في معرض جميل شفيق الأخير الذي زرته، لم أحب الأعمال، ولا قاعة العرض، أحاول البحث عن سياق اجتماعي أو تاريخي، لأجد مبررا لهذاً الثبات القاتل طوال سنوات. دكتورة مادة تاريخ الفن تخبرني أن انطباعي الشخصي لا يهم، ما يهم القارئ أكثر هو نقل ما داخل اللوحة وتحليله أكاديمياً، حاضر سأفعل، سأكتب ما بداخل اللوحات، سمكات وأحصنة ونساء مكتنزات، لكنني سأقول رأيي بخبث أكاديمي في نهاية الأمر، لوحات مرتبة ومصقولة بلا أي مساحة للخطأ، أو قصائد منظومة تتغزل في الجميلات وتمجد الوطن، والحب والجمال. أتساءل ما جدوى الفن إن لم يسب العالم، يركله، ينيكه، يضعه في مواجهة كل القبح والتناقضات بداخله.
يقولون يا سارة العالم جميل، العالم جميل..
أنا لا أراه جميلاً، كلما حاولت هجر اغترابي، أو تنحيته في ركن بعيد، عند أصابع قدمي مثلاً، يتسلل مجدداً ليتربع فوق رأسي، ومع كل كلمة أو حركة هوجاء، ينسكب من جديد ليغمرني حتى أغرق، فأعاود الكتابة من جديد، لأحرر عقلي وأتتبع ذلك الخط الحكائي إلى عمقه، الذي هو عمقي. في يوم واحد نصحني ثلاثة أصدقاء أن أكتب باسم مستعار، حتى أتجاوز المفروضات الاجتماعية والأمومية، وكل محاولات التلصص على النص، ومازلت حتى الآن أبحث عن اسم مناسب، حتى أتقمصه وأحكي من خلاله كل ما يرهقني، وأسب المعارف والأصدقاء وانتماءتهم التي يحملونها فوق أنوفهم.
أكره كل الأشياء من حولي، المكالمات الهاتفية، والرسائل والواجبات الاجتماعية، الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء، والملابس الرسمية، كلمة ألو التي تنطقها الصديقات بغنج أو عتاب أو جفاء، رنين الهاتف والأزرار والشاشات، الشعر الذي أحبه ولا أجده، العتاب والتجاهل، الرواية التي لم أكتبها بعد، أكرهها هي الأخرى، اللوحة المعلقة على الجدار والحرية التي أملكها أمامها، وضيق الوقت الذي يمنعني من تلك الحرية، الألعاب الصغيرة وأدوات المطبخ والشباشب الكروكس المتناثرة في طرقة المنزل، كل هذه الأشياء أتمنى حشرها داخل اللوحة، ربما أحبها بعد ذلك بعد أن أحبسها وأعذبها على سطح أفقي، لا تستطيع الفرار منه، إلا إذا قررت أنا إطلاق سراحها، وتحريرها من اللوحة من جديد.