دعاء إبراهيم .. مفتونة بالنفس البشرية وأسعى للتوفيق بين الطب والأدب

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورتها: هانم الشربيني 

دعاء إبراهيم روائية وطبيبة أطفال مصرية من مواليد الإسكندرية، بدأت مشوارها مع الكتابة مبكرًا حيث صدر العمل الأول لها نقوش حول جدارية عام ٢٠١٣ عن الهيئة العامة للكتاب، اهتمت أعمالها بالشق النفسي وركزت على دواخل الشخصيات وتشريح دوافعهم بشكل مكثف مما جعل مشروعها واضح المعالم منذ اليوم الأول، كما امتازت عوالمها بالمزج بين الواقع والخيال بشكل واع وقادر على الاستفادة من العالمين بما يفيد النص الأدبي. وصلت أعمالها إلى العديد من القوائم القصيرة لعدة جوائز أدبية مصرية وعربية، وحظيت أعمالها الثلاثة الأخيرة (ست أرواح تكفي للهو، وحبة بازلاء تنبت في كفي، وفوق رأسي سحابة) باهتمام نقدي وجماهيري، كما حصلت رواية ست أرواح تكفي للهو على جائزة مؤسسة فلسطين الدولية دورة غسان كنفاني ونالت رواية حبة بازلاء تنبت في كفي جائزة الخطلاء الصادرة عن مبادرة إيجاز التابعة لدولة الكويت.

أجرينا معها هذا الحوار لنستكشف أفكارها عن الجوائز والأدب وكيف تقدمت بروايتها إلى جائزة الخطلاء.

تقول دعاء:

قررت الاشتراك في جائزة الخطلاء بعد أن أرسلت لي صديقة رابط الجائزة وشجعتني على المشاركة، بعدها وجدت الرابط مُرسلًا للمرة الثانية على جروب للكاتبات على تطبيق الواتساب، وقتها شعرت أن رابط الجائزة يلاحقني بشكل ما. تصفحت الشروط و نتيجة الدورة الأولى ولفت نظري وجود لجنة تحكيم من أكاديميين بارزين، كما أن الروايات حملت أرقامًا فأدركت أن الجائزة في الغالب تحجب الأسماء وما يخص تفاصيل الروايات وتعطي كل رواية رقمًا وفقًا لترتيب وصولها إلى إيميل الجائزة ورغم أن كل ما فكرت فيه وقتها كان تخمينًا، لكنني تأكدت من صحة تخميني بعدما تواصلت معي إدارة الجائزة بعد إعلان النتيجة ودفعني الفضول لسؤالهم عن هذه الأرقام التي تتواجد في قائمة النتائج وجاءت إجاباتهم كما توقعت من قبل.

بالنسبة للسؤال: هل كنتِ تتوقعين الفوز بها؟ كي أكون صادقة معكم، علي أن أجيب بنعم،  فبعد أن أرسلت الرواية عبر الإيميل نبت داخلي هاجس قوي يُحدثني بأنني سأفوز، لا أعرف من أين أتاني ولا لماذا لكنه بدأ قويًا وظل يخفت تدريجيًا حتى نسيت قصة الجائزة.  بعدها فوجئت بالقائمة الطويلة بعد أكثر من عشر ساعات من ظهورها حيث أرسلها لي بعض الأصدقاء على الواتساب لأن حسابي على الفيس بوك كان معطلًا.

