شعبان يوسف
قرار الاتهام الشامل:
فى 31 ديسمبر1958، صدر أمر عسكرى من رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر، تطبيقا لأحكام قانون الطوارئ، والقاضى باعتقال 163 (مائة وثلاثة وستون شخصا)ـ وتفتيش أشخاصهم ومحال إقامتهم ومحال أعمالهم، لضبط ما قد يوجد لديهم مما له علاقة بالحركة الشيوعية أو مايخالف القانون، مع ضبط وتفتيش من يتواجد مع أى منهم وقت عملية التفتيش.
وكان المتهم الثالث فى هذه القائمة، هو ابراهيم فتحى سليمان قنصوة، واسمه الحركى (كامل)، وبالطبع كان معه فى قرار الاتهام مجموعة كبيرة من خيرة المثقفين المصريين الكبار، وعلى رأسهم اسماعيل صبرى عبدالله، وأحمد نبيل الهلالى، وشهدى عطية الشافعى، وأحمد صادق سعد، ومحمد يوسف الجندى، وصنع الله ابراهيم الأورفلى، وغيرهم، وقد شملت القائمة مختلف ألوان الطيف السياسى اليسارى.
وفى 3 يناير 1959 قام الأستاذ على نور الدين رئيس نيابة أمن الدولة بسؤال البكباشى حسن ابراهيم المصيلحى مفتش قسم الشيوعية بإدارة المباحث العامة، وطلب منه أن يذكر تفصيلا معلوماته عن القضية_كما ورد فى كتاب محاكمة الشيوعيين..الجزء السابع_، واستفاض البكباشى حسن المصيلحى فى ذكر وقائع وأحداث كثيرة تخص كافة المتهمين، وماجاء بخصوص المتهم الثالث ابراهيم فتحى أنه أنشأ وكوّن وقاد منظمة تدعى “وحدة الشيوعيين المصريين”، وانضم إليها محمد المهدى الحسينى، وصبحى قلينى، وهى منظمة _كما قال المصيلحى_ تتماثل فى خطها السياسى مع منظمة “طليعة الشعب الديمقراطية، ولذلك رأى قادة المنظمتين، أن تندمجا فى كيان واحد تحت مسمى “الطليعة الشيوعية”.
وبالطبع لا نريد أن نسترسل فيما أوردته النيابة وتفصيلات تخصّ الاتهامات، ولكننى أردت أن أشير إلى ضلوع ابراهيم فتحى منذ بدايات انخراطه الفكرى والثقافى والسياسى فى التمرد على المنظمات الأم، وسعيه الدائم لتشكيل ما يراه الخط الصحيح، وظلّ هذا التمرد مفتوحا على مصراعيه فى كافة الأداء الذى مارسه ابراهيم فتحى طيلة حياته المفعمة بالعطاء النبيل على مدى أكثر من ستين عاما.
لم تكن تجليّات ابراهيم فتحى تظهر فى العمل السياسى فحسب، بل كان مثقفا موسوعيا منذ البدايات الأولى له فى كليه الطب، حيث زامل الأدباء الشباب الطليعيين فى أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن الماضى، وقاد معهم حركة أدبية قوية، وعلى رأس هؤلاء يوسف ادريس وصلاح حافظ ومحمد يسرى أحمد، وغيرهم، وكان هؤلاء منخرطين فى أنشطة “مكتب الأدباء والفنانين”، وهو أحد مستويات منظمة “حدتو” الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى” كما سنفصّل لاحقا.
المحررالأدبى
وكان ابراهيم فتحى قبل توجيه الاتهامات سالفة الذكر، والقبض عليه تبعا لها، يعمل محررا أدبيا وسياسيا فى دار النديم لصاحبها “لطف الله سليمان”، هذه الدار التى قدّمت مجموعة كبيرة من الكتب الفكرية والسياسية والأدبية، ومعظمها كانت قد مرّت على ذلك المحرر الشاب، والذى يدرك جيدا تفاصيل تلك الوظيفة، وصدرت من هذه الدار الطبعات الأولى من مسرحيتى “الناس اللى تحت، والناس اللى فوق” لنعمان عاشور، ومجموعة “رجال وحديد” القصصية للطفى الخولى، و”قصص واقعية من العالم العربى” تقديم الكاتب العراقى غائب طعمة فرمان، والناقد المصرى محمود أمين العالم، وكذلك “ألوان من القصة المصرية” تقديم دكتور طه حسين، وتعليق محمود أمين العالم، كما صدرت رواية “الهزيمة” للكاتب السوفيتى “أ. فادييف” ترجمة ابراهيم فتحى عام 1958، ولا يسعنا هنا فى هذه المساحة، رصد كافة الإصدارات الطليعية التى طبعتها ونشرتها الدار فى ذلك الوقت، وكان لابراهيم فتحى دور محورى فى صدور تلك المطبوعات، والتى ساهمت بجدارة فى تشكيل وعى أجيال متعاقبة منذ ذلك الوقت، حتى سنوات عديدة، تلت ذلك التاريخ.
لم يكن قرار القبض على الشيوعيين قرارا عفويا، أو خارج سياق السلوك السياسى للسلطات بشكل عام مع فئات المثقفين والتيارات السياسية والفكرية جميعا، مهما تذرعت الكتابات التاريخية بأسباب رئيسية أو ثانوية، دائمة أو مؤقتة، فالعلاقة بين اليسار والسلطة فى النصف الثانى من عقد الخمسينات، كانت “سمنا على عسل”، ووجدنا أن الدولة فتحت منابر خاصة وواسعة لكتّاب اليسار ومفكريهم ومبدعيهم، وجاءت جريدة “المساء” فى موعدها تماما، وتتويجا لزواج مؤقت بين السلطة وقيادات الشيوعيين فى ذلك الوقت، وصدر عددها الأول فى 6 أكتوبر عام 1956، وترأس تحريرها السيد خالد محيي الدين، وتم تشغيل عدد كبير من اليساريين فى تلك الصحيفة، وقرأنا مقالات وتحقيقات سياسية لطاهر عبد الحكيم وعلى الشلقامى وعبد العظيم أنيس وفتحى عبد الفتاح ونبيل زكى وجيلى عبد الرحمن _من أصول سودانية_ وفيليب جلاب وعايدة ثابت وغيرهم، وتم نشر رواية “حارة أم الحسينى” فى الأعداد الأولى للجريدة، لأعلى رأس فى اليسار وهو شهدى عطية الشافعى، رغم أن الرواية جاءت دون اسم، إلا أن الدولة كانت على علم بكل ما ينشر ويحدث فى الجريدة.
وماعدا جريدة المساء، والتى كانت واجهة شاملة لليسار المصرى، كانت هناك مجلات قد استوعبت بعضا من اليساريين، من هذه المجلات “روز اليوسف”، و”صباح الخير”، والتى صدر عددها الأول فى 12 يناير 1956، وكان يكتب فى المجلتين محمود أمين العالم وصلاح حافظ وصلاح جاهين وفتحى خليل ولطفى الخولى وحسن فؤاد وغيرهم.
