اختارت الروائية والقاصة منصورة عز الدين، الجنون كتيمة أساسية فى أعمالها بشكل عام، وفى مجموعتها القصصية الجديدة «نحو الجنون» كانت حاضرة أيضا، وذلك بعد أن ظهرت التيمة ذاتها فى روايتها الأولى «متاهة مريم» عام 2004 الصادرة عن دار ميريت، وروايتها الثانية «وراء الفردوس» الصادرة عن دار العين عام 2009، والتى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية فى دورتها الثالثة. فى هذا الحوار تكشف منصورة عز الدين عن سر ولعها بموضوع تنويعات الجنون وصوره، بينما تتطرق أيضا إلى مدى تأثير الثورة على كتاباتها، ورؤيتها لتصنيف ما تكتبه..
فإلى نص الحوار:
■ قلتِ فى حوار لك من قبل أن فكرة الجنون من التيمات الأساسية فى أعمالك.. فهل انسحبت تلك الفكرة أيضا فى مجموعتك القصصية الجديدة «نحو الجنون»، أما أن العنوان خادع؟
– بالفعل الجنون تيمة أساسية عندى، لأننى مشغولة به كثيرا حتى بعيدا عن الكتابة. وتنويعات الجنون وظلاله موجودة بشكل أو بآخر فى معظم نصوص المجموعة، لا يشترط أن يكون جنونا بالمعنى الشائع، إنما درجات مختلفة من مفارقة المألوف والمتوقع والمنطقى. هناك أيضا خيط آخر يربط كثيرا من قصص المجموعة، وهو خيط المدينة، سواء الغريبة والمفارقة للواقع أو الأليفة فى لحظة من لحظات تحولها إلى أخرى غير مألوفة.
■ وهل لهذا السبب اخترتِ أن يكون عنوان المجموعة «نحو الجنون»؟
– نعم، إضافة إلى أن العنوان فى حد ذاته موحٍ وفنى من وجهة نظرى.
■ القصة الأولى بالمجموعة «مطر خفيف» بدأت بفقرة من قصة قصيرة ل«خوليو كورتاثر».. هل تأثرتِ بكتاباته؟
– «مطر خفيف» تبدأ بجملة من قصة «لقاء فى دائرة حمراء» لخوليو كورتاثر، لأن هناك استدعاء لنص كورتاثر فى قصتى. وقد بزغت فكرة «مطر خفيف» من حلم يدور فى ما يشبه مطار يتحول إلى متاهة أضيع فيها وأنا فى طريقى إلى «فيسبادن» التى لم يسبق لى زيارتها فى الواقع، واستفدت من تفاصيل الحلم فى كتابة النص خصوصا مشهده الأول، وبشكل عام أعتبر الأحلام/أحلامى من روافد الكتابة عندى وهذه المجموعة وحدها تضم أربع قصص بدأت بذرتها كأحلام: «مارين»، «ليل قوطى»، «مطر خفيف»، «ست شمعات».
«فيسبادن» كوجهة محتملة فى الحلم ثم القصة لاحقا، ذكرتنى بقصة كورتاثر التى عرفت بالمدينة لأول مرة عبرها قبل سنوات، وبدا لى وقتها أن الاسم فى حد ذاته محمَّل بشحنة غرائبية عالية، من هنا جاءت فكرة اللعب مع «لقاء فى دائرة حمراء».
وكورتاثر من الكتاب الذين أقدرهم كثيرا، لكن مسألة التأثر من عدمه مسألة مركبة وفى رأيىّ أن أكثر ما يؤثر فى الكاتب هو قراءاته الأولى فى فترة التكوين، كما أن التأثيرات الأدبية لا تعنى تقليد كاتب ما لكاتب آخر بقدر ما تعنى تعرف هذا الكاتب على كُتّاب مهمومين بأسئلته نفسها، ويقدمون اقتراحا كتابيا قريبا من رؤيته للكتابة. وباستعارة كلمات بورخيس فى مقاله «كافكا وأسلافه»، يمكن قول إن كل كاتب يخلق أسلافه.
