فعلا, لم تعد رنا التونسي صغيرة. إنها الآن ناضجة ومكتنزة بالخبرات والتجارب والرؤي, والتأمل الطويل في الحياة والكائنات, في ملامح الوجوه, في البشر الذين لم يعودوا بشرا, وفي الحياة التي تضيق بالرغم من اتساع الصحراوات والفضاءات. لكنها حريصة علي الا تفارق طفولتها, فهي خزانها الأول وملجؤها الأثير, وحقيبة ذكرياتها وأوراقها الممتلئة بالعطر والدموع وهي حصنها كما تقول في ثنايا بوحها وهي تكتب ببراءة طفلة, لكن عينيها الثاقبتين النفاذتين تلتمعان بوعي العصر, حكمة جيلها الذي شب فجأة فرأي عناقيد الحكمة ونقيع الفكر بين يديه, فكبر سريعا قبل الأوان والذي يعصم رنا من التشتت والوقوع في براثن الوحدة, هو شعرها الذي تبدعه, وشعر الدنيا الذي تتلقفه وتتمثله, ومن شعرها إلي شعر الآخرين, تقفز كالعصفورة المزقزقة, تلتقط وتغتذي, وتهضم وتتمثل, وتصغي لأصوات الكون في داخلها الرحب:
كانت السلة التي تتحرك وحدها تشبهني/ الدرجات التي سقطت مع الأسنان تشبه البكاء/ الطفولة هي الحصن/ قرأت آلاف الروايات عن الوحدة/ وكل الأشياء التي لم أحرم منها, بل فاضت عن الكأس/ كان هناك رعب حقيقي يجتاحني/ رعب لايمكن وصفه/ كان الجميع يخاف من الظلمة/ بينما كنت أخاف أنا من الوقت/ أخذني من يدي ليوصلني إلي الضوء/ عبرت أنهارا وسنينا ضوئية/ كلها تختبيء في أذرع من الشعر/ في مئة كلمة وكلمة/ وعندما استيقظت كانت شفتي ترتجف من الخوف/ وآثار الحبر الذي بدأ يسيل منها, ترقص علي الجدران والبيت!
وأهلا برنا التونسي وقبلاتها الحميمية!
اقرؤوا “قبلات” رنا التونسي