وبعيدا عن الصحف والمجلات، كانت دور النشر اليسارية تعمل على قدم وساق، فكانت دار النديم سالفة الذكر، ودار الفكر، ودار الديمقراطية، وغير ذلك من دور نشر، وصدرت عن هذه الدور حفنة كتب تعمل لخدمة الفكر اليسارى عموما، فوجدنا كتّابا من طراز محمد عودة وعلى الشلقامى وشهدى عطية الشافعى الذى كتب كتابه “تطور الحركة الوطنية المصرية” عام 1957، وهو كان بمثابة برنامج وطنى لصياغة العمل بين السلطة والقوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية_كما نوّه شهدى نفسه فى الكتاب_، وكما قرأنا عن ثورة العراق وثورة الجزائر، ونشطت كثير من الأقلام اليسارية فى تمهيد الطرق لعلاقات امتزاج، وليست علاقات للجوار، ووضع اليسار _إلا قليلا_ ثقته بشكل قوى فى رضا السلطة عنه، وقرأنا آنذاك مقالات فى دعم السلطة الوطنية.
ومن الطبيعى أن تكون هناك علاقات مشتركة وعميقة طيبة بين اليسار والسلطة فى ذلك الوقت، خاصة بعد العدوان الثلاثى عام 1956، فالكل فى واحد، كان هو الشعار السائد، وذلك لمواجهة الاستعمار الثلاثى، والذى لن تفرّق رصاصاته بين قلب المسلم والمسيحى، ولا بين صدر اليسارى واليمينى، ولا بين دماغ الطفل ودماغ الرجل، ومن ثم صارت العلاقات تعمل بقوة، حتى كان بعض اليساريين يخوضون معارك السلطة بكل إخلاص.
ابراهيم فتحى خارج السرب
ولا بد أن نقول أن هذا المزاج السياسى المتوحد مع السلطة، لم يشمل كافة قطاعات اليسار، ولا يصلح أن نقول “اليسار” بشكل عام، ولكننا نفصل بين سلطة اليسار المتمثلة فى فئة معينة، وخاصة تلاميذ هنرى كورييل، وبين شباب كان يحمل غضبا واختلافا شديدين لمدرسة هنرى كورييل_أحد قادة حدتو_، وكان على رأس هذا الشباب المختلف، الكاتب والمثقف الكبير ابراهيم فتحى، والذى كان يسعى بكل قواه أن يخلق مسارا فكريا وسياسيا مختلفا، ذلك المسار الذى امتد حتى تبلورت أفكاره فى سنوات أخرى بعد ذلك.
رسالة حادة ومجهولة إلى المجلس الأعلى
وبعد أن تم القبض على ابراهيم فتحى، عثرت على مقال قصير، يشبه البيان، نشرته مجلة “الأدب” لصاحبها أمين الخولى فى مارس 1960، تحت عنوان “مقاييس تقديرنا..! أين حيثيات الأحكام”، وجاء التوقيع :”ابراهيم فتحى.. عن لفيف من الشباب المحب للفن والخير والحق”، وهذا أول أثر أعثر عليه بشكل حصرى لابراهيم فتحى فى الصحف أو المجلات، حيث أنه لم يكن من الفئة المرضى عنها، فلم نقرأ اسمه فى مجلات وصحف مثل صباح الخير وروز اليوسف والمساء وغيرها من مطبوعات أخرى.
ولا أعرف بالطبع، هل كانت تعلم المجلة بأن ابراهيم فتحى مقبوض عليه أم لا؟، ولكن هذا ماحدث، وللتأكيد سألت أستاذنا ابراهيم فتحى بشكل واضح وصريح: هل هذا مقالك؟، فردّ بالإيجاب، وسوف أنشر المقال كاملا عندما يتاح لى ذلك، ولكن المقال كان يستفسر بشكل واضح عن المعايير التى تتخذها لجان المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب فى منح الجوائز، ولماذا لا تنشر التقارير المانحة على الناس، ويبدأ المقال|الرسالة ب :”بعد التحية والاحترام.. أبعث إليك أنا ولفيف من الشباب النشط الحائر شكرنا على ماكتبت (الأدب) عن مقاييس تقديرنا.. وقوانين تقديرنا.. وأنها حبر على ورق، ولكن مع الشكر جزعنا لما اعترفت به تلك المقالات من مآسى التقدير ومخازى الحكم، والحرمان للمستحق، والمنح لمن لا يستحق.. وقد أثارنا ذلك على الجيل الذى خاض تلك الذى خاض تلك المآثم، كما تقول، وهممنا بأن نكتب إليك هذا الخطاب فى حدة وبعنف نحدد بهما مسئوليتك ومسئولية جيلك وما جناه بذلك علينا وعلى الأجيال الصاعدة كلها..)، واسترسلت الرسالة بعد ذلك فى مطالبة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب فى نشر التقارير بشفافية، حتى يأخذ كل قدير قدره، دون أى امتهان وظلم بيّن.
العودة من المنافى
كان هذا المقال| الرسالة، بمثابة احتجاج صارخ على ما يحدث فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، رغم أن ابراهيم فتحى _على المستوى الشخصى_ لا تشغله الجوائز على الإطلاق، ولكنه كان يدرك قيمة دوره فى الحياة الثقافية والفكرية والسياسية، وقضى سنوات السجن والاعتقال فى تحصيل فكرى واسع وعميق، وإعادة الصفوف مرة أخرى لتطوير ما أطلق عليه “وحدة الشيوعيين”، وخرج مع كافة المعتقلين عام 1964، وتشكّلت لجنة لتشغيل هؤلاء الخارجين توا، وكانت تلك اللجنة تعمل وفق معايير الولاء والانتماء للنظام الحاكم بشكل أساسى، ودرجة هاتين السمتين، وتم إلحاق المرضى عنهم تماما، والذين حصلوا على شهادات حسن سير وسلوك جيدة، بوظائف فى الصحافة وغيرها من مؤسسات نوعية، وظلت المعايير تعمل عملها حتى انعدمت بعض من الخارجين، وكان ابراهيم فتحى من هؤلاء الذين لم يحصلوا على عمل ذى شأن فى الحياة الاجتماعية، فقرر أن يكتب ويترجم فى المجلات الثقافية، ونشر بالفعل بضعة ترجمات ومقالات فى مجلات مثل “المجلة والشعر والثقافة”، وللأسف لم يتم جمع تلك المقالات التى تنّم عن عقلية متمردة ومشتبكة بامتياز وجدارة.
عودة ليست أخيرة للمعتقل
كان ابراهيم فتحى يكتب ويترجم وينشر فى تلك المجلات، دون أن يفقد حلمه بتكوين كيان سياسى وفكرى يعبّر بشكل قوى عن حركة شباب المبدعين المتمرد آنذاك، ومنهم الشعراء سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى، والنقاد صبرى حافظ وسيد خميس، والباحثون صلاح عيسى وغالب هلسا، وكتّاب قصة مثل جمال أحمد الغيطانى ويحيى الطاهر عبد الله، وراح ابراهيم يستعيد “و.ش” مرة أخرى، بعد أن علت أصوات هؤلاء المبدعين، ونشروا قصصا وأشعارا تشى بالمعانى المختلفة التى لا تؤرق الساسة فحسب، بل تؤرق الجيل القديم كذلك من المبدعين والنقاد والمفكرين، وسوف نلاحظ أن كتابات ابراهيم فتحى فيما بعد، مراجعات وانتقادات فكرية عميقة للتوجهات النقدية التى كانت سائدة آنذاك.