■ قصص المجموعة جاءت على لسان فتيات.. فهل تصنفين أعمالك على أنها كتابة نسوية؟
– لا أظن أن كتابتى تندرج تحت هذا التصنيف، أو بالأحرى لا أحب أن تنحصر كتابتى فى تصنيف بعينه، ففكرة التصنيف عادة ما تنطوى على إجحاف، خصوصا حين نتكلم عن الإبداع. نقطة أخرى هى أن غلبة الشخصيات النسائية فى عمل ما لا تعنى بالضرورة أنه نسوى، قد أكتب رواية كل شخصياتها من النساء، وتكون أبعد ما تكون عن النسوية أو حتى مضادة لها، وقد يكتب غيرى رواية تطرح أفكارا نسوية عبر شخصيات أغلبها من الذكور. كما أن الكتابة النسوية ليست قاصرة على الكاتبات فقط، هناك روائيون تنطلق أعمالهم من وجهة نظر نسوية. المعيار الأساسى يجب أن يكون معيارا فنيا، أى جودة الأدب بغض النظر عن أى تصنيفات أو توصيفات جاهزة.
■ قصص المجموعة لا تخلو من الفانتازيا.. فهل تصنفين نفسك ككاتبة فانتازية؟
– كما ذكرت سابقا، لا تستهوينى التصنيفات كثيرا، لكن البعد الغرائبى بتنويعاته موجود فى كتابتى منذ مجموعتى القصصية الأولى «ضوء مهتز»، حدث هذا بشكل عفوى منذ أول قصة كتبتها، ولا أنظر إلى الفانتازى أو الكابوسى فى كتابتى باعتباره كتابة غير واقعية، ولكن الفكرة أن عينىّ تريان الواقع على هذا النحو. وعموما لا أرى فى الكتابة مجرد محاكاة للواقع إنما محاولات متنوعة لاختراع عوالم موازية، أو لخلخلة الواقع المألوف واللعب ب ومع تفاصيله فى سياقات مختلفة.
■ باستثناء قصتين كُتبت قصص المجموعة من بداية عام 2002، وحتى منتصف 2010..ألا ترين أن هذه المدة طويلة؟
– وما المشكلة؟ أنا مقلة فى كتابة القصة القصيرة، وأعود عادة إلى قصص كتبتها لإدخالها فى نسيج عمل روائى حدث هذا فى «متاهة مريم»، و«وراء الفردوس»، و«جبل الزمرد»، لكن تبقى هذه القصص نصوصا مختلفة ومستقلة حين تُنشر كقصص. مع الوقت تجمعت لدى قصص تكوِّن مجموعة قصصية يربط بين معظم نصوصها وشائج ما، وكان من المفترض صدورها آخر 2010، ثم حدثت الثورة وأجلت النشر قبل أن أرسلها إلى دار ميريت فى بداية 2012. لم أعد شغوفة كثيرا بالنشر بسرعة، يهمنى بالأساس أن أظل أكتب.
■ ولماذا تناولت أحداث الثورة فى قصتين بنفس المجموعة؟
– لا أعتبر أنى «تناولت أحداث الثورة».. فقط حاولت اللعب على هوامش حدث دائر وفى طور التطور، والقصتان بالمناسبة يمكن قراءتهما بمعزل عن هذا الحدث، خصوصا «مطر خفيف» التى تدور فى جو كابوسى، جزء منه مستلهم من أحداث جمعة الغضب دون الإشارة إليها أو إلى الثورة بشكل مباشر.
■ وهل يمكن أن تكتبى رواية عن الثورة.. أم أنك ما زلت تحتاجين إلى بعض الوقت كى تكون الرؤية أوضح؟
– لا أدرى، ربما لاحقا، كتابة رواية عن حدث مماثل تتطلب مسافة قد تكون زمنية أو وجدانية. «جبل الزمرد» تدور فى أجزاء منها فى قاهرة 2011 لكنى تعمدت أن يكون الحدث السياسى شبه غائب عن أحداث الرواية، يظهر فقط عبر بعض آثاره الخفيفة.
■ وماذا عن أعمالك المقبلة؟
– منذ يوليو الماضى بدأت فى كتابة رواية جديدة، كانت فى البداية نصا كُتب خصيصا لدورية «البوابة التاسعة» اللبنانية التى يرأس تحريرها الشاعر فادى طفيلى، ونُشر فى عددها الأخير بالعربية والإنجليزية المخصص لإبداعات من روسيا والعالم العربى، ثم توسع النص منى وتحول تدريجيا إلى رواية محتملة.