رغم ازدحام هذه الرواية بالأحداث والمحاور والشخصيات، فإن انسيابية الحكى جعلتها سهلة الاستقبال، ففى أثناء القراءة، على سبيل المثال، يَظهر “فلان” بشكل مفاجئ، ولكنك تستسيغ وجوده، ثم تتسع دائرته بهدوء، وتتضح علاقته بالآخرين، ومن شخص إلى آخر حتى تكتمل شبكة كبيرة من العلاقات الإنسانية عبر أزمنة مختلفة، بؤرتها “سلمى رشيد”، تلك الفتاة ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية المركبة، والتى تطاردها الأحلام والذكريات، تيمة الرواية التى تسير بالتوازى مع تيمات أخرى تتناول التفاوت الطبقى، والدينى، والاجتماعى، كما أنها تتعرض بجرأة راقية إلى الغرائز الإنسانية التى تطغى على أصحابها فى أصعب المواقف، فنجد بعض أهل القرية المتزاحمين حول جثة “صابر” بعد تعرضه إلى حادث عنيف أثناء عمله، نجدهم للحظة يلتفتون عنه وتتعلق أبصارهم بجسد زوجته التى “شقت” جلبابها أثناء العويل، وهو بالمناسبة أحد المشاهد الصادمة فى الرواية، والتى قدمتها الكاتبة فى شكل درامى متمكن، يصعب تصويره على الورق، ما يلفت الانتباه إلى مدى إحساسها باللغة التى تعد أحد أهم أبطال هذا العمل، فكلمات منصورة حاولت تجاوز حدود السرد المكتوب، وسعت لتجسيد الأحداث، فتكاد تشعر بسخونة النار وهى تلتهم محتويات الصندوق الخشبى الذى أحرقته “سلمى”، أو تتشمم رائحة دخان السيجارة التى أشعلها “هشام” بعد أن فرغ من “جميلته”، أو حتى تستمع لصوت احتكاك الجنزير المربوط بساق “بدر الهبلة” أثناء صعودها سلم البيت، بعد أن استطاعت فكه من ساق السرير وهى تنادى “يا جابر.. يا جابر تعال فكنى”.
الجانب المعلوماتى يأخذ حيزا كبيرا فى الرواية، فنجد مجموعة من الهوامش التى تنوه إلى بعض الأحداث، أو تعرّف كلمة ما، وهو الجانب الوحيد تقريبا الذى اختلفت حوله الآراء، فالبعض رأى أنه أغنى العمل بشكل كبير، والبعض الآخر قال إن الاهتمام به أثر سلبا على جمال السرد، ولكنهم لم يختلفوا على أن “وراء الفردوس”، والتى صدرت طبعتها الثانية مؤخرا، خطوة مهمة فى مشوار صاحبة “متاهة مريم” و”ضوء مهتز”.