لذلك تم القبض على ابراهيم فتحى عام 1966، ومعه بعض من الكتّاب والمثقفين مثل رؤوف نظمى، والذى أطلق على نفسه اسا حركيا هو “محجوب عمر”، ويلحق بهما في أكتوبر من العام نفسه جمال الغيطانى وصبرى حافظ وسيد خميس ومحمد عبد الرسول وغالب هلسا وصلاح عيسى وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى وغيءرهم، ويظلّ يحيي الطاهر عبدالله هاربا، حتى يخرج هؤلاء فى مارس 1967، لتقاجئهم حرب يونيو 1967، فينخرط جميعهم فى أشكال مختلفة من الكتابات الفنية والصحفية والأدبية، ويصدر جمال الغيطانى مجموعته القصصية المهمة والأولى “أوراق شاب عاش منذ ألف عام”، والتى صدرت عن سلسلة كتاب “الطليعة”، والذى كان ابراهيم فتحى أحد المشرفين عليه مع الكاتب سمير ندا، صاحب رواية “الشفق”، ثم رواية “الحداد” لمحمد يوسف القعيد عن السلسلة نفسها، وقبل ذلك كان ابراهيم فتحى ينشر مقالاته فى الملحق الأدبى بجريدة المساء، والذى كان يشرف عليه الكاتب الصحفى والقاص عبد الفتاح الجمل.
دقّات قوية وفاعلة فى الحياة الثقافية
بعد هزيمة 1967، انفتحت بعض نوافذ للتعبير، وخفّت يد النظام قليلا عن قطاعات من المثقفين، حيث أن القضية الوطنية ومهمات التحرير الوطنية فى مواجهة العدو الصهيونى تكاد تكون واحدة، وعمل جمال الغيطانى مراسلا حربيا فى الجبهة أثناء حرب الاستنزاف، وكتب عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب أجمل الأشعار والأغانى فى ذلك الوقت، وعلى هامش كثير من هؤلاء المبدعين الشباب جاء ديوان “البكاء بين يدىّ زرقاء اليمامة” للشاعر الشاب أمل دنقل، والذى صدر عن دار الآداب فى بيروت.
جاء الديوان مفعما بالأسى ومحتجا ومتمردا وبيانا جماليا لما حدث ويحدث، وكتب قصيدته الشهيرة التى صارت صوتا احتجاجيا دائما “كلمات سبارتاكوس الأخيرة”، والتى بدأها ب:
(المجد للشيطان معبود الرياح
من قال : “لا” فى وجه من قالوا “نعم”
من علّم الانسان تمزيق العدم
من قال “لا”.. فلم يمت،
وظل روحا عبقرية الألم.
….
ثم:
(ياقيصر العظيم:
قد أخطأت .. إنى أعترف
دعنى _على مشنقتى_ ألثم يدك
ها أنا ذا أقبّل الحبل الذى فى عنقى يلتف
فهو يداك، وهو مجدك الذى يجبرنا أن نعبدك
دعنى أكفّر عن خطيئتى
أمنحك بعد ميتتى جمجمتى
تصوغ منها كأسا لشرابك القوى)
هذه السخرية المريرة التى صيغت جماليا وسياسيا بعناية فنية فائقة، كتابة تعبّر عن صوت جديد تماما، ولم يكن فى الحسبان، حتى أمل نفسه كان يكتب قصائد ليست على هذا المستوى الذى جاء فى هذه القصيدة، رغم أن كتابتها تعود إلى عام 1962، ولكنها كانت خيطا دراميا، أبدع فيه أمل بكل طاقته الفنية التى وظّف فيها عوامل التراث والمشهد السينمائى والحوار القصصى والصورة الفاجعة، وكان هذا الديوان هو مساحة واسعة وعميقة لكى يطلق فيه ابراهيم فتحى رصاصاته الفاعلة فى مجال النقد الأدبى.
ولا بد أن أشير هنا إلى أن مقال ابراهيم فتحى الذى نشر فى جريدة “المساء” كان المقال الأول عن الديوان، فالكتابة عن ديوان مثل هذا تضع صاحبها فى صف المحتجين والمعترضين والمتمردين، ورغم ذلك لم يتاجر ابراهيم فتحى بهذه النقطة، ولم يعتبر أن ذلك بطولة مطلقة، حتى أن شاعت قصائد أمل دنقل واسمه فيما بعد، فشاع المتاجرون والانتهازيون الذين زعموا أنهم كانوا رفاقا لأمل منذ اللحظة الأولى، وهم كانوا قابعين فى غرف السلطة الخلفية والأمامية.
وكذلك لا بد من تصحيح ما حول تأريخ كتابة المقال، فمن المعروف والشائع والمحقق أن ديوان “البكاء بين يدى زرقاء اليمامة” نشر عام 1969، ولكن الببلوجرافيا التى أعدتها الأستاذة عبلة الروينى تقول بأن مقال ابراهيم فتحى نشر فى 3 يناير 1968، أى أنه نشر قبل صدور الديوان، وأعتقد أن المقال نشر فى مطلع العام 1969، وهذا التاريخ يفكّ اللبس العالق بتاريخ نشر المقال المهم.
يقول ابراهيم فتحى فى بداية مقاله: “هذا ديوان جديد، ينقل إلينا ازدهار تجربة جديدة تخفق بها أوتار لم تذعن من قبل من قبل للمسات الأنامل .. وقصائد لم تقدّم صوتا فريدا، فى صراعه مع نفسه ومنابعه ليستخلص سماته الخاصة من مزيج لا بد أن تختلط فيه أصوات الآخرين وأصداؤهم، ويعبّر هذا الصوت القوى عن وثبة شعرية تنأى بالديوان عن أن يكون مجرد ديوان ممتاز بين الدواوين الكثيرة، التى تقارب زمن صدورها ، وتشابهت نغماتها فى مصر والعالم العربى”.
ويسخر كذلك ابراهيم فتحى من الشعر الساذج والغاضب والساخط والمتجهم، والذى يرسم تقطيبة أو تكشيرة من الخارج، وتتحشرج موسيقاهم الصادرة من الحلوق، ويبدو انسانهم العربى المعاصر فى بحثه عن روحه كأنه طفل يبحث عن لعبته الضائعة، كذلك راح ابراهيم يعدد أشكال التناول المضمونى الفارغة للقضايا السياسية، وهو مجرد تناول أجوف من الخارج، قعقعات لا تعدو سوى الحناجر التى انطلقت منه.
بينما أمل دنقل يصوغ قصائده ذات الصبغة السياسية فى عالم شعرى متكامل، ويرتكز على الرؤية العميقة والتجربة الحية، ولا توجد قوائم اتهامات، بل استكشافات لجذور الشجرة الملعونة، ومحاولة لأن تتمثل عصارتها السامة فى الأحشاء والدماء، وأن يستيقظ فى عيوننا حلم الشاعر بالبستان الأرضى الذى لا علاقة له بالمدن الفاضلة.