الحقيقة أنني أود أن أهدي هذه الجائزة إلى صغاري” ليلى وسليم” لأنني وعلى مدار ثلاث سنوات متواصلة كنت موجودة ضمن قوائم قصيرة لجوائز عديدة، أخرج إليهما في كل مرة لمشاركتهما الفرحة بأن أقول لهم: “روايتي موجودة في قايمة جايزة وهجيبلكم اللي انتوا عايزينه لو كسبت”، فيفرحان لي كأن أمهما ” جابت الديب من ديله” وحين لا تفوز الرواية يكيلان – بحبهما الطفولي البرئ ـ  للجنة التحكيم وللعالم وللجميع رصة معتبرة من الاتهامات الخطيرة لأن اللجنة لم تختر رواية ” ماما”،  فندخل في جدال حول الفوز والخسارة وأن اللجنة قد ترى ما لا يراه طفلان كل ما يتمنيانه هو فوز أمهما بأي طريقة وتحت أي ظرف، وبعد محادثات طويلة عن الفرص، عن الفشل، عن النجاح، عن السعي، تخبرني ليلى ذات التسع سنوات أن الخسارة أفضل بكثير من الفوز وتحكي لي أنها حين فشلت في كذا في المدرسة تعلمت منه كذا وكذا ثم تحتضنني بحس أمومي صغير لتخبرني أنني أفضل أم وأفضل كاتبة وأفضل سيدة وأفضل أي شيء وكل شيء، لقد أحببت القوائم والخسارة بعدها لأنها تفتح بيني وبين صغاري حوارًا فلسفيًا لا يمكن الحديث عنه إلا عبر الهزائم، وممتنة أيضًا للفوز الذي مكنني من شراء عدد (2)  لعبة لهما وجعلهما لا يفقدان يقينهما بإمكانية الفوز وبأمهما التي تود أن تهديهما كل الجوائز والنجاحات كما أهدتهما من قبل الخسارات الصغيرة التي يمكن تجاوزها بحوار وقبلتين وأحضان كثيرة.

هل الجوائز دليل على جودة العمل؟

 الحقيقة أن هذا السؤال قُتل بحثًا ورغم بساطته إلا أنه يحمل من التعقيد ما لا يبدو عليه. الأسهل لي ككاتبة حصلت على جائزة مؤخرًا أن أقول أن الجوائز دليل وشهادة على جودة العمل لكنني في العادة لا أرتاح للإجابات البسيطة حتى لو تقولت بها أحيانًا. دومًا ما يكون هناك معركة داخلي وحوار لا يقل فلسفة عن حوار الفوز والخسارة. أقول لنفسي: كفي عن التفلسف” لأن الفلسفة مرعبة ومخيفة و مشكلتها تكمن في أنها تزلزل كل ما نعرفه بالفعل، تجعلنا نسائل المألوف فلا يعود مألوفًا مرة أخرى، الجوائز تفرز كل عام روايات عدة وفي كل عام هناك لجنة تحكيم تختلف عن غيرها، لقد حلت الجوائز محل الناقد في ظل مشاكل كبيرة تواجه النقاد وتفقدهم سلطتهم القديمة، حيث بدا الأمر أنه طوال الوقت خارج عن السيطرة وفوضوي، وعلى قدر سوء الفوضى على قدر جمالها الكامن في الحرية المطلقة للجميع، فالجائزة ترى الأفضل من وجهة نظرها والقراء يرون الأفضل وفق مزاجهم القرائي، والنقاد يرون الأفضل وفق مدارسهم الحديثة والقديمة على حد السواء، لكن الكاتب، حجر الزاوية، يمضي في طريقه، يكتب، يخلص للكتابة، يحب ما يفعله حبًا أفلاطونيًا لا يناسب مجريات العصر، هناك روايات “كبيرة” أغفلتها الجوائز وهناك روايات “ضعيفة فنيًا” توجتها جوائز وهناك روايات جديرة بأن تحصل على جوائز مهمة وحالفها الحظ وحصلت عليها، لكن الجودة أو القيمة أو الفنية سيبقى السؤال العصي الذي لا يمكن الإجابة عليه عبر “جائزة”،  السؤال عن قيمة ما نقدمه وجودته يحتاج لزمن كامل ومشوار طويل قد نصل إلى نهايته وقد لا نصل، وقد يحتاج لزمن آخر ينصفه كما حدث مع الشاعر دانتي أليجييري الذي التفت إليه الجميع بعد أن مات في المنفى ليتداركوا خطأ ربما لا يمكن التكفير عنه، كيف سيتمكن فنان من الشعور بالجودة والأحقية والرضا عن فنه بعد الموت؟!

