7 قصائد عن الحزن

محمد سعيد درويش
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد سعيد درويش

1
حين أموت
اذكريني
تعالي ومعكِ يمامة
كي يبقى الحُزنُ علامة

2
في الغُرفةِ
تُطفئ الأم اللمبةِ
كي تسود العتمةِ
يبقى خيطُ الضوءِ الهاربُ مِن الشمسِ
المُتسربُ مِن وراءَ النافذةِ
فيرفرفُ الذُباب كلهُ نحو النافذةِ ويقفُ هناكَ
حيثُ شعاع الضوءُ الهاربُ مِن الشمسِ .
هكذا يكون الحُزن
يترك الظلام كي يعششُ في قلبك
حيثُ هناك شعاع هاربُ مِن الشمسِ
الشعاع هذا ربما يكون خُصلة شعرها
عيناها أو خدها نهدها أو شفاتاها
أو ربما يكون هي كلها
هي جميلة وأيضًا هي في قلبك لذا يأتي الحزن
الحزن يتجه نحو النور أو نحو الجمال
أنتَ جميل طالما أنتَ حزين
هل رأيت مُجرم حرب حزين مِن قبل !
هل رأيت رئيسا ديكتاتوريا حزينا من قبل !
هل رأيت الحزن في بذلة تقدم رجل لامعًا مِن عرق الفقراء !!

3
تركض المياه في مجرى النهر
بسرعة
ترتطم بصخرة
هكذا يكون الحزن
يأتي من بعيد
إلى هنا
بسرعة
ويرتطم بقلبي
قلبي الذي ليس كالصخر

4
كان يجلس على الأريكة متكئا على وسادة
ثملًا بعض الشيء، في يديه كِتاب عَن جيفارا
ويُدخن سيجارة رديئة
ومعهُ أحلامهُ العظيمة
قال
أودُّ لو أن ألملم الحزنُ في سيجارة
من ثُمّ راح يفعلها
يلملم الحُزن في سيجارة
ويحرقهُ
ظللنا يومين، نلملم التبغ في ورق حائط
كُنا قد أتينا بالتبغ رمزًا للحُزن
توقف مرةٍ واحدة وقال قد مللت، وأنتَ ؟
قُلتُ، أنا ياصاح أشعرُ بالملل مُذ أن بدأت في هذا
قال، إذن لنبحث عَن شيء آخر
ما رأيك لو نلملم الحُزنُ في زجاجة
ونلقي بها بعيدًا
لَم أجب
بل بدأنا نضع المياه في زُجاجة كوكاكولا
وكُنا قد أتينا بالماءِ رمزًا للحُزن
مرّ يومان، كُنا قد انتهينا من ملء كُل زجاجات البيت
قال: هل إنتهيت
قُلتُ: لا هُناكَ المزيد، المزيد مِن الحُزن
قال: إذن فلنعبئهُ
ضحكت وقُلت
لا ينفع، ليس هُناكَ أي زُجاجة آخرى
ومعنى هذا أن لا شيء هُنا يساع حُزننا
نم يا حبيبي، عُد إلى الأريكة واسترح
لا شيء هُنا يساع حُزننا

5
في ليلة مِن ليالي الشِتاء الفائتُ الحزين
كُنت أقف – أنا وهو – في شُرفة المنزل
ننظر بأعيننا إلى العابرين والعابراتِ
أشعل سيجارتهُ وبينما ينفثُ الدخان
بدأ يُردد مقطعا مِن إغنيته المُفضلة
” وأهرب مِن قلبي أروح على فين “
ثُمَّ توقف فجأةٍ ونظر إليَّ
وقال لي بعد أن أخذ نفسًا مِن السيجارة
– صحيح يا صاح، إلى أين أهرب
قُلتُ “مِن مَن، تريد أن تهرب؟! “
قال مِن قلبي، مِن عقلي، مِن الحُزن
إلى أين يهربُ المرءُ يا صاح
مِن أشياء لا مفر مِنها
داعبتُ خُصيلات شعري
ولَم أعرف ماذا أُجيب
هل مِن الضروري أن ألقي عليه إجابة ترضيه
سؤالهُ غبي، إن معظم الأسئلة التي لا إجابة لها
يصفها المرءُ بأنها أسئلة غبية
قُلتُ لهُ
أودُّ أنا أيضًا أن أهرب
قال، مِن قلبك ؟
قُلتُ
لا مِن نفسي
أودُّ أن أهرب، مِن نفسي
نظرتُ إلى الناحية الآخرى
وغنيت “وأهرب مِن نفسي وأروح على فين ؟! “
لمحتهُ بطرف عيني، يضحكُ ساخرًا