لم ينتظر ابراهيم فتحى أن يحصل أمل دنقل على صكوك نقدية مباركة من سلاطين الثقافة السائدة، وتجار التمرد، ولم يجسّ نبض الواقع الأدبى، ولا صيت الشاعر هنا وهناك، ولكنه أنصت ورأى واكتشف فسارع بالكتابة، فى ظل انسحاب كتّاب ونقاد كثيرين إلى مساحات مضمونة القارئ والمساندة، وشاعت قصائد نزار قبانى الشتّامة، والتى لا تعدو أن تكون سوى عريضة اتهام نثرية رديئة، تنتقى عباراتها من قاموس الهجاء العربى القديم، ولكن فى شكل مستحدث، كذلك لم ينتظر أن يروج اسم الشاعر، فيتصنّع المساندة الزائفة، والتى لا يحتاجها أمل وقصيدته، ففى الوقت الذى كتب ابراهيم فتحى مقالته، كان أمل يحتاج إلى ذلك بقوة، وليس صلاح عبد الصبور أو عبد المعطى حجازى أو أدونيس، والذين كانت أسماؤهم رائجة جدا، فوجدت من يكتب عنهم، عملا بمقولة “من جاور السعيد يسعد”، فالكتابة عن هؤلاء المرموقين، سوف تجلب الشهرة الواسعة، وكذلك ستقى وتحمى هؤلاء النقاد من شرّ غضب السلطات التى ترى أن كتابة أمل دنقل مارقة، ومن يكتب عنه سيكون مارقا مثله، وبالتالى سوف يحجز هؤلاء النقاء مقاعد وثيرة فى عربات السلطة الفاخرة.
جاليرى 68 ومساهمات تاريخية
فى مايو 1968 صدر العدد الأول من مجلة “جاليرى 68″ الطليعية، تلك المجلة التى حملت على عاتقها عبء الريادة النقدية فى حياة تحرّكت فيها المياه بقوة، ورغم أن العدد الأول لم يحمل اسم ابراهيم فتحى، إلا أنه حمل مقدمة مبشرة، وذات صوت نقدى وإبداعى متمرد، وكانت الأسماء الجديدة تشى بجدة طازجة، عبر ابراهيم أصلان وسيد حجاب وخليل كلفت وابراهيم عبد العاطى، وجاء فى المقدمة التى كتبها الفنان أحمد مرسى :”..وعلى الرغم من أن مجلة جاليرى 68 ليست مجلة سياسية، فهى تؤمن بأنها لو نجحت فى الكشف عن حقيقة ما يختلج فى جوانح الكتاب والشعراء والفنانين من أبناء جيل اليوم”.
وجاء اسم ابراهيم فتحى فى العدد الثانى، والذى صدر فى يونيو 1968، وكانت مساهمته عبارة عن ترجمة دراسة “ضفاف الواقعية” ل “ف. د. كلينجندر”، وقدمها ابراهيم بقوله :”هل يمكن أن نطلق كلمة (واقعية) على كل الاتجاهات الفنية.. وبذلك نفرض فقرا مدقعا على الفن، ونقوم بإلغاء كل الصراع الذى دار ويدور فى تاريخ الفن، ولا يبقى بين أيدينا إلا كلمة (واقعية) بلا ضفاف ولا مبادئ محددة.. فى جمود عقيم يهنئ نفسه على سعة الأفق التى تختلط عندها السماء بالأرض؟.. إن للاتجاه الواقعى أسسا تبتعد عن التحجر والجمود، ولا تختلط بالاتجاهات الشكلية وهذه الأسس لم يختلقها أحد ، ولكنها مستخلصة من تاريخ الفن فى مسيرته الحية، وكليجندر فى دراسته الطويلة المعنونة (ضفاف الواقعية) يقدم قصة الصراع الطويل الذى تكونت المدرسة الواقعية أثناء خوضه.. والفصل الذى نقدمه هنا جزء من تلك الدراسة وعنوانه: (النسبية والواقعية)”.
وابراهيم فتحى لا يترجم هذه الدراسة لمجرد الترجمة، بل كانت هناك معركة حقيقية دائرة حول المعانى الكثيرة الملتبسة، وكان كتاب “واقعية بلا ضفاف” للمفكر الفرنسى روجيه جارودى، سائدا ومنتشرا بعدما ترجم، ونقله إلى العربية الكاتب والمترجم أسعد حليم، والذى ترجم فيما بعد كتاب “ضرورة الفن” لأرنست فيشر، وابراهيم فتحى فى هذه الترجمة، وما تبع ذلك كان يقاوم المفاهيم الساذجة والسطحية التى يروّج لها بعض الماركسيين، والذين ينقلون _دون إدراك حقيقة ما ينقلونه_ عن كتّاب عالميين، لمجرد أنهم كتّاب رائجون ومعتمدون فى بورصة موسكو، وكل محاولات ابراهيم فتحى الاشتباكية نقديا، كانت تفك تلك الالتباسات السطحية التى راجت بضراوة فى الحياة الثقافية المصرية، دون مراجعات فكرية ذات شأن، فضلا عن الإرث المريب الذى ورثته الأجيال المتعاقبة، من مرحلة الخمسينات عند صدور كتاب “فى الثقافة المصرية” لمحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، والمعارك الطاحنة التى دارت حوله.
منظّر القصة القصيرة فى جيل الستينات
فى العدد الرابع من المجلة و”الخاص” بالقصة القصيرة، نشرت المجلة قصصا لابراهيم أصلان وابراهيم عبد العاطى وابراهيم منصور وأحمد هاشم الشريف وادوار الخراط وبهاء طاهر وجمال الغيطانى وجميل عطية ابراهيم وخليل كلفت وسليمان فياض ومحمد البساطى وعبد الحكيم قاسم ومحمد حافظ رجب ويحيي الطاهر عبدالله ومحمد ابراهيم مبروك، وكتب غالب هلسا وابراهيم فتحى تعقيبين نقديين مطولين، وأعلن ابراهيم فتحى أن هذه القصص تعلن عن سمات وملامح مشتركة لأبناء جيل بدأت تتشكل هويته بقوة، وقرر بثقة واضحة، أنه لم يسبق للقصة القصيرة المصرية أن ازدهرت كما تزدهر فى ذلك الوقت على أيدى كتّابها الجدد، وقد وصلت إلى درجة واضحة من النضج تبرز فى جسارة الرؤية الفكرية وحيوية الشكل الفنى، وتلك الدرجة من النضج لا تطمح فى الاقتراب منها الأجناس الأدبية الأخرى من رواية ومسرح ورواية وشعر، وتبدو الأعمال النقدية التى تحاول ملاحقة تطور القصة القصيرة هزيلة عرجاء، فمستوى الخلق الفنى فى هذا المجال، يعلو بما لا يقاس على المحاولات النقدية جميعا، وآثر ابراهيم فتحى بأن يسجّل تلك الظاهرة فى ذلك الوقت المبكر، دون تفسيرها وتحليلها بشكل مسهب، حتى يعود لها فى دراسات لاحقة، ولكنه استفاض فى تلك الدراسة فى رصد الدوافع والنتائج التى أوصلت كتّاب القصة إلى هذه الدرجة من النضج والتميز، حتى تجاوزوا أب القصة الحديثة “يوسف ادريس”، وليوسف ادريس مساحة واسعة مع ابراهيم فتحى، على اعتبار أنهما كانا صديقين وزميلين فى خندق سياسى وفكرى واحد، وكان ابراهيم المسئول السياسى عنه فى مرحلة الخمسينات الأولى.
