نعم.. فالحقيقة أن “عمر” لم يكن مرشحا في البداية سوى لدور “طفس” الدليل البدوي للورنس الذي يقتل بعد دقائق معدودة من الفيلم, لكن القدر كان حليفا لعمر…
مَثّل دور “الشريف علي” صداعا في رأس ديفيد لين.. رشح له في البداية الممثل الألماني “هورست بولشولز” الذي اعتذر لارتباطه بفيلم آخر.. ثم الفرنسي “آلان ديلون” الذي قام باختبار أداء فعلا للدور قبل أن يعتذر عنه بسبب مشاكل ارتداء عدسات بنية اللون لتظهره بالمظهر العربي.. ليذهب الدور بعد ذلك لفرنسي آخر هو “موريس رونيه”.. الذي فشل في إقناع المخرج بأدائه.. فذهب الدور أخيرا إلى الوجه المصري الجديد: عمر الشريف.
فرصة “لورنس العرب” إذن لم تصنع عمر الشريف.. بل هو الذي صنع فرصته بنفسه ،واستغلها أحسن استغلال…
كذلك الحال مع فرصته التالية مع نفس المخرج: “دكتور جيفاجو”.. كان المرشح الأول لدور البطولة هو “بيتر أوتول”.. لكن رفض أوتول بسبب تجربته السابقة في “لورنس العرب” التي أضاعت سنة من عمره.. ورغم طرح أسماء هامة مثل السويدي “ماكس فون سيدو” والبريطاني “ديرك بوجارد”.. إلا أن “عمر” كان الخيار الثاني للمخرج الذي وثق في قدرات اكتشافه.. وكان على قدر الثقة…
الممثل:
من عجب أن اغلبنا يصفه بـ”النجم العالمي”.. وعلى الرغم من ذلك فقليل من المصريين هم من شاهدوا أيا من الأفلام العالمية لعمر الشريف.. وربما لهذا كتب البعض بعد وفاته إنه كان ممثلا محدودا لا يستحق كل هذا الاحتفاء.. لأنهم ببساطة لم يشاهدوا سوى فتى الشاشة العربية الوسيم ذو النطق المتكسر والأداء الأرستقراطي الناعم.. لكن الحقيقة أن عمر “العالمي” هو بحر واسع من الأداء المتنوع والقابل للتشكل في أدوار مختلفة.. هو العربي المقسوم بين قيم البداوة وقيم الحضارة الحديثة في “لورنس العرب”.. هو الطبيب والشاعر الروسي الرقيق المطحون بين رحى الثورة البلشفية في “دكتور جيفاجو”.. هو الأمير الوسيم في حكاية خيالية في “أكثر من معجزة”.. وهو “السيد إبراهيم”.. الدور الذي أثبت أنه لازال ممثلا قادرا على التميز رغم سنين الصيام عن الأدوار المميزة.
شهدت بقوة أدائه ثلاث جوائز ..جولدن جلوب, جائزة سيزار, والأسد الذهبي لفينيسيا.. لكن الأوسكار دوما جائزة قاسية القلب.. ومن الصعب التنبؤ بمن ستطلب وده…
ولماذا لم يحصل عمر الشريف على الأوسكار؟!.. على الأقل عن “دكتور جيفاجو” 1965. الدور الذي حصل عنه على “الجولدن جلوب” كأحسن ممثل.. وبخلت عليه الأوسكار حتى بالترشيح!!.. تعمدت أن تكسر قلبه كما كسرت قلب صديق عمره “بيتر أوتول” مرارا وتكرارا…
العاشق:
في العام 1968 ملأت الصحافة العالمية أنباء عن علاقة بين عمر والممثلة الأمريكية “باربارا سترايسند” شريكته في بطولة فيلم “فتاة مرحة” 1968.. في ذلك الوقت كان لازال متزوجا من “حب حياته” الوحيد فاتن حمامه.. حيث لم يتم الطلاق بينهما إلا بعد ست سنوات.. وكما ألقت أنباء علاقته بـ”سترايسند” بظلالها على أسطورة حب حياته.. ألقت بظلالها أيضا على وطنيته.. أو – لنقل – على علاقته بنظام عبد الناصر.. فسترايسند كانت من أشد المؤيدين للكيان الصهيوني في هوليود…
باربرا سترايسند فقط؟.. لا.. الكلام عن غيرها كثير.. ويطول…
المقامر:
هنا تزداد غرابة الحقيقة لتصبح أقرب من الأسطورة, خسارة بيت في إسبانيا تبلغ قيمته الحالية 4.4 مليون استرليني في لعبة بريدج.. خسارة 750 ألف دولار في ليلة واحدة من لعب الروليت!!…
ورغم كونه من أهم لاعبي “البريدج” في العالم, وله عدد من الكتب والمقالات عن البريدج ولعبة كمبيوتر بإسمه.. إلا أن عمر الشريف اعتبر القمار مجرد وسيلة لقتل الملل!!
لكنها بالتأكيد وسيلة مكلفة جدا.. وربما لم تكلفه فقط الكثير من النقود بل كلفته الأهم.. مسيرته الفنية…
تحول التمثيل بالنسبة له لمجرد وسيلة للحصول على الأموال للقمار والحياة المرفهة.. وعام وراء عام أخذت أعماله الجيدة في التلاشي.. لتظهر مكانها أفلام رخيصة.. للنسيان.
ربما كان مثالا جيدا لتوضيح كيف فرط عمر في مسيرته أن نعقد مقارنة بين عمر وبين صديق عمره: الممثل البريطاني “بيتر أوتول”.. الإثنان في نفس السن تقريبا, بل وبدآ مسيرتهما من نفس النقطة تقريبا “لورنس العرب”.. لكن لغة الأرقام توضح الفرق:
بيتر أوتول: 95 عمل فني. 35 جائزة منها أوسكار فخرية, 4 جولدن جلوب, جائزة إيمي, جائزة بافتا, 38 ترشيح لجوائز منها 8 ترشيحات للأوسكار.
عمر الشريف: 117 عمل فني. 11 جائزة منها 3 جولدن جلوب, 4 ترشيحات أخرى منها ترشيح وحيد للأوسكار!!
وجه لا يعرف الندم
ألزهايمر..ذلك الوحش الذي يتغذي على الذكريات يهاجم ذاكرته.. لا مجال لاختلاق أساطير رومانسية جديدة عن حزنه على وفاة فاتن.. فهو ببساطة نسى فاتن وأيامها.. اختلط عليه الأمر بين “لورنس” و”جيفاجو”.. تاهت ذكريات الأفلام وأماكن تصويرها.. ولم يبق له سوى رفيقته الأخيرة: الوحدة…
ربما كان “ألزهايمر” رحمة.. يمحو معه الأخطاء.. ويبعد شبح الندم.. عن رجل قال دوما أنه لم يعرف الندم.