هذا السؤال يحيلني إلى خصوصية الجودة، أنها رغم كل شيء شعور داخلي محرض على تكرار تجربة الكتابة مرة تلو الأخرى، حتى ولو أغفلت الجوائز ما هو جيد بالفعل أو أصابته. لم تعد تفرق، لأن هناك دومًا شعورًا بالجودة عميقًا وحقيقيًا لدى الفنان نفسه، وهذا الشعور هو ما يدفعه للموت مطمئنًا أن الزمن سينصفه، حتى لو تشكك في صحة تلك النظرية كما أفعل في أحيان كثيرة،  لكنها على الأقل نظرية عادلة وبسيطة ومريحة ويمكن التقول بها دون حرج. في الخلاصة كي أتجنب الإطالة، الجوائز أكبرها وأصغرها تحتاج بشدة إلى مبدع حقيقي، ربما أكثر مما يحتاجها هو ليشتري لعبتين لأطفاله وليثبت أمامهم أنه يجيد ما يفعله، الجائزة تحتاج إلى مبدع حقيقي لأن العمل الجيد هو الدليل الوحيد على قيمتها ونزاهتها، في حين أن المبدع سيخسر جائزة ويفوز بأخرى لكن عنصر الجودة ينبع طوال الوقت من أعمق وأعنف نقطة في كيانه، النقطة التي تجعله لا ينهزم أبدًا، على الأقل، أمام نفسه، حتى لو بدا مهزومًا أمام الصغار.

  أكتب دومًا خلسة في الأوقات التي أضيق فيها بالمذاكرة والطب، تمنحني الكتابة تلك المتعة والمعاناة الخالصة، الكتابة صوتي، على الأقل أحس داخلها أنه يمكن لهذا العالم أن يراني بالعين المجردة دون الحاجة لمجهر. أكون مرئية حين أكون الآخرين، حين أحكي حكاياتهم وأتجسدها وأعيشها كأنها تحدث لي، أو كأنني أخطأت الطريق حين كنت نفسي!

أكثر الكتاب الذين أثروا في ” عقليتي الأدبية” هو كافكا وكتاب مسرح العبث ودومًا ما أقول: كل عمل أدبي لي هو محاولة لتسطير هؤلاء اللامرئيين الذين أزعم أنني واحدة منهم. أنا دودة كافكا، أنا الكاتب الجائع الفقير الذي لا يجد الفتات في رواية الجوع لكنوت هامسون، أنا بطل زوسكند الخائف من حمامة واقفة أمام باب شقته. أنا هؤلاء، في أفضل أحوالي، أنا غير مرئية في زمن كل شيء يلمع فيه حد العمى.

بالنسبة لمشواري الأدبي أنا مفتونة بالنفس البشرية بتعقيدها، بغرائبيتها، بقسوتها، وعدلها، وفي النهاية بقدرتها على الاستمرار أمام العالم. كتبت رواية” حبة بازلاء تنبت في كفي” في فترة عزلة الكوفيد حيث شعرت أنني أحتاج إلى الحديث عن “همي” الحياتي كطبيبة أطفال، الطب يمنحني رؤية أخرى للحياة والموت وحاولت نقل هذه الرؤية في تلك الرواية التي خرجت من داخلي كطلقة مسدس، وأحمد الله أنها نفذت إلى قلوب القراء وبعدها إلى النقاد ثم تم تتويجها من خلال لجنة تحكيم تضم نقاد كبار على مستوى الوطن العربي، أتوجه بالشكر لجائزة الخطلاء ولمبادرة إيجاز ومؤسسها الأستاذ ماجد سليمان التركي على رغبتهم الحقيقية في دعم اللغة العربية والاحتفاء بكتابها ومبدعيها حول العالم.

وبالنسبة لآخر أخباري الأدبية، لقد صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب روايتي الجديدة ” فوق رأسي سحابة” عن دار العين وهو عمل يغوص داخل النفس البشرية وينتقل بين عوالم كثيرة، بين مصر واليابان. حيث تبدو اليابان فيها كما لم نعرفها من قبل.

وأعمل الآن على مشروع رواية حصلت على منحة المورد للإشراف الفني، وهي منحة توفر للكاتب إشرافًا نقديًا متمثلًا في ناقد يرافقه أثناء كتابة العمل بالحوار والمشاركة، ولقد انتهيت من المسودة الأولى مع الناقد المغربي د.محمد معتصم وأظن أنني لا يزال أمامي الكثير من العمل على تحرير الرواية  لتخرج  إلى الجمهور وتتفلت من قبضتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات من نفس القسم