ابراهيم فتحى ويوسف ادريس
فى تلك الدراسة التى كتبها ابراهيم فتحى فى “جاليرى 68″ وجه ضربات قاسية إلى بعض النقاد دون تسمية، فقال :”.. ونحن لا نقصد بالإنتاج الفنى جملة الأدب الوضعى التى استطاعت أن تخترق أسلاك النشر الشائكة، وترى النور أو تموت فيه، فالكثير من هذا الإنتاج _لا كله بطبيعة الحال_ يعكس إلى بعض الحدود وجهة نظر مديرى مبيعات السوق الفنية، كما يعكس ما يحفل به قطاع المقاولات الفكرية من مشكلات، ولكن ذلك لم يحل دون أن تجد بعض الأعمال الممتازة مكانا لها”، وهنا أشاد ابراهيم فتحى بصفحة جريدة المساء، والتى كان يشرف عليها عبد الفتاح الجمل، وكان ينتقى أفضل المكتوب من قصص.
ويرفض ابراهيم الفكرة التى تقول “يوسف ادريس حكاية “المعطف” الذى تنحدر منه كافة الأجيال”، تبعا لمعطف جوجول الشهير، ومعطف موباسان فيما بعد، وغيرهم من آباء القصة القصيرة، وانتقد تلك الفكرة التى كانت سائدة فى ذلك الوقت، بأن معظم كتّاب القصة القصيرة المصريين خرجوا من معطف يوسف ادريس، ويقول بالنص: “وهناك من يعتقد أن الاتجاهات الجديدة فى القصة القصيرة انحدرت من معطف يوسف ادريس، ويبدو أن يوسف ادريس لانتقالاته الكثيرة فى الزمان والمكان يكثر من تغيير معاطفه، بل لقد تخلّى تماما عن معطفه القديم، وقصاصنا الكبير ولد على القمة، وتطوره القصصى متحققا من أعماله الأولى، ويصعب أن تجد له أثرا فى الإنتاج الجديد، فهو حتى المرحلة التى سبقت قصته (النداهة) يبرع براعة مذهلة فى استخدام وسائل التعبير التقليدية، ويقتصد كل الاقتصاد فى التعامل مع أدوات التعبير الجديدة”، ويستطرد فتحى قائلا : “إن قصص بعض الممتازين من الشبان الجدد قد ترك وراءه الكثير من قصص يوسف ادريس، وتقدم عليها من ناحية الرؤية الفنية، وإحكام الشكل معا”.
وفى المقال ذاته لم يتوقف عن الرصد فقط، بل راح يحلل تحليلات دقيقة لقصص محمد حافظ رجب، واعتبر قصته “الحانوت” الشهيرة أنها توجز موقف كتّاب القصة القصيرة الجدد من شجرة التقاليد الفكرية الراسخة، علما بأن حافظ رجب كان قد أطلق صيحته “نحن جيل بلا أساتذة”، ثم راح ابراهيم يتناول قصص الأدباء الشبان واحدة بعد الأخرى، ليقول أن التجربة المختلفة عند كل واحد من هؤلاء الكتّاب، جعلت من القصص تنوعا شديدا بعيدا عن فكرة المعطف الشهيرة، والتى كررها هنا بعض النقاد دون رصد الاختلافات والملابسات التى تخصّ معطف جوجول عند الأدباء الروس، أو معطف موباسان عند الأدباء الأوروبيين.
ورغم أن ابراهيم فتحى قد خصّ صديقه يوسف ادريس عدة مقالات مهمة، إلا أننا سنتوقف سريعا عند دراستين ملفتتين، والدراستان كتبتا تحت ظروف عاطفية جدا، الأولى عندما اشتد على ادريس المرض، وداهمته غيبوبة مؤسفة، ونشرت فى مجلة “الهلال” عدد أغسطس 1991 قبل رحيله مباشرة، والثانية فى سبتمبر 1991 بعد الرحيل مباشرة، أما الدراسة الأولى وهى “صورة الفنان فى شبابه”، وكرر فيها جملة “ولد يوسف ادريس على القمة الأدبية عام 1954 حينما صدرت مجموعته القصصية الأولى (أرخص ليالى) فى الكتاب الذهبى عن دار روز اليوسف”.
ولأن ابراهيم كان مرافقا ليوسف ادريس آنذاك، قبل وبعد نشر المجموعة، ورصد لنا فى تلك الدراسة أن قصص يوسف ادريس الأولى_عندما كانت تنشر متفرقة_ كانت محلا لانتقادات رفاقه من اليساريين، وكانوا يتساءلون : أين النضال الوطنى والصراع الطبقى فى هذه القصة أو تلك؟ أين تطور المجتمع والأبطال الإيجابيين، ثم يضيفون بأن الكتابة شاحبة الوجود، ولم يكن يوسف ادريس يعنيه ذلك على الإطلاق، ولكنه كان يردّ عليهم ب: “أن الاستقلال السياسى تعبّر قصصه بخلق أدب مصرى متحرر من محاكاة الأدب فى الغرب كما كان يوسف وكما ظل يقول”، أى أن يوسف ادريس كان أكثر تقدما من رفاقه اليساريين، أما بعد صدور المجموعة، كان تأثيرها انفجاريا وكان أول من رحب بها _كما يقول ابراهيم فتحى_ أنيس منصور وكامل الشناوى_وهذا مدهش للغاية_ فى شهر صدورها، على عكس خاصته من اليساريين الذين لم يفهموا قصصه وعابوا عليه طريقته السردية.
ورغم أن المثقفين عموما احتضنوا المجموعة فى إعزاز وحب، إلا أن بعضا من اليساريين ظلّوا آخذين عليه ملاحظات سلبية، فكتب أحمد عباس صالح مقالا قصيرا فى روز اليوسف، وقال بأن بعض قصص “أرخص ليالى”، هى ملاحظات ذكية نفاذة وأوصاف دقيقة ولكنها تفتقر إلى نظرة شاملة، أى إلى الشكل الفنى للقصة القصيرة، وهذا أغضب يوسف ادريس جدا، وكان يقدم أشكالا من الدفاع عن قصصه وطريقته الفنية من زاوية القضية السياسية والوظيفة الجماهيرية للفن.
ويتوقف ابراهيم فتحى عند مفردة “القضية” عند يوسف ادريس، والفنان فى شبابه كان صاحب رسالة شعبية ثورية ووطنية، وكان يعتبر الكتابة _ذلك النوع الفريد من القصص الذى يكتبه هو بطبيعة الحال_ أعلى درجة الإبداع الفنى، بل كان يعتبر ذلك أعلى درجة من (العلم الاشتراكى)، ويتعرض ابراهيم فتحى لثقافة يوسف ادريس فيقول : “.. ولم يكن يوسف ادريس يقرا كثيرا أو قليلا عن الاشتراكية الماركسية، بل كان يقرأ أعلام الفابية البريطانية وأعلام الأدب الروسى مثل مكسيم جوركى وتشيكوف على الأخصّ، وكان القليل من الأفكار الأساسية اللامعة يرتبط فورا بآلاف الوقائع المتعلقة بإدراك ما يحدث أمامنا ومغزاه”.