6
الناس يستيقظون كُلَّ يوم في الصباح الباكر، كُلَّ واحد مِنهم مفعمُ بالأمل والنشاط، تعتريه بهجة . حين تشرُق الشمس، وترسلُ أشعتها الواهنة، وتخترقُ مِن بين نوافذ الشقق، مع موسيقى صباحية، يبدأُ الناس يومهم، البعضُ يذهب إلى العمل خوفًا مِن الجوع ليلًا، والبعضُ الآخر يقودهُ الجوع إلى المصانع الكئيبة، ومجموعة أخرى تذهب للمكاتب ليمارسون ما يمارسونهُ كُلَّ يوم . مجموعة آخرى تذهبُ إلى صناديق القِمامة. شيئًا فشيئًا يبدأ الشارعُ بالضجيج، عُمال وطُلاب بُلهاء يحلمون بمقابلة فتاة ترتدي فُستانا دون حمالة كتف، ذات عينين ملونتين وشعر أشقر وبشرةٍ بيضاء وجسد ناعم، دافئ كالوسادةِ التي يحتضنوها كُلَّ ليل . موظفو بنوك، ومصالح حكومية . رويدًا رويدًا تصعدُ رائحة العفن، ولعنة شعوب المنطقة الحارة، تبدأُ في الظهور، حيث العرق ينهمر مِن جبينهم، يبلل قُمصانهم وكأنهم في اليم، البؤس يكاد يشقشقُ الوجه، الحُزن يكادُ أن يمزق القلب، ثمَّ في النهاية يعودون إلى البيت، إلى السرير، حيث المكان الآمن الوحيد في العالم، ينامون تُعساء، لا حُب، لا سلام هذا غير خيبات، أخبار وفيات، مشاحنات، غضب، عِراك مع السائق و بائع البقالة يُكشر في وجوه الزبائن . ينامون في الليل ثُمَّ تأتي الملائكة تطوفُ حولهم . الناس كُلهم نائمون، والملائكةِ تطوف والربُ يتطلعُ مِن السماء، ثُمَّ يسود الصمتُ فجأةٍ، وشيئًا فشيئًا يتوهجُ الضوءُ الأبيض، حيث فتحت الملائكة عروة ستراتها. ثُمَّ ينتزعُ الملائكة حُزنهم ليستيقظون كما الصباحُ الفائت، قادرين على ما هو كالصباح الفائت .

7
كُنتُ
شَماعة
في رُكن الغرفة
في لحظةٍ ما
سُرقت من الأيام
ولجت البنت
الباب
ودخلت الغرفة
راحت
تتحرك على أصابعها النحيفة
جيئةٍ ورواحًا
مراتٍ عدة
وقفت عِند الشماعة
أمامي يعني
وراحت تخلعُ
معطفها
المُثقل بالحُزن
علقته على جانبي الأيسر
لاحظَت
أنني أنحرف
أميلُ إلى السقوط
خلعت سترتها
الجميلةٌ
علقتها
على الناحية الأخرى
شاهدتني أعتدل
توازنت
حاولتُ
أن أتحمَّلُ
معطفها المُثقلِ
بحزنها
وحاولتُ أن أحافظُ
على سترتها الجميلةٌ
وفي لحظة ما
في يوم ما
بدا معطفها
بدا خفيفًا
لقد تحملته
حتى جف
منه الحزن
راحت
تأخذ معطفها
وشاهدتني أنحرف
أميل إلى السقوط
ثمَّ سحبت
سترتها الجميلةٌ
وغادرت الغرفة
وبقيّ ذلك الأسى
الذي
لا يعرفه سوى
سائق الباص
بعد نزول آخر الركاب.
..
القاهرة .
٢٠١٩ م

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project