من بين الروايات القليلة الجيدة روايتا “ابتسامات القديسين” لابراهيم فرغلي و”فصول من سيرة التراب والنمل” لحسين عبدالعليم، الصادرتان عن دار ميريت القاهرية. الروايتان تلقيان الضوء على حياة أقباط مصر من زاويتين مختلفتين وبعيداً من التنميط الذي اتسمت به معظم المعالجات الروائية للمسألة القبطية في مصر.
تدور أحداث “ابتسامات القديسين” في مجتمع مدينة المنصورة قبل عقدين حين كانت حياتها أكثر رقياً. ويطل فرغلي على علاقة الأقباط والمسلمين من خلال مجموعة مختلطة من الأطفال تربطهم علاقة صداقة تتطور مع الزمن. يقع عماد القبطي في حب نادية المسلمة. ويتزوج رامي المسلم من كريستين القبطية على رغم معارضة الأهل. ويثمر زواجهما حنين التي يرسلها رامي الى فرنسا بعد وفاة كريستين خوفاً من ملاحقة عائلتها. وتعود حنين الشابة الى المنصورة بعد وفاة والدها، وهنا يبدأ فرغلي الرواية.
يبتعد فرغلي من استخدام الصوت الأحادي للراوي الكلي المعرفة، فتتنوّع الأصوات ويحمل كل منها مفرداته الخاصة التي تنطلق من خلفية الشخصية. وإن عمد الى المونولوغ في سرد الأحداث فإنما كي يتناسب الأمر مع الأطياف الآتية من العالم الآخر والتي تناوبت على السرد رامي وعماد. ويتأرجح السرد بين الماضي واللحظة الآنية في لعبة زمنية حتى تبدو واضحة محاولة فرغلي قهر الهاجس الرئيس الذي يشغل شخوص روايته… “ألعاب الزمن والصدفة“.
وعلى امتداد الرواية يستخدم فرغلي أيضاً تقنية السرد بضمير المخاطب، وبخاصة في مونولوغات رامي الموجهة الى توأمه نادية، وهي التقنية التي يقول عنها منظرو الرواية الفرنسية “تجعل السارد مرتبطاً أشد الارتباط بالشخصية، ملازماً لها، وملتصقاً بها، مزعجاً اياها، فلا يترك لها أي حيز من حرية الحركة والتصرف”. وهو ما يفعله رامي بنادية من خلال أفكاره التي تسمعها كـ”وشيش داخلي”، وآلامه التي تشعر بها أينما ذهبت.
“التابو” الديني كان الهم الأول في هذه الرواية التي تحاول تفتيت مفاهيم التصنيف الديني للبشر. وتكرس مفهوم الحب الذي يمثل “الإدراك الفوري لكل الأزمنة في زمن واحد”. وعلى رغم كون الجنس محوراً أساسياً في أعمال فرغلي السابقة، مثل مجموعة “أشباح الحواس” ورواية “كهف الفراشات”، الا انه شغل مساحة ضيقة في “ابتسامات القديسين”، لكنه تميز بحس راقٍ وحرفية عالية في هذه الرواية.
استفاد الروائيان فرغلي وعبدالعليم من ذكرياتهما في مدن الصبا والشباب. فحملت كلتا الروايتين مسحة من رواية “طفولة” رائعة ناتالي ساروت، على رغم الاختلافات البنائية من دون أن يقع أيّ منهما في فخ التباكي على الماضي.