ونقفز على كل ذلك، لنصل إلى الإشاعة التى تكررت كثيرا، وروّج لها يوسف ادريس نفسه، وأكدها دكتور ناجى نجيب فى كتابه “الحلم والحياة فى صحبة يوسف ادريس”، وهى التى تقول بأن يوسف ادريس لم ينتم فى أى يوم من الأيام إلى التنظيم السياسى “حدتو” الحركة الوطنية للتحرر الوطنى، ولا تشغلنى ما الذى يجعل يوسف ادريس ينفى عن نفسه ذلك الانضمان من عدمه، ولكن الذى يشغلنى هو إثبات الحقيقة بكلام دامغ لأحد المثقفين والكتّاب الكبار الذين عاشوا الفترة بكل تفاصيلها، ورغم أن يوسف ادريس نفى انضمامه إلى تنظيم حدتو، وكرره بقوة مع المستشرق ب.م. كوبر شوبك فى كتابه عنه، ويؤكد كوبر شوبك “أن علاقة يوسف ادريس اقتصرت على علاقته عضويته بمكتب الأدباء والفنانين فى تنظيم “حدتو”، والذى كان _أى المكتب_ مرتبطا بالمنظمة ارتباطا فضفاضا، وهذا الكلام يدفع المؤلف_تبعا لتصريحات يوسف ادريس_ إلى اعتبار أن قليلين من ذلك المكتب كانوا شيوعيين باقتناع.
ويعتبر ابراهيم فتحى أن ذلك الكلام ينتمى إلى المخيلة الإبداعية عند يوسف ادريس، تلك المخيلة التى انتقلت بالتبعية إلى المؤلف الهولندى، وكذلك إلى د ناجى نجيب، وإلى كل من كرروا وأكدوا على تلك الإشاعة، ويؤكد ابراهيم فتحى، وهو أحد الضالعين فى معرفة تلك المرحلة بتفاصيلها الدقيقة، بل كان من المشاركين فيها بقوة :”أن مكتب الأدباء والفنانين فى حدتو لا مكتب الكتّاب وحدهم كان واحدا من المكاتب المركزية فى قلب التنظيم ولا يضم إلا أعضاء كاملى العضوية، وكانت حدتو قائمة على التنظيم الفئوى قسم العمال وقسم الطلبة وقسم النساء وقسم الجيش، وكانت فئة الأدباء والفنانين بحكم قلة عددهم نسبيا بالقياس إلى الفئات الأخرى، معظمه داخل المكتب الذى يتبع اللجنة المركزية مباشرة”، ويسترسل ابراهيم فتحى بدقة فائقة فى رصد وتتبع تطورات يوسف ادريس فى تلك المرحلة، والتى كان منشغلا انشغالا كبيرا بالعمل السياسى وفقا لوجهة نظر التنظيم السياسى.
أما الدراسة الثانية، والتى نشرتها مجلة “إبداع” فى سبتمبر 1991 فور رحيل ادريس، والتى اختار لها ابراهيم فتحى عنوانا فنيّا، بعيدا عن التشابكات الاجتماعية والسياسية التى عاشها يوسف ادريس، والعنوان هو “أرخص ليالى .. والنص الاستعارى”، واعتبر فتحى أن قصص أرخص ليالى كتبت ليوسف ادريس المجد من أول لحظة، رغم أنه يقول بأشكال خافتة، أن يوسف ادريس كان أقوى عندما صدرت “أرخص ليالى”، وربما لم يستطع أن يحافظ على تلك القوة فى كتاباته التى تلت ذلك، وأكتفى بهذا القدر عن العلاقة التى ربطت بين الصديقين، أو بين الناقد والمبدع.
مع نجيب محفوظ:
مما سبق، ندرك أن ابراهيم فتحى فى كل ما يكتب، لا يعرض ولا يسرد مايعرض له، كما يفعل آخرون، وكما يستسهل ناقدون لهم دوّى وحضرة كبيرة ومهيمنة فى الحياة الأدبية والثقافية والفكرية، بل إنه يكتب من أجل تصحيح فكرة، والاشتباك مع تيار أو فكرة أخرى، يكتب من أجل أن يكشف أشكالا من العوار أو الخلل هنا أو هناك، ومن ثم كانت دراساته عن نجيب محفوظ التى نشرها منجمة فى مجلة “المجلة” وصحيفة “المساء”، ومجلة “دراسات عربية” اللبنانية، ونشرت هذه الدراسات _فيما بعد_ فى كتاب وضع له عنوان “العالم الروائى عند نجيب محفوظ”، وصدرت طبعته الأولى عام 1978 عن دار الفكر المعاصر، ثم نشرت طبعته الثانية، وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكان قد أضاف له دراسة جديدة تحت عنوان “مدخل للرواية التاريخية عند نجيب محفوظ”.
ويعتبر هذا الكتاب بمثابة رؤية مختلفة عن كثير مماكتب حول مرحلة نجيب محفوظ الجديدة فى عقد الستينات، وكان يحلو للنقاد أن يقسّموا مراحل نجيب محفوظ الروائية إلى مسميات كثيرة، ويقرر ابراهيم فتحى بداية بأن أثر نجيب محفوظ لا حصر له :”ينسب الكثير من الإنتاج الجديد فى الرواية المصرية تحت جناحى نجيب محفوظ، متّأثرا على الأخص بالمرحلة الأخيرة من أعماله التى جاءت بعد الثلاثية، وربما انفرد نجيب محفوظ بذلك بين أبناء جيله من الفنانين البارزين، ولا غرابة فى ذلك، فقد استطاع أن يضم فى عالمه الرحيب ما تحتويه عوالم معاصريه من الروائيين جميعا، ولا يمكن لتجربة جديدة فى الخلق الروائى أن تحقق ميلادا بلا تراث، ابتداء من الصفر والهواء المعقم بمعزل عن عالم نجيب بقبوله أو تطويره أو رفضه”، هكذا قال ابراهيم فتحى، وهذا الأمر يكاد أن يجمع عليه كثيرون غير ابراهيم فتحى، ولكن الذى لا يجمع عليه الكثيرون _أيضا_ أن التطورات التى لاحقت كتابات نجيب محفوظ لا تنقسم إلى مراحل كما وصفها النقاد، واعتبروا أن المرحلة الأخيرة _أى مرحلة الستينات_، مرحلة فلسفية، وكأنها مرحلة أحدثت انقطاعا مع المراحل السابقة عليها، وهذا مانفاه ابراهيم فتحى عبر دراسته القيّمة والمهمة، وفى كافة الدراسات التى جاءت فى الكتاب، والتى نالت إعجاب نجيب محفوظ نفسه أيما إعجاب، بشهادة كثير من جلّاس نجيب محفوظ وأصدقائه.
