بالارتفاع قبل أن يلحظها أحد، وعينٌ لا تُخطئ اللمعة الخاطفة في عينيك حين تُبطن شيئًا وتُظهر عكسه.
لستَ كاذبًا، فقط تميلُ إلى الكتمان، وهذا يجعلك مكشوفًا للغاية لامرأة احترفت الكتمان وهوَت البوح باعتباره هوايةً وهاوية؛ هواية تمارسها في مواعيد مقدسة، وهاوية تتسلقها صعودًا على أكتاف الاعتراف.
أيها المتصوف، أظهرتُ وكتمتَ، فأصبحتُ أشلاءً وبقيتَ كُلاًّ، ووُصِمتُ بالنقص ووُسِمتَ بالكمال.
كنتُ كالحلاَّج وكنتَ كالشِّبْلِيّ. لكنك لولا كلمات الحلاج ما تحدَّثتَ عن العشق.. الإلهيّ.