وجدير بالذكر أن الدكتور جابر عصفور، كان قد كتب دراسة عنوانها “نقاد نجيب محفوظ.. ملاحظات أولية”، ونشرها فى مجلة “فصول” المصرية بتاريخ ابريل 1981، ثم أعاد نشرها فى كتابه “قراءة النقد الأدبى”، والذى صدر عن مكتبة الأسرة عام 2003، وتعرّض د جابر لكثير من الدراسات فى حيّزضيق جدا، ورغم أنه ذكر عددا من النقاد الذين تناولوا نجيب محفوظ بالإسم، وجاء عند ابراهيم فتحى وقال_منتقدا الكتاب فى جملة واحدة_: “ونسمع من يقول : إن الملامح الأساسية لعالم نجيب محفوظ قد اكتملت، ليس هذا حكما عليه بالجمود .. لا.. فما أشد تنوع هذا العالم ، وما أشد خصوبته ، وما أعمق تجدده المتصل”، وأتذكر فى هذا السياق أننا فى ورشة الزيتون ناقشنا هذا الكتاب حين صدوره، بحضور الناقد الدكتور محمد بدوى، والناقدة الدكتورة منى طلبة، والأستاذ ابراهيم فتحى، ودون أن يتعرّض ابراهيم فتحى لذلك الاقتباس الذى أورده د جابر عصفور، قال فتحى : “إن دكتور جابر عصفور أمسك بالعصا، وراح يضرب النقاد واحدا بعد الآخر مؤنبا لهم، أو مرشدا، أو مصححا”، على أى حال كانت المناقشة ساخنة بين أربعة نقاد من العيار الثقيل.
ابراهيم فتحى وجمعية كتّاب الغد
بعد توقف مجلة “جاليرى 68” عام 1971، وإصدار بيان حاسم بهذه النهاية، كانت الحركة الثقافية الطليعية قد نضجت بما فيه الكفاية، وانفتحت نوافذ جديدة للتعبير، رغم إغلاق مجلة جاليرى تحت ظروف عديدة، وأول هذه الظروف “الوضع المالى” للمجلة، وراح الأدباء يعملون على استثمار التصريحات الكثيرة التى تداولها المسئولون فى السلطة، والتى توحى بأن عصرا من الحريّات قد حلّ، محلّ عصر جمال عبد الناصر، وبدأت أصوات المثقفين تعلو للحصول على مكاسب ديمقراطية، لأنهم اكتشفوا أن الكلام عن الحرية والديمقراطية الذى يلوكه ويطلقه المسئولون، ماهو إلا مجرد كلام استهلاكى، فقرر ابراهيم فتحى ورفاقه مثل د عبد المنعم تليمة ومحمد روميش ومحمد ابراهيم مبروك وزين العابدين فؤاد وعزت عامر ومحمود الشاذلى، وغيرهم، إنشاء ما أطلقوا عليه “جمعية كتّاب الغد” ورفع هؤلاء المثقفون شعار “نحو اتحاد وطنى ديمقراطى مستقل للكتّاب والأدباء”، ولم يقفوا عند رفع الشعارات الثقافية فقط، بل حاولوا أن يربطوا شعارات الجمعية، بالحركة المجتمعية عموما، فضلا عن التفكير فى إصدار مطبوعات أدبية، لتعبّر عن الطاقات الفنية الجديدة.
وبالفعل صدر أول ديوان شعر من الجمعية للشاعر عزت عامر عام 1971، وكان عنوان الديوان “مدخل إلى الحدائق الطاغورية”، وجاءت المقدمة تحت عنوان “هذه السلسلة”، وقد كتبها ابراهيم فتحى دون توقيع، وهى مقدمة تعبّر عن أهداف السلسلة، جاء فيها:
(هذه السلسلة يصدرها أدباء لا ينتمون إلى مدرسة فكرية واحدة، ولا إلى أى مدرسة فنية واحدة، بل هم ينتمون إلى جيل واحد، ولكنهم على اختلافهم تجمعهم ملامح مشتركة ، فالفنان عندهم جميعا ليس حرفيا حاذقا فحسب، يتعامل مع الشخصية الإنسانية والمصير الإنسانى فى جوانبه المتعددة، والشاعر الذى يستخلص المعنى من التجربة الحسيّة والانفعالية الجزئية، لا بد أن يحتضن الخلق الفنى عنده موقفا والتزاما”.
وتعتبر هذه المقدمة التى اقتبسنا مطلعها، بمثابة البيان الواضح لأهداف الجمعية أو الجماعة، والمانفيستو الذى يعبّر عن وجهة نظر شاملة وعميقة، كما أنها فاتحة لتشّكل جماعات أدبية جاءت فيما بعد مثل جماعة “أصوات”، و”إضاءة 77″، وغيرها من الجماعات التى بدأت تتكون فى القاهرة والمحافظات الأخرى، وذلك على خطى جمعية كتّاب الغد التى صنعت حراكا ثقافيا وفكريا وسياسيا فى تاريخ الجماعات الثقافية المصرية، ولم يكتف ابراهيم بكتابة المقدمة فحسب، بل إنه كتب نقدا عميقا، يتعرض بالتحليل لقصائد الديوان، والتى تعتبر من أول القصائد النثرية فى مرحلة وجيل السبعينات، وجاءت أفكار ابراهيم فتحى ملهمة لهذا الجيل وشعرائه بشكل قاطع.
ابراهيم فتحي ورؤيته للشعر
ولو جمعت مقالات الأستاذ ابراهيم فتحى ودراساته فى الشعر، لصنعت مجلدا كبيرا تنقصه الحياة الثقافية والنقدية المصرية، وإذا كان مقاله عن “الوقوف بين يدى زرقاء اليمامة” هو البداية، فدراسته عن عزّت عامر لم تكن النهاية، إذ كتب مقالات ومقدمات كثيرة لدواوين شعرية كثيرة، منها الأعمال الكاملة لسمير عبد الباقى، والأعمال الكاملة لسيد حجاب، ثم كتابه “الحوار بين مناهج نقد الشعر فى مصر”، والصادر عام 2012 عن المجلس الأعلى للثقافة، وفيه تصدى واشتبك مع كثير من النظريات أو النظرات النقدية للشعر، عند نقاد كثيرين.
وفى تقديمه لديوان سيد حجاب، نجده يرفض مصطلح “شعر العامية”، قائلا: جرت العادة على أن نصف أشعار (سيد حجاب) أول ما نصفها، بأنها أشعار بالعامية المصرية، وكان لسيد حجاب دور بارز فى حركة تجديد الشعر العربى بمصر، وهى حركة ممتدة أطلقت على نفسها، وأطلق عليها عرف كسول ذائع اسمه (شعر العامية)”.
ويسترسل ابراهيم فتحى ليشتبك مع وجهات نظر تكاد تكون مهيمنة وراسخة فى النقد الأدبى، إذ كانت كلمة “العامية” فى هذا الشعر العربى تقابل “فصحى” فقدت فصاحتها وإفصاحها منذ زمن بعيد، تتجمد فى قصائد هامدة، مثقلة بركام زخرفى بلاغى، مرصوص فى قوالب لغة شعرية مزعومة مخزونة، تنقل عموميات غائمة صاخبة الرنين فى إيقاعات بالية، هى ترجيع بعد ترجيع لأصداء حالات كانت انفعالية أو وجدانية تتلعثم بها كلمات قاموس شعرى تكدس عليه الصدأ، قاموس أخرس أثقلت لسانه الأنماط المتواضع عليها، والتى فرضتها صفوة مستبدة، للإدراك الحسى والتعبير الانفعالى والتقييم.
وهكذا يحرر ابراهيم فتحى مصطلح “شعر العامية” من القيود التى حاصرته منذ أن تلقفه نقاد كسالى كما يصفهم، ويغوص فى عوالم سيد حجاب المدهشة، ليكشف لنا أن ما أطلقوا عليه “شعر العامية” ماهو إلا مساهمة قوية فى الحركة الشعرية العربية بشكل مختلف.
ثم يأتى كتابه “الحوار بين مناهج نقد الشعر فى مصر”، ليشتبك مع عدد من النقاد، وشرح وتفنيد كل مقولاتهم، وبالتالى مع سلسلة أفكار طرحتها الحركة النقدية عبر سنوات عديدة فى مصر، ويبدأ بالدكتور صلاح فضل، والذى تناول الاتجاه الاجتماعى والنفسى، وطبقها على قصيدة أحمد شوقى التى تبدأ ب:
(خدعوها بقولهم حسناء
والغوانى يغرهنّ الثناء).
واعتبر الناقد أن المنهج الاجتماعى يبحث عن بيانات تاريخيىة محددة، تتعلق بظروف كتابة القصيدة وبموضوعاتها، وتدلّ هذه البيانات الخارجية _عند فضل_ على أن شوقى كتب هذه المقطوعة كجزء من قصيدة مدحية لم تنشر، ودون أن يذكر الناقد _كما يكتب فتحى_ كلمتى “انعكاس ونموذج” ، وهما السمتان المميزتان للمنهج الواقعى فى العرف الشائع، فإنه يستعملهما فى تحليله التطبيقى، ويأخذ ابراهيم فتحى على تحليل ورؤية د صلاح فضل ملاحظات كثيرة، رغم أنه مؤلف كتاب عن الواقعية، ويعتبره فتحى من أهم الكتب التى صدرت عن ذلك التيار، وبعد أن يشتبك ابراهيم فتحى ملاحظاته على وجهة نظر ورؤية د صلاح فضل، يقدم رؤيته لذلك الاتجاه، مستعرضا لأهم الأفكار التى طرحت فى العالم بشكل نقدى وتاريخى، ثم يتعرّض بعد ذلك للدكتور شكرى عياد ومجموعة نقاد بالتحليل المكثف والعميق.
ابراهيم فتحى والترجمة
وبالطبع لا نستطيع فى هذه الدراسة أن نتناول إنجازات ابراهيم فتحى النقدية والفكرية، فى التأليف والترجمة، فلا يقتصر جهده فى الترجمة على النقد الأدبى فقط، بل يتجاوزه إلى الفلسفة والفكر السياسى، ومن أهم ترجماته كتاب “قواعد الفن ” الفيلسوف الفرنسى “بيير بورديو، وكتاب “الرومانسية” تحرير مارشال براون، وترجمه بالاشتراك مع لميس النقاش، وكتب له مقدمة نقدية ضافية، كذلك ترجم كتاب “ما بعد المركزية الأوروبية” لبيتر جران، بالاشتراك مع عاطف أحمد ومحمود ماجد، ثم ترجمته لكتاب “أزمة المعرفة التاريخية .. فوكو وثورة فى المنهج” لبول فين، وغير ذلك من الكتب المترجمة عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية الكثيرة، ولم يكن ابراهيم فتحى يقوم بدور المترجم، وناقل المعرفة فحسب، بل كان يكتب مقدمات نقدية ومشتبكة مع الكتاب المترجم، مقدمات مطولة تضع القارئ بيسر فى أجواء الكتاب، وماقيل حوله، وعلى سبيل المثال نجده فى كتاب “أزمة المعرفة التاريخية” يقول فتحى فى المقدمة: “هذا كتاب يطرح أسئلة شديدة الإزعاج حول المعرفة التاريخية، ويحيط بالشك أمورا راسخة اطمأنت لها أفهامنا زمنا طويلا، وقد تكون قيمته ماثلة فى تسليط الضوء على إشكالية المعرفة التاريخية من حيث أسسها وشبكة مفاهيمها وآفاقها، وربما كانت الإجابات التى يقدمها ذات النزعة الوضعية والتى تصل بالوضعية إلى آخر مدى، محلا للاعتراضات الجدية”.
وهكذا لا يترك ابراهيم فتحى قارئه بعيدا عن الأجواء والأفكارالتى يطرحها الكتاب، ثم يطرح طريقته فى الترجمة، وكافة الإشكالات التى تعرّض لها أثناء ترجمته، ولا دهشة لذلك، فابراهيم فتحى المفكر والناقد والقائد السياسى، هو ذاته المحرر الأدبى الذى بدأ به حياته منذ ستين عاما، وهو يعود دوما إلى موضوعات كان قد طرحها من قبل، فرغم أنه كتب كتابا مهما عن نجيب محفوظ، وهو كتاب “العالم الروائى عند نجيب محفوظ”، إلا أنه عاد مرة أخرى وكتب كتابا آخر هو “نجيب محفوظ بين القصة القصيرة والرواية الملحمية”، وذلك ليستوفى ماكان قد فاته من قبل فى درسه النقدى الأول، بل إنه يعاود الحديث عنه فى كتاب ثالث، وهو كتاب “الخطاب الروائى والخطاب النقدى فى مصر”، وابراهيم فتحى يتعامل بالجدية ذاتها فى كل المجالات التى كتب فيها، فكتابه “كوميديا الحكم الشمولى” عن المسرح المصرى، لا يقل_بأى درجة من الدرجات_ عن المستوى الذى تعامل به مع كافة إنجازاته الفكرية والنقدية الأخرى.
خاتمة
لا تريد هذه السطور أن تنتهى، فابراهيم فتحى الذى بدأ حياته السياسية والثقافية والفكرية منذ مايقرب من سبعين عاما، وأنجز لحياتنا الفكرية والثقافية الكثير والكثير، ولم تخضع سيرته الفكرية حتى الآن للإعداد الببلوجرافى، فإنجازاته المترامية فى تلك المجالات مازالت حتى الآن غير مشمولة بالجمع الكلى، هذا عدا المقالات والدراسات المنشورة فى بطون المجلات والصحف المصرية والعربية، مثل مجلات الهلال وأدب ونقد، وصحيفة القاهرة.
وكذلك الكتب والدراسات السياسية التصحيحية، والتى اعتبرها الشباب بمثابة برنامج فكرى وأيديولوجى لهم، وتكونت حول هذه الكتابات جماعات سياسية، ظلّت تمارس العمل السياسى لعقدين من الزمان، وظلّت الأفكار تبدع توجهات وتيارات شديدة التأثير والأهمية، لذلك يحتاج ابراهيم فتحى وكتابته إلى جهد بالغ الدقة والأمانة والجدية، ولذلك أدعو لإنشاء لجنة علمية _بمشاركة وزارة الثقافة المصرية_لرصد وتبويب ونشر جهد هذا الرجل العظيم، وعدم ترك الأمور للعشوائية التى تخترق حياتنا الثقافية بشكل كبير.